موضوع حلقة اليوم عن الزواج، ذلك العقد الشريف المبارك الذي شرعه الله سبحانه وتعالى لمصالح عباده ومنافعهم، يظفر منه بالمقاصد الحسنة والغايات الشريفة، ويحفظ به الذرية والنسل، ويعف من خلاله عما حرّم الله، ورغم أن الإسلام قد حض على الزواج وعلى تيسير الأمور لكل الراغبين فيه إلا أن التعقيدات التي تصحب الزواج الآن أصبحت محبطة لكثير من الشباب وأدت إلى تأخر سن الزواج والإعراض عنه سواء لدى النساء أم الرجال، فلماذا أصبح الزواج قضية معقدة لدى كثير من الشباب، ومن يتحمل مسئولية هذه التعقيدات الأبوين أم المجتمع، وكيف يمكن تذليل عقبات الزواج وكيف يختار الشاب المسلم زوجته، وكيف تختار زوجها تساؤلات أطرحها اليوم على فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي.
المقدم
قضية الزواج قضية كبيرة وأصبحت تحتل حيز كبير لدى الناس بسبب التعقيدات التي أصبحت تصاحبها الآن عما كانت عليه من قبل، بداية لماذا رغّب الإسلام في الزواج وحض عليه؟
القرضاوي
قد رغّب الإسلام في الزواج وحث عليه في القرآن وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما وراءه من أهداف وما يحققه من مقاصد في الحياة الإنسانية، أولاً الزواج هو شرعة كونية، كل شيء في الكون قائم على الازدواج، الله تعالى يقول (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)، (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) يعني التقابل هذا بين الموجب والسالب، حتى في الذرة التي هي قاعدة البناء الكوني هي فيها إلكترون وبروتون أو شحنة كهربائية سالبة وأخرى موجبة، فهذا التزاوج هو سنة كونية، فالإنسان لا ينبغي أن يشذ عن هذه السنة الكونية، ولذلك منذ خلق الله الإنسان الأول آدم وأسكنه الجنة لم يدعه وحده في الجنة، لأن ما معنى أن يسكن الإنسان في الجنة وحده ولا أنيس له ولا جليس، ولذلك خلق الله آدم وخلق من جنسه زوجاً (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) (ليسكن إليها) كما في آية أخرى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) فهذا أول شيء أن الزواج يتآلف مع السنة الكونية، من ناحية أخرى هو السبب الوحيد لبقاء هذا النوع، الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعمر الأرض ويكون له خليفة في هذه الأرض وكيف يبقى الإنسان؟! لابد أن يزودج مع امرأة أخرى حتى يحدث التناسل، والقرآن يشير إلى هذا بقوله (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) والحديث يقول "تناكحوا تناسلوا" فهذا أيضاً مقصداً هاماً جداً، هناك مقصد آخر أن الله ركَّب في الكيان البشري ما نطلق عليه الغريزة الجنسية أو الدافع الجنسي الفطري، إن الرجل يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل بحكم الفطرة البشرية، فلابد أن تشبع هذه الفطرة، فجاءت الأديان تنظم إشباع الغريزة، لا تطلق لها العنان، الناس وقفوا من هذا الأمر مواقف ثلاثة: هناك ناس كبتوا هذه الغريزة "نظام الرهبانية" وهناك ناس أطلقوا لها العنان بلا ضابط ولا رابط "فلسفة الإباحية"، وهناك النظام التي جاءت به الشرائع السماوية وختمها الإسلام، وهو أنه نظم هذا بأن يكون ذلك عن طريق هذا الزواج الذي سماه الله تعالى في القرآن (ميثاقاً غليظاً) وهذه كلمة قالها عن النبوة، قال عن الأنبياء (وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) وقال عن الزوجات (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) رباط متين مقدس، فلابد للإنسان لكي يشبع هذه الرغبة الفطرية من هذا الزواج، وهذا جاء في الحديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" والله تعالى يقول (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) أي حاجة الرجل إلى المرأة وحاجة المرأة إلى الرجل، كحاجتهم إلى اللباس والثوب الذي يحقق له الستر والزينة والوقاية والقرب واللصوق والدفء فهذه مكان الزوجية من كلا الطرفين.
