ماذا تفعل لو زارك ضيف متدين فى بيتك ؟!
بقلم الدكتور : مصطفى محمود - رحمه الله
ماذا تفعل لو زارك ضيف متدين فى بيتك ؟ .. ربما لا تكون أنت متدينا ً بالمعنى المتعارف عليه فى مجتمعنا .. ربما تكون غير ملتزم بالصلاة فى المسجد .. أو بصيام النوافل ... بل ربما لا تكون لك أية علاقة بالدين على الإطلاق .. وربما لم تصم أو تـُصل ِ منذ سنوات .. بل ربما تكون لك ديانة أخري غير ديانة هذا الضيف المتدين ولك رؤية أخرى فى الحياة قد تتعارض مع منهج حياة هذا الضيف ..
كل هذا لا يهم ! .. لأن ذلك لن يثنيك عن إكرام الضيف ومحاولة عدم جرح مشاعره أو معتقداته ، على الأقل فى الفترة التى سيزورك فيها .. ستحاول أن تجعل زيارته سهلة عليه وعليك وستحاول أن تبحث عن أرضية مشتركة للحديث وقضاء الوقت معه ..
لا يهم كم المشاكل التى تعكر صفو حياتك فكل الضغوط النفسية لن تمنعك أن تبتسم فى وجهه.. ولا يهم حجم الديون التي تكون غارقا ً فيها فهى لن تمنعك من تقديم واجب الضيافة و لو بكوب من الشاي .. المُحصّلة أنك ستقدم للضيف ما يرضيه (هو) .. من وجهة نظره (هو) وليس ما يرضيك (أنت) .. و حتى إذا كنت لا تريد أن تكرمه فأضعف الإيمان أن لا تؤذي مشاعره بأشياء تتعارض مع قيمه ومبادئه حتى إذا كنت لا تشاركه هذه القيم .. فإكرام الضيف واجب ..
غير المعقول و الذي قد تعتقد أنه جنون هو موقف أحد أصدقائي غير المتدينين حين زاره شيخ متدين فى بيته .. فما أن دخل ذلك الشيخ بيت صديقي حتى قام صديقي و قال للشيخ : " سأثبت لك أنى احتفل بقدومك وزيارتك الطاهرة .. فقط أعطني دقيقة " .. ابتسم الشيخ الأسمر الذي يُشع وجهه نورا ً وقد جلس فى غرفة الضيوف مُسبحا ً.. ولكن ابتسامة الشيخ الرقيقة ما لبثت أن تحولت لفم مفتوح (من الذهول) .. فلقد رأى صديقي يدخل عليه وفى يده زجاجة من الخمر ويحمل على كتفه سماعات ضخمة تخرج منها موسيقى صاخبة لفرقة من فرق عبدة الشيطان .. ووقف صديقي فى منتصف الغرفة يرقص احتفالا ً بزيارة الشيخ ثم مال على الشيخ قائلا ً : " هلــّت أنوارك .. تشرب (البيرة) أمّ (الويسكي) يا شيخ ؟ "
الشيخ هو شهر رمضان وصديقي غير المتدين هو الإعلام العربي الذي نحسن به الظن معتبرين أنه أراد أن يحتفل بقدوم شهر رمضان المبارك (بغشامة) فوضعنا جميعا ً فى موقف لا نحسد عليه ..
تتسابق القنوات الإعلامية فى (ماراثون) من الفوازير والمسلسلات والبرامج ذات الإنتاج الضخم .. ولا أدري ما علاقة رمضان الذي هو شهر روحاني له وضع خاص فى العقيدة الإسلامية بالإنتاج الفنى والدرامي والترفيهي وبرامج قصص (كفاح) الفنانين .. ليكون السؤال المنطقي الوحيد الذي يمكن طرحه أمام هذا التناقض هو (ما الذي أتى بالقلعة جوار البحر ؟)
لماذا لا يحترم الإعلام العربي رمضان ؟ .. لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهى بدلا ً من شهر روحاني ؟ .. لست ُ شيخا ً ولا داعياً.. ولكني أفهم الآن لماذا كانت والدتى تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان .. كنت طفلا ً صغيرا ً ناقما ً على أمي التى منعتني وإخوتى من مشاهدة (الفوازير) بينما يتابعها كل أصدقائي .. ولم يشف ِ غليلي إجابة والدتي المقتضبة : " رمضان شهر عبادة مش فوازير " .. لم أكن أفهم منطق أمى الذي كنت كطفل أعتبره تشددا ً في الدين لا فائدة منه .. فكيف ستؤثر مشاهدة طفل صغير للفوازير على شهر رمضان ؟
مرت السنوات وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفو لي حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة على هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية .. كان ذلك الرجل هو عامل أمريكي فى محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود فى طريق عملي .. و فى اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتي فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكا ً فى وضع (أقفال) على ثلاجة الخمور.. وعندما عاد للـ(كاشير) لمحاسبتي على القهوة سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا : " لماذا تضع أقفالا ً على هذه الثلاجة " .. فأجابني : " هذه ثلاجة الخمور و قوانين الولاية تمنع بيع الخمور فى ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح ".. نظرت إليه مندهشا ً قائلا ً : " أليست أمريكا دولة علمانية ... لماذا تتدخل الدولة فى شئ مثل ذلك ؟ " .. فقال الرجل : " الاحترام " .. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر فى ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا ً.. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء " ..
(الاحترام) .. ظلت هذه الكلمة تدور فى عقلي لأيام و أيام بعد هذه الليلة .. فالخمر غير مُحرم عند كثير من المذاهب المسيحية فى أمريكا .. ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام .. إنها مسألة احترام .. فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام .. وليس من الاحترام السُكـُر فى معية ذلك الضيف .. فلتسكر ولتعربد فى يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك .. أنت حر .. ولكن في هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانونا ً يفرض الاحترام فيمنع بيع الخمر في ذلك اليوم .. وحتى إذا كنت مسلما ً أو يهوديا ً أو حتى ملحدا ً في أمريكا فلن يمكنك شراء خمور فى هذا اليوم حتى و إن كنت لا تؤمن بأهميته ولا بقدسيته .. فبغض النظر عن عقيدتك وتدينك فستـُجبر على احترام ذلك اليوم ..
هكذا أرادت أمي أن تعلمني (احترام) رمضان منذ نعومة أظفاري .. فلتشاهد الفوازير والمسلسلات والأفلام كما تحب طوال العام إذا كان ذلك يتناسب مع معتقداتك وأخلاقك .. ولكن فى رمضان ستـُظهر احترامك لهذا (الضيف) الشهر سواء كنت متدينا ً أم لا..
بالنسبة لي لم تعد القضية فى رمضان قضية (هل المسلسلات والأفلام والبرامج الحوارية حلال أم حرام ؟) .. وليست القضية قضية (هل تفسد الفوازير والأغاني المصورة صيامك أم لا ؟) .. القضية أنّ الباب سيدق عما قريب ليدخل ضيف كريم بيت كل واحد منا .. المتدين وغير المتدين .. الإسلامي و العلماني .. المسلم والمسيحي .. و سيكون عليك بغض النظر عن أفكارك أو أسلوب حياتك أو مدى تدينك أن تظهر لهذا الضيف .. الكثير من الاحترام .
كل عام وأنتم وجميع المسلمين بخير وصحة وأمن وأمان .
نشرت فى 26 يونيو 2013
بواسطة amer123123
عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
14,638,326
ساحة النقاش