- عن عمليات العنف وطبيعتها
- الإرهاب والتحديات الأخرى
- الإرهاب والفساد
- شهادات مختلفة عن الإرهاب
- تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية
- الإرهاب على نموذج "البطيخ"
تظهر مبالغة كبرى لدى محاكمة قضايا العنف المسلح الذي ينسب إلى جماعات إسلامية والحجم الحقيقي للخسائر المترتبة عليها ومقارنتها بالانتهاكات والمجازر الفظيعة الكثيرة التي تجري في العالم مما لا ينسب إلى ما يسمى الإرهاب الإسلامي كالإعدامات والتصفيات التي تقوم بها الحكومات وعصابات المافيا والمخدرات حول العالم. وتتضح مظاهر هذا التهويل في معالجة ظاهرة العنف سياسيا وإعلاميا، مما يتبين أن العالم يستدرج نحو مواقف وسياسات تخدم الهيمنة وتغطي على الاحتلال والنهب والاستغلال لموارد العالم الذي تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها، وتدعم الفرضية القائلة إنه يجري استثمار العنف واختراق المجموعات المسلحة، وإنه يبالغ في تقدير حجمها وخطورتها.
عن عمليات العنف وطبيعتها
<!-- TOKEN -->
تبدو قضايا العنف والتطرف المنسوبة إلى جماعات إسلامية في معظم دول العالم ملتبسة بقضايا ومناسبات وأحداث تجعلها ليست أزمة حقيقية بحد ذاتها أو تهديدا يستحق هذا القدر من الاهتمام والجهد والإنفاق والإعلام.
<!-- /TOKEN -->
”
إذا وزنت الخسائر بسبب الإرهاب مع كل التحديات الأخرى مثل حوادث المرور والجرائم والمخدرات والفقر وغيرها فإن الإرهاب سيكون في أسفل قائمة التحديات والأخطار
”
وإذا وزنت الخسائر بسبب الإرهاب مع كل التحديات الأخرى مثل حوادث المرور والجرائم والمخدرات والفقر وتسرب الأولاد من المدارس والتصحر وأمراض سوء التغذية وعشوائية النمو الاجتماعي والتلوث البيئي ونقص موارد المياه والبطالة وتراجع مستوى الرعاية الصحية والتعليمية وتغول الواردات على الصادرات وأنماط الاستهلاك والسلوك غير الإنتاجي وتراجع مستوى التنمية البشرية وغيرها فإن الإرهاب سيكون في أسفل قائمة التحديات والأخطار.
وإذا حوكمت العمليات المسلحة حول العالم إلى طبيعتها وأهدافها فإنها تبدو محاطة بكثير من الريبة والاستفهام، فهي في الأغلب موجهة إلى مدنيين أو أهداف غير عسكرية.
ويفترض ألا تكون ثمة أسباب تدعو القاعدة -إن كان ثمة بالفعل جماعة أو تنظيم اسمه القاعدة- إلى محاربة بلجيكا التي تقف من أميركا وإسرائيل موقفا معارضا أقرب إلى العدائية، ولا فرنسا بالطبع التي فجرت إحدى ناقلاتها النفطية. والمتطرفون الإسلاميون يعلمون أن اليهود يقيمون في المغرب منذ ألف سنة على الأقل، ولم يكتشفوا في المغرب اليوم فقط، والسعودية تقف من أميركا والحرب الأميركية على العراق وما تسميه الإرهاب موقفا معارضا يفترض أن يستدعي تأييد أعضاء القاعدة أو على الأقل سكوتهم.
في كل العمليات التي نسبت إلى القاعدة في الشهور الأخيرة كان الهدف هو من يقف في وجه أميركا ويتصدى لها أو لا يؤيدها: السعودية، فرنسا، بلجيكا، إندونيسيا. وكانت السعودية قد رفضت أي مشاركة أميركية مقترحة بالتحقيق في العمليات التي وقعت في الخبر والرياض عام 1996، وقد بدأت الولايات المتحدة تنقل قواعدها العسكرية من السعودية إلى قطر. ومرت العلاقات الأميركية السعودية بمرحلة من الفتور والأزمة، ولكن السعودية تبدو اليوم غير قادرة على رفض التدخل الأميركي وستطلب تعاون واشنطن في مكافحة الإرهاب.