أيضاً من أهداف الزواج إيجاد الأسرة المسلمة التي هي الخلية الأولى لقيام المجتمع المؤمن، أن يوجد البيت ومن مجموعة البيوت يتكون المجتمع ومجموعة المجتمعات تتكون الأمة الصالحة، فلابد أن يوجد هذا البيت بأركانه التي أشار إليها القرآن في قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) فهذه هي القواعد الأساسية، السكون النفسي، سكون كل واحد إلى الآخر، وقيام المودة، الزواج الحقيقي لابد أن يقوم على التواد ـ لا على الشجار ـ والرحمة ثم من ناحية أخرى الزواج رباط اجتماعي، حينما أتزوج من عائلة أو من عشيرة أو من قبيلة فقد انعقدت بيني وبينها آصرة ورابطة هي رابطة المصاهرة، هناك رابطتان طبيعيتان، النسب والمصاهرة، النسب وهي رابطة الدم ـ أخي وابني، وابن عمي، وعمي .. والمصاهرة التي تأتي عن طريق الزواج، أصهاري أصبحوا أقارب امرأتي ـ أبوها وأخوها وأقاربها ـ أصبحوا أصهاراً لي، والقرآن يقول (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً) فبهذا تتسع دائرة المودة والترابط بين الناس بعضهم وبعض، فمن أجل هذا كله حث الإسلام على الزواج ورغًب فيه، والنبي ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) قال: "وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
المقدم
فضيلة الدكتور هنا محور هام أشرت إليه وهو محور الميثاق الغليظ، هذا الميثاق الغليظ هل هو فرض أم سنة أم مستحب بالنسبة للإنسان المسلم، بعض الناس يعرضون عن الزواج، وبعض الناس يتأخرون في الزواج، وبعض الناس لا يضعون للزواج أولوية، فما هو موقعه من الناحية التشريعية بالنسبة للفرائض والسنن والمستحبات والواجبات؟
القرضاوي
الإعراض عن الزواج تديناً أي أن الواحد يريد أن يترهّب فهذا غير مشروع في الإسلام "لا رهبانية في الإسلام" ولما سمع النبي ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) بعض الصحابة الذين سألوا عن عبادة النبي ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) فوجدوه ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) يقوم بعض الليل وينام بعض الليل، ويصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام فكأنهم تقالّوا هذه العبادة، وقالوا: أين نحن من رسول الله( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) رسول الله ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) غفر الله له ما تقدم من ذنبه ... فواحد قال: أنا أقول الليل فلا أنام أبداً، والثاني قال: أنا أصوم الدهر فلا أفطر أبداً، والثالث قال: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فالنبي ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) أنكر عليهم، فقام وخطب في الناس وقال: "أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" فسنته أي مذهبه ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) مذهب التوازن والاعتدال، فلا يجوز للإنسان أن يعرض عن هذا مخالفاً للنبى محمد ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) ولكن إذا كان الإنسان يخاف على نفسه أن يجور على المرأة ولا يقوم بحقها، ليس عنده القدرة المالية، أو ليس عنده القدرة الجنسية فيجوز له هذا، ولذلك العلماء قالوا أن الزواج تعتريه الأحكام الخمسة، وهي الفرض والمستحب والمباح والمكروه والحرام، ابن حزم يرى أن الأصل في الزواج الفرض، أي أن كل واحد بلغ وقدر على الزواج فرض عليه أن يتزوج، وقال الله تعالى يقول (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والأصل في الأمر الوجوب والنبي ( صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم) يقول "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" فهذا أمر والقرآن يقول (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) وهذا أمر للمجتمع كله بأن يعينه على الزواج، فمن كان يخاف على نفسه الوقوع في الحرام وهو يقدر أن يتزوج، واجب عليه أن يتزوج، وخصوصاً في عصرنا الذي كثرت فيه المغريات من المعاصي وفتحت فيه أبواب الحرام على مصارِعها، ووجدت الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتعرض الشباب ـ خصوصاً الذين يسافرون إلى البلاد المختلفة ـ لهذه المغريات فبهذا يصبح الأصل في الزواج فرضاً، لأن الإنسان مادام يخاف على نفسه وهو قادر على أن يتزوج يجب عليه أن يتزوج، إذا لم يكن خائفاً على نفسه وليس تائقاً إلى الزواج يستحب له أن يتزوج.
المقدم
هل الغرض هو الذي يقرر هنا، أم أن التشريع هو الذي يفرض على حالته أن تكون واجبة أو تكون فرض أو كذا؟
القرضاوي
التشريع يفرض حسب الحالات، إذا كان تائقاً إلى الإشباع الجنسي ويخاف على نفسه الوقوع في الحرام وعنده القدرة المادية يجب أن يتزوج، فهذا واجب عليه، واحد آخر حالته معتدلة يقولوا له: مستحب لك أن تتزوج لا يخاف على نفسه، إنما لكي يحقق أهداف الزواج التي أشرنا إليها، وتشارك في إنشاء أسرة مسلمة وتأخذ بنت الحلال تسترها وتسترك، فأنت تحل مشكلة في المجتمع أيضاً، لأنه لو كل واحد قال: أنا غير تائق إلى الزواج، فبنات المسلمين من يتزوجهن؟ فهنا الشخص الذي لا عنده هذا ولا هذا نقول له: براحتك. وهناك شخص يخاف على نفسه الجور، فإذا كان يخاف مخافة مؤكدة فيكون حرام عليه، إذا كان بين بين نقول له: مكروه، إنما الأصل الحقيقي في الزواج كما تدل عليه النصوص إما فرض واجب وإما سنة مستحبة.
المقدم
لكن فضيلة الدكتور من خلال معايشتك للعصر وللواقع الموجود الآن، هل تعتقد أن هناك من يأمن على نفسه من الفتنة، إذا أنت تفتي لعامة المسلمين الآن هل تفتي لهم بأن الزواج أيضاً يخضع لكل شخص أم أن الظروف المحيطة بنا الآن تجعل الزواج فرضاً أساسياً والحالات الاستثنائية هي من ليس لديه مقدرة مالية هو الذي يُستثنى.
القرضاوي
الأصل هو ما قاله ابن حزم أن الزواج فرض على القادر وخصوصاً في عصرنا هذا وما أشرنا إليه من فتن هذا العصر ومغرياته إنما قد يؤجل الإنسان لسبب ما لأنه مشغول جداً مثلاً واحد يدرس وكل همه في الدراسة أو ما شابه ذلك ------- جزى الله سماحة الشيخ خير الجزاء والى تكملة الحوار فى المقال الثانى بإذن الله تبارك و تعالى ---- ( الشريف أبو إياد )
ساحة النقاش