من ظلمة اليأس تشرق شمس الأمل ..ومن حلم إلى حلم ..تتبدى معالم الطريق 


 

 

حينما يتاح لنا الوقت كي نتخذ إجراءات بوليسية خاصة ..حينئذ سنثير اضطرابات تهكمية

بين الشعب أو نغريه بإظهار السخط المعطل وهذا سيحدث بمساعدة الخطباء البلغاء

البروتوكول الثامن عشر

( من بروتوكولات حكماء صهيون )

 

                                        ***

العام  :  2008

 

مازلت أذكر الوجه الأسمر صاحب العيون الذكية الذي زارني يوماً طالباً

البركة ...أنا لست البابا ..فالبابا رجل يسيطرعلى دولة ..وأنا رجل يحكم العالم بأسره .....

أبتسم في ود ..كانت له عينان بريئتان صافيتان تشعرانك بالأمل وبدأ يتكلم :

- الأن أنا صفحة بيضاء أمامك ...

بادلته الأبتسام وقلت وأنا أقلب فنجان القهوة أمامي :

- لا يوجد شخص معنا صفحته بيضاء كل ماهنالك اننا سنقلب

الصفحة ونكتب في صفحة جديدة ومن أول السطر ...

ورشفت رشفة من فنجان القهوة قبل أن أستطرد :

- العالم كله يحتاج صفحة جديدة وبداية جديدة ... لقد جربنا الحرب

المباشرة وكان ذلك مكلف جداً أقنعنا البعض أنهم

هم مقدمة الملاحم ونزول المخلص لكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى

أكثر من ذلك ... وجه جديد وأسلوب أخر ..

كان يستمع إلي بتركيز شديد ..لقد احببت هذا الفتى حقاً وسيحبه

أعدائنا كذلك ... كنت اتابع مسترسلاً :

- أنت أسمر وتشترك اصولك العقائدية مع عقائد أعدائنا ..

سيعجب ذلك أعدائنا والمتشككين منهم سيقتنع عندما نشن حرباً عليك بسبب أصولك ...وعندما تصل

ستبدأ رحلة المسكنات والمطمئنات ..أنت فتى رائع ولك كاريزما

وستخلب الألباب وسينسى الأعداء جرائم العهد السابق وستغلق التوابيت

على جثث القتلى و لن تصير دولتنا أمة مكروهة بعد اليوم ..

بل ستبدو صديقاً مخلصاً لأعدائنا يقف من بعيد ويلقي بالنصائح ...

قال في صبر :

- دولتنا لا تستغني عن الحروب فتجارة السلاح جزء أساسي من

أقتصادنا ...

يالاالشباب المتعجل ..نظرت إلى عينيه الصافيتين وقلت في إنهاك :

- الحروب لن تتوقف يابني مادمنا سادة العالم .. فقط سنقوم بعمل

تغيير لللاعبين ... وستجلس دولتنا على دكة الأحتياط ...المعركة القادمة

لن تكون بين دولة وجارتها ..بل ستكون بين الأخ وأخيه ..الأب وبنيه ..

- الفتنة ..

قالها في تشكك.. فقلت بصوت كالفحيح :

- أو الثورة ...وجهان لعملة واحدة ...

***

إن الثورة ليست أكثر من نباح كلب على قيل

البروتوكول التاسع عشر ...

 

                               ***

تنحنح الفتى الأسمر قليلاً قبل أن يقول في أدب :

- هذا مخطط شيطاني ...

ضحكت حتى انتابتني نوبة من السعال ..ولما هدأت قلت بعينين حمراوين :

- لاتنسى أن البعض ينظر إلى العين الأحادية التي في الدولار

على أنها عين الشيطان ذاته ويزعم اننا نستمد منه العون ..

و نظرت إلى الأفق في شرود مكملاً :

- لا أحد يعرف الحقيقة وحتى من عرف ..لن يصدق أنه عرف وسيظل

يبحث عن الحقيقة ...