والعمليات التي وقعت في الشيشان تستهدف على الأغلب مواطنين من الشيشان يعملون في الإدارة المتعاونة مع روسيا، ويفترض ألا يكونوا هدفا لحركات استقلال وتحرر وطنية. فالسلطة الوطنية الفلسطينية تقوم بما يعد أكبر بكثير من التعاون الشيشاني مع روسيا، بل إنها اعتقلت وقتلت عناصر من حماس وحركات المقاومة، ولكن ذلك لم يكن سببا كافيا لدى حركات المقاومة لمقاتلة السلطة.
وبالطبع فإنه يصعب تقديم معلومات وأدلة كافية تربط الولايات المتحدة بهذه العمليات وغيرها، ولكن الأسئلة والأفكار التي يثيرها عشرات الكتاب والمحققين والقضاة والسياسيين تحوي معلومات وتساؤلات أكثر منطقية وقوة من الأدلة الأميركية التي استخدمتها في حربها على أفغانستان والعراق.
” تقدم تقارير التنمية البشرية مؤشرات واضحة على العجز العربي عن الإصلاح والتنمية وتحقيق الاحتياجات الأساسية وهذا ليس سببه الإرهاب أو نقص الموارد أو التمويل ” |
وتقدم تقارير التنمية البشرية مثل تقرير الأمم المتحدة وتقرير التنمية الإنسانية العربية مؤشرات واضحة على العجز العربي عن الإصلاح والتنمية وتحقيق الاحتياجات الأساسية ومما لا يرد سببه إلى الإرهاب أو نقص الموارد أو التمويل، ولكن إلى سوء برامج التنمية والإدارة أحيانا وفسادها أحيانا أخرى.
ووفقا لتقرير التنمية الإنسانية العربية تناقصت نسبة الاستيعاب للأطفال في المدارس بدلا من أن تزيد في الدول العربية، ومازالت الأمية تصل إلى 40% بين العرب إجمالا، ويتدنى التحصيل المعرفي وتضعف القدرات التحليلية والابتكارية ويتدهور مستوى التعليم باطراد ويتوقع أن يزداد حرمان الأغلبية الفقيرة من التعليم مع توجه الدول إلى التخلي عن ضمان التعليم.
وتصل نسبة البطالة إلى 20% من القوى العاملة في الوطن العربي، أي أن هناك ما لا يقل عن عشرة ملايين عربي عاطل عن العمل معظمهم من الشباب المتعلمين الذين أتموا دراستهم العليا أو الثانوية على أقل تقدير، وهي بطالة بدأت تتسرب حتى إلى دول الخليج الغنية، فقد بلغت نسبة البطالة في السعودية 15% بين السعوديين الذكور.
وكان التناقص في نسبة الغابات في الوطن العربي الذي يعاني ابتداء من تصحر مريع في السنوات الثلاثين الماضية بمعدل 0.8% (أقل من 1%) أي أن الغابات البائسة في الوطن العربي تناقصت بمقدار مائة ألف كيلومتر مربع، ولم تتزايد في أي بلد عربي.
ويمكن ملاحظة الجوع في الوطن العربي من معدلات سوء التغذية ونقص الوزن بين الأطفال المواليد، ومن المؤكد أنها معاناة ليس سببها في معظم الأحيان -إن لم يكن جميعها- الفقر أو نقص الموارد لأن الدول التي تؤشر إحصاءاتها الرسمية على سوء التغذية ونقص وزن الأطفال ليست دولا فقيرة بل إن بعضها من أغنى دول العالم، وتعاني النساء الحوامل من الأنيميا بنسب عالية مفزعة.
