ظر الرجل إلى المرأة ونظر المرأة إلى الرجل مباح بشرط ألا يكون النظر لموضع عورة من الرجل أو المرأة وألا يقترن النظر بشهوة وإلا فيحرم النظر مطلقا...
السؤال: في مكان عملي يوجد معي بعض الأخوات وأثناء الحديث معهن يقع بصري أحيانا على من تكلمني ولا أقصد شيئا يغضب الله ولكن أجد في نفسي حرجا حيث إننا مأمورون بغض البصر فنرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك؟
الإجابة: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فنظر الرجل إلى المرأة ونظر المرأة إلى الرجل مباح بشرط ألا يكون النظر لموضع عورة من الرجل أو المرأة وألا يقترن النظر بشهوة وإلا فيحرم النظر مطلقا.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور القرضاوي - حفظه الله- يقول فيها:
مما حرمه الإسلام - في مجال الغريزة ال***ية- إطالة النظر من الرجل إلى المرأة ومن المرأة إلى الرجل. فإن العين مفتاح القلب، والنظر رسول الفتنة، وبريد الزنى. وقديما قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشرر
وحديثا قال آخر:
نظرة فابتسامة فسلام ** فكلام فموعد فلقاء
لهذا وجه الله أمره إلى المؤمنين والمؤمنات جميعا بالغض من الأبصار، مقترنا بأمره بحفظ الفروج: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ" (النور:30-31)
وفي هاتين الآيتين عدة توجيهات إلهية منها توجيهان يشترك فيهما الرجال والنساء جميعا وهما الغض من البصر، وحفظ الفرج، والباقي موجه إلى النساء خاصة.
ويلاحظ أن الآيتين أمرتا بالغض من البصر لا بغض البصر، ولم تقل: "ويحفظوا من فروجهم" كما قالت "يغضوا من أبصارهم" فإن الفرج مأمور بحفظه جملة دون تسامح في شيء منه. أما البصر فقد سمح الله للناس بشيء منه رفعا للحرج، ورعاية للمصلحة كما سنرى.
فالغض من البصر ليس معناه إقفال العين عن النظر، ولا إطراق الرأس إلى الأرض، فليس هذا بمراد ولا مستطاع. كما أن الغض من الصوت في قوله تعالى: " وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ" (لقمان:19)، ليس معناه إغلاق الشفتين عن الكلام، وإنما معنى الغض من البصر خفضه، وعدم إرساله طليق العنان يلتهم الغاديات والرائحات أو الغادين والرائحين. فإذا نظر إلى ال*** الآخر لم يغلغل النظر إلى محاسنه، ولم يطل الالتفات إليه والتحديق به.
ولهذا قال الرسول عليه السلام لعلي بن أبي طالب: "يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة".
وقد جعل النبي عليه السلام النظرات الجائعة الشرهة من أحد ال***ين إلى الآخر زنى للعين، فقال: "العينان تزنيان وزناهما النظر". وإنما سماه "زنى" لأنه ضرب من التلذذ والإشباع للغريزة ال***ية بغير الطريق المشروع.
ويطابق هذا ما جاء في الإنجيل عن المسيح عليه السلام: "لقد كان من قبلكم يقولون لا تزن وأنا أقول لكم: من نظر بعينه فقد زنى".
إن هذا النظر المتلذذ الجائع ليس خطرا على خلق العفاف فحسب، بل هو خطر على استقرار الفكر، وطمأنينة القلب الذي يصاب بالشرود والاضطراب.
قال الشاعر:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا ** لقلبك يوما أتعبتك المناظـر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
تحريم النظر إلى العورات:
ومما يجب غض البصر عنه العورات، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النظر إلى العورات، ولو كان من رجل إلى رجل، أو من امرأة إلى امرأة بشهوة أم بغير شهوة، قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد".
وعورة الرجل التي لا يجوز النظر إليها من رجل أو امرأة تتحدد فيما بين السرة والركبة، كما ورد في الحديث. ويرى بعض الأئمة كابن حزم وبعض المالكية أن الفخذ ليس بعورة. وعورة المرأة بالنسبة للرجل الأجنبي عنها هي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها.
وما لا يجوز النظر إليه من العورات لا يجوز أن يمس باليد أو بجزء من البدن. وكل ما ذكرنا تحريمه من العورات -نظرا أو لمسا- مشروط بعدم الضرورة أو الحاجة، فإذا وجدت كما في حالة الإسعاف أو العلاج فقد زالت الحرمة. وكل ما ذكرنا من جواز النظر مشروط بأمن الفتنة والشهوة، فإن وجدت فقد زالت الإباحة سدا للذريعة.
حدود إباحة النظر إلى الرجل أو المرأة:
ومما ذكرنا يتبين أن نظر المرأة إلى ما ليس بعورة من الرجل -أي ما فوق السرة وتحت الركبة- مباح ما لم تصحبه شهوة أو تخف منه فتنة وقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد النبوي، وظلت تنظر إليهم حتى سئمت هي فانصرفت.
ومثل هذا نظر الرجل إلى ما ليس بعورة من المرأة -أي إلى وجهها وكفيها- فهو مباح ما لم تصحبه شهوة أو تخف منه فتنة.
فعن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر -أختها- دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في لباس رقيق يشف عن جسمها، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا" -وأشار إلى وجهه وكفيه-. وفي الحديث ضعف ولكن تقويه أحاديث صحاح في إباحة رؤية الوجه والكفين عند أمن الفتنة.
وخلاصة القول: أن النظرة البريئة إلى غير عورة من الرجل أو المرأة حلال ما لم تتخذ صفة التكرار والتحديق الذي يصحبه -غالبا- التلذذ وخوف الفتنة.
ومن سماحة الإسلام أنه عفا عن النظرة الخاطفة، التي تقع من الإنسان فجأة حين يرى ما لا تباح له رؤيته، فعن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فقال: "اصرف بصرك" يعني: لا تعاود النظر مرة ثانية.
والله أعلم
__________________
نسألكم الدعاء
نشرت فى 25 يونيو 2013
بواسطة amer123123
عبد الفتاح أمير عباس أبوذيد
موقع لغوي تربوي وأدبي وقيمي الرؤية والرسالة والأهداف: رؤيتنا: الرؤية : الارتقاء بالمنظومة التعليمية والتربوية بما يؤسس لجيل مبدع منتمٍ لوطنه معتزاً بلغته فخوراً بدينه رسالتنا: السعي لتقديم خدمات تربوية وتعليمية ذات جودة عالية بتوظيف التقنية الحديثة ضمن بيئة جاذبة ومحفزة ودافعة للإبداع الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها · إعداد »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
14,643,152
ساحة النقاش