- لن تصمد حكومات أعدائنا ً ..وسنجد انفسنا أمام عالم

جديد .. لكن هناك خطر ...أصحاب الأيديولوجيات الدينية المتشددة.....

وصمت منتظراً فقلت له في لامبالاة :

- أنهم مخلب القط لنا دائماً ..تصور أن بعضهم يحفظ كتاب البروتوكولات المزعوم

عن ظهر قلب ويمشي على خطاه ...هؤلاء معروفون ... وقليليون بالنسبة

للسواد الأعظم ..والسواد الأعظم يسهل سحبه من أمعائه ..وغمسه في السياسة ..

 

 

                                    ***

استخدمنا الصحافة والخطابة العامة وكتب التاريخ الممحصة بمهارة

وأوحينا إليهم بفكرة أن القتيل السياسي شهيد

البروتوكول التاسع عشر ...

 

                                     ***

كنت اتكلم والشاب الذكي يستمع :

- ستصير الحرية كلمة مقدسة عند الشعب وفي سبيلها سيضحون

بأرواحهم وسيجعلهم هذا في حرب دائمة مع الأيديولوجيون وينقسم الشعب

على نفسه قسم يقدس الحرية وقسم يقدس أيديولوجياته الدينية وقسم أخر سنخصصه للأقليات من إيديولوجيات دينية أخرى ...ستسيل دماء كثيرة

ولن يفهم أحد لماذا قتل ..وفيم قتل ...

وازدرت لعابي قائلاً :

- أنها إرادة الرب لا محالة ...هو المهندس الأعظم المدبر لكل المؤامرات

قلتها ثم نظرت إلى موضع قدمي علامة على أن اللقاء أنتهى ..هب الشاب

واقفاً وأصلح من هندامه قبل أن يقول في احترام مودعاً :

- تشرفت بلقائك أيها الأستاذ الكبير وأمل أن أكون عند حسن ظنكم ..

قلت له دون أن أرفع بصري :

- الكل ترس في ألة المهندس العملاقة ... ولا يملك خيار الفشل ..

.

                                    ***

انتفضت من على الفراش كالملسوع وأنا اشهق في ذعر وجلست

أسعل قليلاً حتى كدت ألفظ انفاسي الأخيرة ..تباً أنه كابوس

أخر من كوابيسي المزعجة ... كانت زوجتي العتيدة قد استيقظت

كالعادة وبدأت تتسائل بصوت لم يستيقظ بعد :

- كابوس أخر ...أياك أن تقول عن الماسونية ....

- لكنه مختلف هذة المرة ... حلمت أنني واحداً منهم تصوري هذا

وابتلعت ريقي في صعوبة مستطرداً :

- كنت أتمنى لو أكملت الحلم فقط لأعرف السؤال الذي حيرني

لسنوات ...

قالت بصوت واهن أقرب للهمهمة :

- أي سؤال ..؟

قلت في حيرة :

- المهندس الأعظم ..كان هندسة القاهرة أم عين شمس ؟؟؟؟

 

                                 ***

 

العام : 2011

 

لم تعد الكوابيس المزعجة تؤرقني في الأونة الأخيرة ...

والسبب أن كوابيسي صارت حقيقة انغمست فيها وانغمس فيها العالم

حتى أذنيه ...فقط صارت أحلامي متعلقة بعالم أخر يعم فيه السلام والرخاء الجميع

والناس يسيرون في الطرقات أمنين وتعلو وجوههم البسمة المطمئنة على غد

أفضل ...وكالعادة استيقظ مفزوعاً غارقاً في العرق وأحاول أن أملأ رئتي بالهواء

النقي فقط لأكتشف أنني عدت بكل أسف إلى واقعي الأليم ....

أتامل زوجتي الغافية إلى جواري ... لم تعد تستيقظ كالعادة وتربت عاتقي في حنو

لعله الملل ..أو لعلها تحسدني على كوابيسي المتعلقة بعالم أخر .. عالم أفضل يعم فيه السلام والرخاء الجميع ..والناس يسيرون في الطرقات أمنين وتعلوا وجوههم

البسمة المطمئنة على غد أفضل ....