الإرهاب والفساد
يرى القاضي والنائب والسيناتور الإيطالي فرديناندو أمبوزيماتو، الذي عمل لأكثر من ربع قرن في قضايا الفساد والإرهاب وحقوق الإنسان ثم عمل مستشارا للأمم المتحدة لحوالي عشرين سنة في مكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، أن شهادة ضباط جزائريين عن دور قادة الجيش الجزائري في تنفيذ أعمال إرهابية ونسبتها إلى الجماعات الإسلامية المسلحة قابلة للتصديق، فهم يروون بدقة أحداثا شاهدوها ويصعب القول إنهم اختلقوها، وتبدو شهادتهم أيضا متفقة مع شهادة منظمات غير حكومية مثل منظمة العفو الدولية.
ويقول أمبوزيماتو إن العنف الذي تقوم به جماعات مسلحة تنتسب إلى الإسلام يبقى حقيقة، ولكن الفهم الصحيح الشامل لما يجري في الجزائر وربما في أماكن أخرى يقتضي مناقشة الفرضية القائلة إن ثمة جهات إقليمية ودولية مستفيدة من الإرهاب وإنها توظفه بل وتشارك فيه، ولعل هذه أهم نتيجة تقدمها الأدلة المقنعة التي يسوقها كتاب الضابط الجزائري السابق حبيب سويدية.
وهكذا تبدو العلاقة برأي القاضي الإيطالي واضحة بين الإرهاب والفساد، فقد بدأ الإرهاب أداة نضالية ترد بها بعض الجماعات الإسلامية على السلطة، ولكنه تحول إلى أداة تستخدمها سلطة غير مرئية ليس للدفاع عن الديمقراطية بل للبقاء في السلطة، وكانت أفعال كثيرة دموية ورهيبة نسبت إلى الجماعات الإسلامية وهي في الحقيقة من فعل بعض عناصر السلطة لتصفية خصوم سياسيين، وهي أعمال تذكر بالثوار المزيفين في أميركا اللاتينية.
شهادات مختلفة عن الإرهاب
يمكن الإشارة في هذا المقام إلى عشرات الأدلة والكتب والمناقشات التي طرحت في قناة الجزيرة وفي الجزيرة نت وتطرح الشكوك إزاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وقد ناقشت المبالغة في تقدير الإرهاب واختراق المجموعات المسلحة لأغراض وأهداف أخرى عشرات التقارير والكتابات، وسأعرض هنا نموذجين أحدهما يفترض أنه محايد أو لعله أقرب إلى الولايات المتحدة والدول التي تدعي أنها مهددة من الإرهاب، وشهادة ضابط جزائري شارك بنفسه أو اطلع على عمليات تزوير للإرهاب واختراق للجماعات المسلحة.
تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية
” السياسات الأمنية والإجراءات الصارمة التي اتخذتها أميركا خلال حملة التضييق على الحريات وتبنتها عدة أقطار عربية نامية خلقت أجواء وأوضاعا مناوئة للتنمية الإنسانية ” |
وقد تبنت الدول العربية مجتمعة تعريفا موسعا للإرهاب اتخذ تعبيرا مؤسسيا على الصعيد العربي في "الميثاق العربي لمكافحة الإرهاب"، وقد انتقد هذا الميثاق كما يقول التقرير في دوائر حقوق الإنسان العربية والدولية باعتبار أن مثل هذا التعريف الموسع يفتح الباب لإساءة الاستخدام من قبيل السماح بالرقابة وتقييد الوصول إلى الإنترنت، وتقييد الطباعة والنشر لأية مادة قد تفسر على أنها تشجع الإرهاب، كما أن هذا الميثاق لا يحرم صراحة الاحتجاز أو التعذيب ولا يتيح السبيل للاعتراض على قانونية الاعتقال.
الإرهاب على نموذج "البطيخ"
يقدم حبيب سويدية الضابط الجزائري السابق الذي هرب إلى فرنسا كتابه الذي نشر بالفرنسية ثم ترجم إلى العربية "الحرب القذرة.. شهادة ضابط في القوات الخاصة بالجيش الجزائري" على حقيقة ما يجري في الجزائر، وما لا يذكر في وسائل الإعلام عن عمليات عنف غير مبررة ومجازر دموية ينفذها الجيش الجزائري وتنسب إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبالطبع فإن جماعات العنف ليست بريئة من قتل الأبرياء ومن العنف غير المبرر، ولكن المجازر تبدو في هذا الكتاب مسؤولية مشتركة قام بها كل من الجيش والجماعات المسلحة.
