التسويق في الوطن العربي
كان التسويق في وطننا العربي وحتى بداية التسعينات في غياب واضح عن شركاتنا سواء أكانت صغيرة أو متوسطة أو حتى في بعض الأحيان الشركات الكبيرة. وبدأ هذا الغائب بالحضور ولكن على إستحياء من مواجهة شركائه الآخرين في إدارة الشركات والمشاريع؛ فمقعد المالية والمحاسبة يحتل اهتماما كبيرا على طاولة صنع القرار في الشركة. كما أن مقعد الإنتاج هو الأعرق زمنيا على هذه الطاولة. وأما مقعد الإدارة فلقد لبث عقودا طويلة ليجد متسعا على طاولة صنع القرار أمام أصحاب الإستثمار ورؤوس الأموال. فكيف للتسويق أن يحضر بقوة وهو حديث السن، عديم الخبرة في البلدان العربية؟
وبعد طول معاناة واجهها التسويق أمام مجالس الإدارة، تم الموافقة على الدخول التسويق للشركات.
بثلاث شروط! :
1) عدم التدخل في الشؤون المالية
2) عدم التدخل في الإنتاج
3) عدم التدخل في إدارة الشركة
وكانت المهام المطلوب من قسم التسويق هي :
1) تسويق وبيع المنتجات
2) فتح أسواء جديدة للشركة
3) إيجاد حلول إبداعية لأزمات التنافس
الحقيقة أن قسم التسويق بدأ عمله في الشركات العربية ورضي بهذه الشروط لأحد الأسباب
الآتية:
- لأن الموافقة المشروطة هي أفضل المعروض عليه حتى الآن.
- أو إعتقادا من العاملين في التسويق بأنها خطوة للأمام.
- أو لأن العاملين في التسويق لم يفهموا حقيقة التسويق ، وإنما تسلسلوا فيه وظيفيا دون تأهيل
علمي مدروس.
إستمرت حكاية التسويق هذه من التسعينات وحتى بداية الألفية الجديدة. وكان قسم المالية والإنتاج وشؤون الموظفين عوضا عن الإدارة في الشركة سعيدون جدا من قسم التسويق. فهو قسم يحترم حدوده! وغير مزعج في طلباته ولا تكاليفه. لكن هذه السعادة لم تدم طويلا؛ فالعولمة والشركات متعددة الجنسيات أنهت إجراءاتها لدخول الدول العربية رسميا. بالإضافة إلى أن قائمة الأرباح والخسائر التي أعدها القسم المالي غير مبشرة بخير، وأما مستودعات الإنتاج فأصبحت مليئة بالمرتجعات أو المنتجات منتهية الصلاحية، وبالنسبة للإدارة أمام تحدي كبير وهو إعداد التقرير السنوي لأعمالها أمام أصحاب رؤوس الأموال.
ورغم أن الجميع ألقى بالملامة على قسم التسويق، بل أن أغلب الحلول المقترحة كان تتمحور حول تغيير هذا القسم وإستبداله، إلا أن الحكاية تكررت مع جميع أقسام التسويق المتلاحقة في مابعد.
وفي سابقة خطيرة بدأ بعض مدراء التسويق بعرض حلول تُخرج تلك الشركات من كل الأزمات التي يواجهوها. والمفارقة هنا أن هؤلاء المدراء عرضو حلولا مشروطة. وما كان لجميع الأقسام إلا بالإقرار والموافقة. فأي حل لن يكون أسوأ من أن تغلق الشركات أبوابها أمام الشركات الأجنبية الأخرى. وأما تلك الشروط التي وضعها مدراء التسويق فهي:
1) إمكانية وضع إقتراحات شبه ملزمة لقسم الإنتاج في الشركة. فليس من المنطق تسويق ما
لا يمكن بيعه على جمهور المستهلكين!
2) تخصيص موازنة قوية للتسويق، بالإضافة إلى التشارك مع قسم المالية في السياسات
التسعيرية. فالتسويق على خط التماس مع العملاء.
3) المساهمة مع الإدارة في صناعة القرارات المتعلقة بسياسات الشركة والتي قد تؤثر تسويقيا
على الشركة.
إن هذا الشروط رافقها إلتزامات ومهام جديدة من قسم التسويق وهي:
- العودة للمستهلكين ودراسة إحتياجتهم ثم إحالتها للإنتاج.
- دراسة المنافسين وتحليل خططهم التسويقية.
- تشكيل قوى بيعية مؤهلة، وعدم الإعتماد على أفضل الموجود لشغل هذه الوظيفة.
- وضع الخطط التسويقية والترويجية والبيعية بترابط وتكامل.
إسترجاع مكانة التسويق في الشركة بالشكل الموجود في شركات الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وكندا أعاد للشركات نشاطها وضمِن لها البقاء.
ونرى اليوم أن الحكاية التي سردناها تجاوزتها العديد من الشركات العربية اليوم وبدأت من حيث انتهى بنا الحديث بتشكيل قسم تسويقي بمفاهيم حقيقة وفعالة. وعلى الجانب الآخر هناك شركات مازالت تعيش في التسعينات أو حتى قبل ذلك من خلال تهميش قسم التسويق لأحد إعتبارين : ضعف العاملين في القسم وعدم كفائتهم أو جهل الإدارة بدور التسويق في نجاح وتطوير الشركات أو كلا السببين. ومهما يكن الأمر فالنتائج والأرقام على أرض الواقع سوف تجعل الجميع يلاحق ثورة التسويق أو يقودها، أو يتنحى قليلا عن الميدان.
ومن خبرتي الشخصية، لقد واجهة مدراء لشركات كبرى يوافقوا على شروط مدراء التسويق مقابل الحصول على نتائج، وبالفعل تجد هؤلاء المدراء يتربعون على عرش من النجاحات والإنجاز والتطور المستمر. وآخرين حافطوا على مسمياتهم الكبيرة ولكن في شركات صغيرة جدا وواهية.
وهذه نظرة جديدة ... في عالم التسويق المحترف أحببنا أن تشاركونا إياها.
<!-- START of joscomment -->
ساحة النقاش