تزايد الاهتمام والتركيز علي التدقيق الداخلي في الآونة الأخيرة، من قبل العديد من الهيئات كالتجمعات المهنية والباحثين والمدققين الداخليين. حيث تولت هذه الهيئات مسؤولية العمل لتحديث أدوار التدقيق الداخلي وأنشطته والعمل على تحسين العلاقة بين إدارته وبين باقي الإدارات وزيادة درجة التنسيق والتعاون فيما بينهم وذلك بما يتلاءم مع المستجدات ويفي بالاحتياجات المتزايدة والمتطورة لمعلومات أكثر دقة تساعد في دعم واتخاذ القرار ( الكاشف ، 2000 ، ص31).
ولعل وراء ذلك هو حدوث الأزمات المالية، وانهيار العديد من منظمات الأعمال العالمية، وفقدان العديد من المساهمين وأصحاب المصالح لأموالهم، نتيجة فساد إداراتها العليا، وفشل المدققين الخارجيين – بل وتواطؤ بعضهم - في الكشف عن تلك التجاوزات واتخاذ الإجراءات المهنية الملائمة، فضلا عن انحسار دور المدققين الداخليين، عن القيام بدورٍ فعالٍ في مواجهة الفساد المالي، المنسوب إلى الإدارة العليا لتلك المنظمات، على الرغم من التطورات المهنية والتقنية الهائلة، التي دعمت مهنة التدقيق بنوعيها.بالاضافة الى تبني مفهوم الحكومة واعتبار التدقيق الداخلي هو أحد المحاور المهمة التي يرتكز عليها نجاح إطار حوكمة الشركات في تحقيق أهدافه. ترتب عليه تعديل جوهري في كلاً من مفهوم وأنشطة التدقيق الداخلي لتتجاوز مرحلة الاهتمام التدقيق بالنواحي المالية وإتباع الأسلوب البوليسي في التدقيق وتصيد الأخطاء وعرض النتائج إلى نظام يسعى إلى تعظيم القيمة للأطراف المرتبطة بالنشاط من خلال معاونة الإدارة في تحديد ومواجهة الصعوبات والمخاطر ذات التأثير السلبي على تنفيذ السياسات والاستراتيجيات، وتقديم التوجيهات الموضوعية المناسبة لضمان تحقيق الأهداف العامة للوحدة الاقتصادية.
إن تحرك دور التدقيق الداخلي نحو تدقيق العمليات التشغيلية، والمساهمة في إدارة المخاطر بمختلف أنواعها، والعمل كمستشار داخلي يسعى إلى توفير المعلومات ليس للإدارة فقط بل العديد من أصحاب المصالح، جعل وظيفة التدقيق الداخلي تواجه تحدياً لإثبات أهميتها وإقناع الأطراف المرتبطة بها بأهمية الدور الذي تؤديه. الأمر الذي يستلزم البحث عن آلية حديثة لتقييم أداء وظيفة التدقيق الداخلي، بما يتناسب مع طبيعة دورها في ظل إطار الحوكمة، وبما يساعد علي رفع مستوي كفاءة أداء المدقق الداخلي، وإتاحة الفرصة لإمكانية مراجعة جودة أداء التدقيق، ويمكن إدارات المنظمات من تقييم مقدار مساهمة وظيفة التدقيق الداخلي بها في تحقيق أهدافها التنظيمية واستراتيجياتها الموضوعة.
وهو ما أكده المعيار الدولي للتدقيق الداخلي( 1300) وتفسيراته "على مدير التدقيق تطوير والحفاظ على تأكيد الجودة، و برامج التحسين بما يغطي جميع جوانب أنشطة التدقيق الداخلي ". وأنه ينبغي أن يتضمن برنامج ضمان وتحسين الجودة التقييمات الداخلية والخارجية، وأن يسمح هذا البرنامج بتحسين نشاط التدقيق الداخلي وتحسين عمليات المنظمة.(AII،2009).