أقف في الشرفة تداعب نسمات الليل وجهي المرهق وبين حين وأخر تدوي أصوات

طلقات نارية من مكان قريب ... لقد صار هذا أمراً روتينياً ومملاً ..أحدهم يتخلص

من أحدهم .. لقد صارت أذني حساسة تستطيع التمييز بين الطلقات الصوت والطلقات الحية ... خبرة عدة أيام قضيتها في الشوارع مع اللجان الشعبية ....

هل هذة عبرات تلك التي تبلل وجنتاي أم أنه الندى ؟... لم أعد أعرف ......

فقط أنا أعرف يقيناً أنني نمت يوماً في شقتي في القاهرة واستيقظت لأجد نفسي في

الجحيم ......................

وصرخ صارخ بداخلي ....كيف حدث هذا .... ومتى بدأ ...؟

متى بدأ .....؟

 

                                        ***

 

 

 

 

-           السلام عليكم ...

 

 

                                     ***

 

أذكر جيداً اليوم الذي وقف فيه الشاب الأسمر يخطب في الجموع تحت قبة الجامعة ... ولن أنسى عينيه الصادقتين وعباراته الواثقة الحازمة

والمليئة بالأمال والطموحات للجميع ... العدالة

والحرية ....

والمساواة ....

للجميع ..للأبيض وللأسود ... للأحمر وللأصفر ... لليهود وللمسيحيين

وللمسلمين .......................

لم انسى كل ذلك ولم أنسى بالأخص ...أننا لم نرى يوماً سلاماً في العالم

منذ طل علينا وجهه الحالم وألقى علينا السلام ....

السلام عليكم......

ابتسمت في سخرية مريرة وأنا أتذكر وأتذكر ...لكن ..لم تكن تلك أبداً هي

البداية ... ولم نصل لما وصلنا إليه بمجرد كلمة ألقاها الفتى الأسمر تحت

قبة الجامعة ....

كنت بحاجة إلى أن أعرف .. إلى أن أفهم ...كنت بحاجة إلى ..........

حلم جديد ....

وعدت إلى فراشي حثيثاً واستلقيت على ظهري وأنا أمني نفسي بحلم جديد

عندما دوت الصرخة الملتاعة .....

انتفضت زوجتي في فراشها وهبت جالسة وهي تضع كفها على صدرها في ذعر أما أنا فقد تدثرت بملائتي وأنا أقول في لا مبالاة :

-           عودي لفراشك ..إنها جارتنا الست رجاء ...

-           رجاء !!! وهل ستنام دون أن تعرف ماذا جرى لها ....

أعطيتها ظهري قائلاً قائلاً في سأم :

-           يبدو أن أحدهم يغتصبها .. لقد صار هذا مثيراً للملل في هذة الأيام ...

وبضمير مرتاح رحت أغط في نوم عميييييييق ......

 

                                           ***

أني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون ....

أيخون إنسان بلاده .........؟

إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون ......؟

 

                                           ***

ها أنا ذا أبتسم في أشراق متأملاً الوجوه الشابة التي تجلس أمامي تتأملني

في رهبة وانتظار ... انتظار للكلمة ..وللحكمة .. وللبركة ...

لكنني لست البابا ... البابا يحكم مدينة أما أنا فأتحكم في العالم ..أنا فوق

الملوك والرؤساء ...

هؤلاء الشباب لا يعرفون حقيقتي ..لو عرفوها لارتعدت فرائصهم فرقاً ....

فقط أنا أبدو لهم أحد رعاة السلام العالمي ودعاة الحرية ....

ملياردير نعم ...خبير نعم ... لكن كل ماسبق لا يعبر عن حقيقة ما يواجهونه

أنها من اللحظات النادرة حينما يلتقى أحد أفراد النخبة الكونية مع بعض العميان الصغار ....