ويتحدث الضباط في الجيش الجزائري على نحو واسع عن "عمليات البطيخ"، ويقول إن مصدر التسمية هو الجنرال محمد عماري المخطط لهذه العمليات، ويقصد بالتسمية أنها عمليات إسلامية (خضراء) في الظاهر وينفذها في الحقيقة الجيش (حمراء).
بدأ عماري قائد القوات الخاصة الموكل إليها مكافحة الإرهاب عمله بتكوين مجموعات خاصة كانت تعتقل وتقتل بالجملة دون تحقق، وتتجول المجموعات بسيارات بلا شارات تجمع المال والإتاوات من التجار والأغنياء تحت التهديد بالاتهام بالعلاقة مع الجماعات الإسلامية، وصفي واعتقل عدد كبير من الضباط والجنود غير المرغوب بهم تحت غطاء مكافحة الإرهاب، حتى إن المشاركين في عمليات الخطف والسلب من ضباط الأمن قتل بعضهم للارتياب بتصرفاتهم أو لأنهم عرفوا أكثر مما ينبغي أن يعرفوا.
لقد قتل على يد ضباط الاستخبارات عدد كبير من المدنيين والعسكريين الأبرياء ممن لا علاقة له بأي عمل عسكري أو سياسي، وكان هؤلاء أكثر بكثير ممن قتلوا على يد الجماعات المسلحة، ويروي المؤلف قصصا عن جرائم شارك فيها واطلع عليها، فعندما اقتحمت قوات عسكرية تحت إمرته شخصيا ترتدي زيا مدنيا قرية الزعترية متظاهرة بأنها جماعة إسلامية ذبحت بالخناجر 12 مدنيا من أهل القرية، وتحدثت الصحف عن العملية بأنها من جرائم الإرهابيين.
” قتل على يد ضباط الاستخبارات في الجزائر عدد كبير من الأبرياء ممن لا علاقة لهم بأي عمل عسكري أو سياسي، وهؤلاء أكثر بكثير ممن قتلوا على يد الجماعات المسلحة ” |
ويقول المؤلف إنه تلقى إشارة في أثناء عمله بمدينة الأخضرية المعروفة بتأييدها للجبهة الإسلامية أن مجموعة إرهابية خطفت المحافظ السابق للمدينة وهو من أعضاء الجبهة، وأن بحوزتهم سيارة، وذكرت الرسالة أوصاف السيارة ورقمها، وعندما عاد إلى الثكنة العسكرية وجد السيارة الموصوفة بأنها للإرهابيين موجودة هناك، فتحدث للضابط عن الرسالة التي وصلته قبل قليل، فأجابه الضابط: نحن الإرهابيون الخاطفون، وبعد 15 يوما من التعذيب الوحشي الذي تعرض له المحافظ نقل مع ستة معتقلين آخرين إلى الغابات القريبة من الثكنة وأعدموا هناك. ويقول المؤلف إنه شهد أثناء 27 شهرا قضاها في الأخضرية خمس 15 عملية إعدام شبيهة جرت في المدينة.
وفي الوقت الذي كانت تجري فيه عملية سياسية وإعلامية مكثفة يقودها الرئيس السابق اليامين زروال لإنهاء القتال وإجراء مصالحة شاملة، كانت الوحدات العسكرية والأمنية المكلفة الحرب على الجماعات المسلحة تتلقى تعليمات بتكثيف الهجمات والعمليات ضد الجماعات.
وأحيل القادة العسكريون الذين يدعون إلى الحوار مع الجماعات الإسلامية إلى التقاعد أو ماتوا في ظروف غامضة، مثل الجنرال محمد طاهري الذي قتل في حادث مروحية، وعلي بوتيغان الذي قتل في عملية اعتداء أمام مبنى وزارة الدفاع، وفضيل صعيدي الذي مات في حادث سير، وقد مات هؤلاء الجنرالات الثلاثة في عام واحد (1995).
ساحة النقاش