الإطناب البلاغي وأنواعه
معنى الإطناب:
أن ينجح الأديب أو الكاتب في تأدية المعنى بألفاظ أكثر منه لفائدة فإن لم تكن
الزيادة لفائدة فهي حشو تطويل .
فلو تأملنا قوله تعالى :
( وقل الحق من ربكم , فمن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر ,إنا أعتدنا للظالمين
نارا أحاط بهم سرادقها , وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه . بئس الشراب وساءت مرتفقا . إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات إنا لانضيع أجر من أحسن عملا , أؤلئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها على الأرائك , نعم الثواب وحسنت مرتفقا .)
فقد جاء كلام المولى سبحانه وتعالى في قمة البلاغة لأنه مطابق لمقتضى الحال
وهكذا إذا كان المقام للإطناب وعدل عنه الكاتب إلى الإيجاز أو المساواة فلا يكون كلامه بليغا .
أو كان الإطناب في كلامه ليس لفائدة يقتضيها المقام كان كلامه حشوا فيه زيادة متعينة لايفسد بها المعنى مثل :
قال الشاعر (الهُذَلي) :
ذكرت أخي فعاودني = صداع الرأس والوصب
فكلمة: الرأس في البيت (حشو) لأن الصداع لايكون إلا في الرأس .
ومثل قول زهير بن أبي سلمى :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله = ولكنني عن علم ما في غد عَمِ
فكلمة : قبله في البيت (حشو) لأن الأمس لايكون إلا قبلا .
وأما أن يكون الإطناب تطويلا :
حين تكون الزيادة في الكلام غير متعينة . مثل قول عدِّي :
وألقى قولها كذِبا ومَيْنَا .
فالكذب والمين بمعنى واحد وإحدى الكلمتين زائدة , فلا يتغير المعنى بإسقاط
أيهما شئت .
وللإطناب أنواع بلاغية يلجأ إليها الكاتب أو الأديب في أسلوبه لأسباب منها :
1- أن يذكر الخاص بعد العام :
*****************
للتنبيه على مزيَّةِ وفضل الخاص
وأبلغ البلاغة في ذلك الاهتداء بقوله تعالى :
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فقد خص الصلاة الوسطى وهي العصر بالذكر لزيادة فضلها . في بعض التفاسير .
2- أن يطنب الكاتب أو الأديب أوالمتحدث لإيضاح كلامه بعد الإبهام فيه :
****************
كأن يذكر المعنى مجملا ثم مفصلا فيزيده بنلا وشرفا , ومن ذلك قوله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؟ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم .)
إبهام التجارة للتشويق ثم إيضاحها وتفسير مقصودها .
ومن هذا قول الشاعر : النابغة الجعدي
المرء يرغب في الحيا=ة وطول عيش قد يضُّره
تفنى بشاشته ويبــــــــ = قى بعد حلو العيش مُرُّه
وتسوءه الأيام حــــــــ = تى ما يرى شيئا يسرُّه
فقد أجمل في البيت الأول ما ينال الإنسان من الضرر إذا طالت به الحياة
ثم فصَّل ذلك في البيتين التاليين , فزاد المعنى جمالا وحسنا وبلاغة .
3- الإطناب للاحتراس :
**************
وهو أن يُؤتَى في كلام يُوهِم خلاف المقصود بما يدفع
ذلك الوهم . ومنه قول الشاعر طرفة بن العبد :
فسقى دياركَ غير مفسدها = صوب ُالربيع وديمةٌ تهمِي
فقد احترس من سقيا دوام المطر مما يسبب الخراب , فدفع هذا الوهم بقوله :
غير مفسدها .
ومثل احتراس الشاعر ابن المعتز وهو يصف الخيل في قوله :
صببنا عليها ـ ظالمين ـ سياطنا = فطارت بها أيد سراعٌ وأرجل
فقد دفع ما قد يتوهم من أنها كانت بطيئة السير لاتجري إلا بالضرب بقوله :ظالمين .
4- الإطناب للتذييل :
***********
أي التعقيب بجملة أخرى مشتملة على معناها لتأكيد منطوق الأولى أو مفهومها مثل قول الحطيئة :
تزور فتى يُعطي على الحمد مالَهُ = ومنْ يعطِ أثمانَ المحامدِ يَحْمَد
فالشطر الثاني من البيت توكيد لمنطوق الشطر الأول .
وهذا مما يطلق عليه التذييل الجاري مجرى المثل , ومنه أيضا قول النابغة :
ولست بمستبق أخا لاتلمه = على شعث أي الرجال المهذب
فيستقل التذييل بمعناه ويجري على الألسنة مع توكيده للكلام قبله .
ومن التذييل ما لايجري مجرى المثل في الإطناب لأن معناه لايفهم إلا بما قبله
كقوله تعالى : ( ذلك جزيناهم بما كفروا , وهل نجازي إلا الكفور ؟)
فقوله سبحانه وتعالى : وهل نجازي إلا الكفور تذييل لايجري مجرى المثل
إذ المراد الجزاءُ المدلول عليه في الآية السالفة .
ومثله قول ابن نباتة السعدي :
لم يُبق لي جودُكَ شيئا أؤمِّلُهُ = تركتني أصحب الدنيا بلا أملِ
فجملة تركتني أصحب الدنيا بلا أمل) لايفهم معناها إلا بما قبلها .
5- الإطناب للاعتراض :
**************
وهو أن يؤتى في خلال الكلام أو بين كلامين متصلين
في المعنى بجملة أو أكثر لامحل لها من الإعراب لفائدة زائدة .
ومثال ذلك قوله تعالى ويجعلون لله البنات سبحانه ! ولهم مايشتهون )
فجملة سبحانه :معترضة للمبادرة إلى التنزيه .
ومنه قول كثيِّر عزَّة :
لو أن الباخلين ـ وأنت منهم ـ = رأوك تعلموا منك المطالا
فعجل بقوله : وأنت منهم , للتصريح بما قصده من اللوم .
6- الإطناب للتتميم :
***********
وهو أن يؤتى في كلام لايوهم خلاف المقصود بفضلة كمفعول أو حال أو تمييز
أو جار ومجرور , لفائدة : كالمبالغة في المدح . مثل قوله تعالى :
( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا )
فإن إطعام الطعام على حبهم له وحاجتهم إليه أدل على الكرم مما لو كان عن غنى .
ومن هذا قول زهير بن أبي سلمى :
من يلق يوما على علاته هرما = يلق السماحة منه والندى خلقا
فقوله على علاته) أي على كل حال من غنى أو فقر , تتميم جميل .
===========
كما أن الإطناب البلاغي يتعدى إلى أنواع أخرى غير ما ذكرت وردت في تراث اللغة العربية الفصحى مثل :
كما تطنب في كلامك عن الشيء المستبعد فتقول : رأيته بعيني , وسمعته بأذني
وذقته بفمي . لتأكيد المعنى وتقريره
زمن ذلك قوله تعالى : ( فخر عليهم السقف من فوقهم) والسقف لايخر إلا من فوق , ولكنه دلَّ بقوله ( من فوقهم ) على الإحاطة والشمول .
والخلاصة في الإطناب البلاغي أن مرجع القاريء والناقد والمتذوق له في إدراك
أسرار البلاغة إلى الذوق الأدبي والإحساس الروحي لجمال الأسلوب , وهذا
يحتاج إلى الإكثار من القراءة والتفهم للأساليب البلاغية المشتملة على أنواع الإطناب المذكورة , وهذا يتطلب دراسة لقواعد البلاغة في الإطناب .
ساحة النقاش