وفي اغلب الأحيان لا يعرف العميان الصغار أنهم فعلوها ..ربما يعلمون حينما

تتم ترقية أحدهم إلى رتبة أعلى ...

-           هل تعلمون..لماذا أنتم هنا ...؟

قال واحد :

-           لأن بلادنا ملئت بالظلم ...

وقال أخر :

-           لأن بلادنا تقمع الحريات ...

وأكمل ثالث :

-           لأن بلادنا تحرمنا المساواة ....

تأملت الوجوه الغاضبة التي أمامي وابتسمت في رضا ..قلوبهم تمتلئ

حقداً وكراهية لأوطانهم ...أوطانهم التي حرمتهم من الثالوث المقدس ..

الحرية ....

المساواة .....

الإخاء .....

قلت لهم فارداً ذارعيا وكأنني أحتضن الجميع :

-           أنتم صفوة الصفوة .. غيركم في مثل سنكم الان يرضخ للظلم وينتظر

من يقوده ..أنتم المبصرون حقاً ..وستقودون أوطانكم إلى الحرية والعدالة

والمساواة ...ستعودون ملوكاً ورؤساء بعد أن كنتم صعاليك ..منكم من يحلم بالمال ومنكم من يحلم بالمنصب والجاه ..

وبرقت عيناي وأنا استطرد بصوت كالفحيح :

-           أنتم هنا في أرض أبداً أبداً ....حيث تصير الأحلام والخيالات واقعاً ملموساً

وتوقفت برهة لأتأمل وقع كلماتي على وجوههم ...

وجه يحلم بالمال ..لا تخجل يا صديقي ...لو دققت النظر في المراة ستجد

الأوراق الخضراء الساحرة معكوسة على بياض عينيك ...

ووجه أخر يحلم بالسلطة ... ودوى هتافات الجماهير التي ستهلل له تصم أذنيه ...

وأخر يحلم بالزواج من الفتاة التي تجلس إلى جواره .. في بلاده يعتبر هذا

زواجاً محرماً لأن ديانته تختلف عن ديانة الفتاة لكن هنا .. في أرض أبداً أبداً

طلباتك مجابة ... حتى أنت ..نعم أنت ... لا تخجل ... يا من ولدت بعيب خلقي

شائع لكنه غير مقبول في مجتمعاتكم المتخلفة القمعية لكنه هنا يعتبر مجرد

اختيار .. وحق مشروع.. من حق الرجل أن يفكر في رجل مثله ويهيم به حباً

ويتزوجا في النهاية ... في بلادكم المتخلفة يعتبر هذا جريمة شنعاء وتجديف

وتحقيقه أبعد من الخيال ...لكنكم هنا في أرض أبداً أبداً ..كل شئ مجاب ...

لكن يبقى الروتين الأبدي ..لكي تتحقق أحلامك لابد من مقابل ....لابد من ثمن ..

-           لابد ان تتعلموا كيف تسيرون على النهج الذي سنرسمه لكم بعناية ... لابد من الطاعة المطلقة .. والانصياع التام .. سندربكم كيف تواجهون الصعاب وتنتصروا عليها في النهاية ...مهما كانت التضحيات ....مهما كان الثمن ....

قلتها وفي داخلي أعلم يقيناً أن أمامي حفنة من الأوغاد لا يتورعون عن التضحية بدماء أقرب الناس إليهم في سبيل تحقيق غايتهم ..

حفنة أوغاد .. لو كان ميكيافيلي حياً لسال لعابه أمام تلك البضاعة الرخيصة

والغالية في نفس الوقت ....

تعالوا يا أبنائي إلى أبيكم الذي اخترتموه بإرادتكم ...تعالوا تحت عبائتي

فإن مأساة فاوست تتكرر منذ فجر التاريخ وحتى ينفخ في الصور ....

 

                                             ***

 

في الصباح جلست اتابع نشرات الأخبار في عدة قنوات تليفزيونية

بينما زوجتي تعد الإفطار .... كان العالم كعهدي به يأكل بعضه بعضاً

على الشاشات ....

كان هناك العديد من الضحايا والدماء ....