ومع ذلك فإن المعيار لم يتضمن أي تفاصيل تتعلق بأدوات التقييم أو الكيفية التي يمكن بها رصد وتقييم أداء التدقيق الداخلي.
هذا ومع الاعتراف بأوجه القصور في نظم تقييم الأداء التي لا يمكن أن تلبي جميع الاحتياجات في العصر الحاضر، لافتقارها بشكل أساسي لاستراتيجية واضحة واعتمادها علي المقاييس التي تركز علي الماضي بدلاً من الالتفات إلي المستقبل، تم إدخال لمجال التقييم نظم جديدة، هذه النظم أو الأطر شملت مجموعة من البيانات المالية وغير المالية، كما إنها لا تعمل على قياس الأداء فحسب وإنما أيضاً علي تحسينه (محمد عبد الوهاب العزاوي ، ص2).
ولعل أهمها ما قدمه العالمان الأمريكيان : Robert N .Kaplan and David P .Norton في عام 1996 حيث قاما بتطوير أداة أطلق عليها بطاقة القياس المتوازن (BSC) واستمرا بتطويرها خلال السنوات العشر الماضية لتشمل مجموعة من المقاييس المالية وغير المالية لتقويم الأداء الشامل للمنظمة، حيث تتضمن المقاييس المالية التي تقدم وصفاً عن نتائج الأحداث الماضية إلى جانب المقاييس غير المالية التي تعمل كمؤشرات للأداء المستقبلي ، بالتالي فإن بطاقة الأداء المتوازن تقيم الأداء للمنظمة وفق أربعة محاور مختلفة هي:( Kaplan and Norton ، 1996،p8)
<!--البعد المالي Financial Perspective (كيف ننظر إلي المساهمين)
<!--بعد العملاء ) customer Perspective كيف ينظر إلينا العملاء )
<!--بعد العمليات الداخلية Internal Process Perspective (ما الذي يجب أن نتفوق به)
<!--بعد التعلم والنمو Learning and Growth Perspective( هل يمكن أن نستمر في تحسين وخلق القيمة ).
هذا وتوالت التقارير التي تؤكد على الأهمية التي تحققها الشركات من استخدام بطاقة الأداء المتوازن حيث أن استخدام سجل الأداء المتوازن وسيلة لتحقيق قيمة لحقوق المساهمين، وإن الشركات التي استخدمت هذا النظام شهدت تعزيز للأداء في الشركة ككل وفي الإدارات الفردية أيضا.
وذلك لان بطاقة الأداء المتوازن تساعد علىى ربط جميع الوحدات الفرعية والأعضاء في جهد موحد لتدعيم الوصول للأهداف والغايات جميعها، لهذا فقد بدأت الكثير من الشركات الطليعة في اعتماد هذا الأسلوب الجديد . على سبيل المثال ، إضافة لبنك مونتريال الذي كان أدائه ينزلق بسرعة نحو الأسفل قرر حينها رئيس مجلس الإدارة والمدير العام وطاقمه بضرورة تبني بطاقة الأداء المتوازن واستخدامها يساعد في حل مشاكل البنك، ومن الشركات التي أخذت بهذا الأسلوب الجديد KBMG Peat Marwick Tenneco ،Allstate، AT&T ، EIF Atochem.(جمعه وشعبان ،2008،ص 4 )
إضافة إلى ما سبق يشير العالمان (Cambus and B .Lyons ، 2002) إلى أن نصف ثروة حوالي (1000) شركة بالولايات المتحدة الأمريكية وحوالي 40% من الشركات الأوربية ترجع إلى تطبيق بطاقة الأداء المتوازن.( p6،2006Borisas and Rolandas،)
وإذا نظرنا للفوائد العظيمة التي تكتسبها الشركات من خلال اعتمادها على سجل الأداء المتوازن في قياس وتقييم أدائها ، فإنه ليس هناك شك بأنه توجد فرصة لتبني هذه النموذج واستخدامه لتقييم وظيفة التدقيق الداخلية لتحقيق فوائد مماثلة.