كان هذا هو الثمن والقربان الذي قدم لكي ننال الحرية والمساواة والإخاء

المؤسف هنا هو أنني لم أرى على الشاشات من بين الضحايا أي وجه من تلك الوجوه التي قمت بتدريبها بنفسي ..في الحلم طبعاً ....

ذكروني في الحلم القادم أن أخذ معي ورقة وقلم لأدون تلك الأسماء التي

باعت روحها للشيطان ...

فقد يكون هذا مفيداً ... في المستقبل ....

 

                                             ***

العام : 2012

 

هذة المرة جائني الفتى الأسمر وقد انتشر الشيب في رأسه

لقد نال قسطاً من الخبرة في خلال الأربع سنوات الماضية ..

لكن وجهه مازال نضراً حالماً موحياً بالأمل ..

وانحنى في أدب ليلثم كفي الممدودة إليه .. ونزع عن عينيه منظار الشمس الداكن وجلس إلى جواري تحت المظلة ..

كان البحر يعزف سيمفونية ملحمية هادرة وكنت مستغرقاً في

التأمل.. البحر في تلك اللحظة يلقي إليك بأسراره ..

 

لقد أثبت جدارة غير عادية أي بني .. تستحق عليها أربع

سنوات أخرى في المعبد الأبيض ..

ابتسم الفتي في فخر ولمعت عيناه الصافية الذكية :

ـ لقد تركت العالم من ورائي يأكل بعضه بعضاً ..

ـ هذا هو تخصصك أي بني ..ومن أجله ندعمك ..

ـ لقد جئت من أجل خطة الأربع سنوات القادمة ..

ـ أها ..إذن هل أنت منصت ..؟

أومأ برأسه علامة الإيجاب .. فأخرجت سيجاراً ماركة غوركا بلاك دراغون من علبة السيجارالمبطنة والمصنوعة من عظم الجمال ..لا أحد يدخن السيجار الكوبي في الولايات علناً لكن مالنا وللولايات ..نحن كما أسلفنا ..فوق الدول والملوك والرؤساء ..وسارع الفتى بتناول القداحة الذهبية وتطوع بإشعال السيجار الفاخر لي..

جذبت نفس عميق من السيجار ..ونفثت حلقتين متتاليتين من الدخان كأني أبصر فيهما الطالع ..ثم بدأت أتكلم...

ـ هناك دائماً عقبة منغصة تقف كحجر عثرة في طريقنا

خطة القرون على وشك أن تكتمل والدائرة تستعد لتنغلق ..لكن ..هناك من يضع قدمه في أخر لحظة وفي أضيق فرجة ..

تنحنح الفتى ثم قال في خشوع :

ـ هذة العقبة لن تستمر طويلاً .. لا يوجد لديها أمن داخلي

الجيش مشتت والأحزاب تتناحر .. الديون وخسائر الاقتصاد كفيلان بإدخالها في موسوعة جينيس للكوارث..

نفثت حلقة أخرى من حلقات الدخان .. ونظرت إليه نظرة جانبية محاولاً كتمانً مشاعري .. قلت له في بطء :

ـ لكن هذة العقبة لا تزول .. كل المؤشرات تقول أن هذة العقبة

لا ينبغي لها أن توجد أصلاً..لكنها موجودة بالفعل .. والسبب أن الجيش ليس مشتتاً كما يدعي ..لابد أن يحال جهاز الأمن الداخلي للتقاعد ولابد أن توجد الميليشيات الشعبية التي ستطالب بحقها في ميراث الأمن الداخلي لديك فرق متنوعة بالداخل يمكنها عمل شئ حقيقي .. لديك أصدقاء حقيقيون في الداخل راهن عليهم وستكسب .. لا تنس أننا ندعم الجميع ..

ثم توقفت هنيهة لأنفس المزيد من دخان السيجار الكوبي ..

ثم قررت أن أقص عليه قصة حزينة :

- يحكى أن امرأة جميلة قتل العدو بعلها طمعاً فيها ومن أجل ذلك تركوا لها ولدين توءمين متنازعين على شئونها .. كل منهما يدعي أنه الأحق برعايتها وكل منهما يعتقد أنه مختلف عن الأخر وطريقه غير طريق الأخر .. لكن كليهما صنيعة واحدة والصانع واحد .. والحقيقة الغائبة عنهما أنهما يعبدان طريقاً واحداً للعدو ينتهى حيث فراش الأم المصون ..

انتهيت من قصتي ووضعت كفي على فخذ الفتي وبصوت قادم من فوهة بركان ملتهب عقبت :

ـ الأربع سنوات القادمة لك مهلة ..من أجل إزالة تلك العقبة من طريقنا .. تذكر أنها فرصتك الأخيرة..

ضم الفتى الأسمر شفتيه وانعقد حاجبية قبل أن يقول في حزم :

ـ إنها لمهلة طويلة ...

ـ إذن عد أيها الفارس الأسود لميدانك .. وسأجلس جوار المذياع أنتظاراً لسماع أخبارك ..

ومددت له كفي ليلثمها قبل أن يهب واقفاً ويعدل من هندامه ويضع منظار الشمس الداكن على عينيه ..

ومكثت أراقبه وانا انفث حلقات الدخان..

فتى واعد وذكي .. صحيح أنه سيعطلنا أربع سنوات أخرى

لكنه واعد وذكي .. وربما فعلها ..من يدري ..

وإن لم يكن فسيذهب إلى حيث ذهب رفاقه ..

إلى مخزن العرائس والدمى القديمة ...

***

في الصباح حينما عدت لشخصيتي العادية جلست أجذب شعري وأخمش وجهي أمام شاشة التلفاز..

الدخان وأصوات الطلقات لم أعد أميز مصدريهما ..ربما من التلفاز

وربما من عند الجيران .. حاولت كثيراً في الأيام الماضية أن أبقى مستيقظاً ..لا أريد أن أنام.. لا أريد ..

لكن من ذا يستطيع أن يهرب من سلطان النوم الغاصب ..

وجاءت زوجتي بطبق ضخم مليء بالفيشار الساخن تسليتنا

العتيدة أمام شاشة الأخبار .. وجلسنا بفم مليء بالفيشار نتابع

مبارة المصري مع المصري .. النتيجة حتى الأن ...

لم أستطع التمييز حقيقة لأن الرؤية تشوشت فجأة أما عيني ..

كنت أبكي كطفل قتل العدو أباه ..

طمعاً في أمه الجميلة ..

 

                                   ***

 

العام : 2013

 

 

لا .. لست بحاجة إلى حلم جديد ..

لقد استيقظت أخيراً من الكابوس الطويل ولم يبق إلا أثره الكئيب

الذي يعلق بالنفس برهة من الوقت ..

ثم لا شيء بعدها ....

 

                  ***

هذة المرة اترك لخيالي العنان ..

ربما عدت للوراء عدة قرون ..فأتخيل نفسي سيف الدين قطز وهو يرمق رقعة الإسلام من مشرقها إلى مغربها بوجه مغتم مهموم .. طوفان التتار القدامى يجتاح الوطن الإسلامي ويلتهم  كل يوم قطعة غالية من أراضيه .. من الشرق يجتاح فارس فالعراق ثم يداهم سورية ..ويقترب من أرض الكنانة ..

 لقد قرر أن أقف حجر عثرة في طريق التتار  ...لكن هناك أيضا حجر عثرة في طريقي  يجب أن تزال ..والتفت ناحية السلطان ..فتى صغير  .. ضعيف الرأي لا يقوى على النهوض بأمر عظيم مثل مجابهة التتار ..

وكان لابد من حل لهذة الإشكالية ..

-           عزلت السلطان ابن استاذك ..

هكذا صاح الأمراء معترضين حينما فوجئوا بالخبر فرفعت  كفي إليهم ليصمتوا ..ًقلت في هدوء وثقة  :

-           التتار على الأبواب ولابد لمصر من سلطان قوي يأوى إليه الناس

ويجمع شتاتهم في مواجهة السيل الجارف ..

رباه كم تحليت بالصبر والجلد رغم خطورة الموقف وتبعاته .. كم هو مرعب أن تتفق لك قيادة  تلك الملحمة ..فبعد أن استسلمت للتتار  دول وممالك شتى وداهنهم وصانعهم  ملوكها تأتي أنت ..

لتسوس أمر العباد وتجند الأجناد .. وينادي منادي الجهاد في مدن

وقرى  المحروسة ..أن هلموا إلى جنة عرضها كعرض السماوات ..

وفي عين جالوت كانت الكسرة المدوية ..

ألقيت خوذتي وصرخت فشقت صرختي عنان السماء  :

- ياالله .. أنصر عبدك قطز ...

وكسر التتار وأنقذت مصر العالم ..

ضربت رأس الأفعى في أرض الكنانة ..وبقى لها ذيول هنا وهناك .. وغداً سأجرد لها  الحملات  وسأطهر التراب الإسلامي من رجس التتار  .. وهكذا كانت البداية دائما من أرض الكنانة ..بلد الكرامات ..

قلعة الإسلام ومصنع الأبطال ...

 

                           ***                  

 

ومرة أخرى اترك لخيالي العنان .. فأراه  واقفا حيث الشاطئ

الممتد اللانهائي.. كئيبا مكفهرا ليس في وجهه دم .. 

لم يعد الشاب الذكي اللامع المقبل على الحياة ..

كم تتبدل النفوس وتتغير الأحوال ..الفشل ..

كلمة تدوي كالناقوس في أذنيه ويتردد صداها في كل شبر من عالمه .. عالمه الذي بدأ  يتداعى ..

من بعيد يقترب الشيخ العجوز يمشي في تؤده .. فوق الملوك والرؤساء  هو ..لا يخضع لنظام وفوق كل نظام هو  ..ولم يشعر به الفتى الأسمر إلا وكفه الباردة على عاتقه فأجفل .. ثم انحنى يطبع قبلة يائسة على كفه العجوزالممدودة ..

-           مرحبا بفارس روما الأسود الهصور ..

تصاعد الدخان الأسود أمام عينيه .. وأوشكت السحب أن تهطل بالأمطار الحارة  ..لكنه تمالك نفسه على حافة المنحدر الوعر ..

وقال :

-           الرب تخلى عني ..

- الكل ترس في ألة الرب العملاقة ..ولايملك أحدنا خيار الفشل

 تذكر هذا جيداً أيها الفارس الأسود .. لقد قمنا باستنساخك

من عنصر أعداء الرب  وجعلنا منك حصان طروادة .. لقد أمضيت قدما في مخطط الرب لكن ..يبدو أن الرب أراد أن يمجد فارس أخر

غيرك ويشرفه بخدمته الجليلة ..

شحب وجهه كالأموات ..وتسائل بصوت قادم من جوف قبر :

-           والأربع سنوات الباقية ...؟

-           الأمر جلل ولم يحدد  مصيرك بعد.. ربما ترحل وربما تكمل خدمتك للرب في محرابه الأبيض كشبح ..مجرد شبح..

وردد الفارس الأسود المحطم :

-           شبح ..

نعم .. ربما اتخيل هذا وأكثر ..

لقد ولى الكابوس الذي جثم على صدورنا  وإن كان مؤقتاً

لكن من يدري ..صحيح أن الزمن غير الزمن والناس غير الناس ..

لكن من يدري ..  ربما أظهرت أرض الكنانة كرامتها كعادتها في اخر لحظة..

 

                                 ***

 

ومازال الحلم مستمراً ..

 

 

تمت

amrmuostafa

عمرو مصطفى

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 270 مشاهدة
نشرت فى 2 سبتمبر 2013 بواسطة amrmuostafa

ساحة النقاش

عمرو مصطفى

amrmuostafa
قصص وروايات ومقالات »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

57,315