تتسارع في عصرنا هذا أحداث الحياة وحاجات الزمن الأمر الذي جعل بعض الناس تخضع لـ«ضغوطات الحياة» وتستجيب للعديد من مظاهر الاضطرابات النفسية المختلفة الناتجة عنها من قلق وخوف واكتئاب وفي النهاية قد تضيع حياتها بالانتحار والاستسلام لأوهام معظمها نتيجة لأنماط خاطئة من التفكير السلبي. في حين أننا نجد آخرون يتخبطون في مواجهة الكثير من أمورهم الشخصية والعلمية والعملية والأسرية، مما جعلنا نرى ونلحظ في كل يوم الكثير من الضحايا الذين أقعدتهم الهموم والغموم، وأشغلتهم الوساوس، وعذبتهم الهواجس، حتى أضنت أجسامهم، وأضعفت قواهم، فأصيب كثير منهم بالأمراض العضوية المختلفة كأمراض القلب والقولون وقرحة المعدة وضيق التنفس وارتفاع ضغط الدم ....
وآخرون منهم يتلمسون العلاج بالاستعانة بالمشعوذين والدجالين تارة، والكهنة والسحرة تارة أخرى، بحثاً عن الخلاص من الوساوس القاهرة، والضغوط المتراكمة.
إن قضية «ضغوط الحياة» لا يكاد يسلم منها في العصر الحاضر الذي تعقدت فيه الحياة بصورة أدت إلى زيادة الأعباء والضغوط من كل جانب، مع العلم أن لدى الإنسان قدرات هائلة يستطيع بها مقاومة آثار هذه الضغوط أو التخفيف منها، ولكن المؤسف أن الكثيرون لم يحسنوا الاستفادة من هذه القدرات، وذلك لأسباب عدة يأتي في مقدمتها عدم الاستبصار بالطرق والوسائل المعينة على ذلك.
وضغوط الحياة لا تقتصر على الأحداث المؤلمة التي يشعر الإنسان بألمها ومرارتها فحسب، وإنما تشمل أيضاً الأحداث المفرحة التي ينتج عنها ردود أفعال غير طبيعية،
أن السعادة النفسية، لا تعني أن يكون الفرد الصحيح، سعيداً باستمرار ولا أن يكون خالياً من الضغوط والمشكلات على الدوام، ولكنها تعني أن يكون الفرد قادراً على التعامل مع مشكلاته والتكيف مع الضغوط التي تقابله، حيث يثق بنفسه وقدراته متوكلاً على الله ، فتقوى شخصيته، ويشعر بالسعادة عند تحقيقه أهدافه ووصوله إلى آماله، ويجعل ما يعترضه من إحباط أو فشل، طريقاً للتفكير السليم في تغيير سلوكه وأفكاره، حتى يتكيف تكيفاً صحيحاً مع كل موقف ضاغط.
وإن معظم من يعمد إلى الحيل «اللاشعورية» كالهروب «الانسحاب والعزلة لتجنب الفشل»، أو الإسقاط «كأن ينسب عيوبه إلى غيره» أو التسويغ «كأن يخدع نفسه وغيره بأعذار مقبولة لتبرير فشله» أو اتخاذ الأساليب غير الصحيحة في التعامل مع المشكلات والضغوط «كالعدوان، أو السيطرة، أو التهور، أو الانتحار» فإنه إنما يعمد لذلك لتغطية فشله، ولفقده القدرة على التفكير السليم، في مواجهة الضغوط والتعامل الجيد معها.
أسباب تفاوت الناس في الاستجابة لضغوط الحياة :
ü عوامل وراثية.
ü الغدد وافرازاتها.
ü عوامل بيئية واجتماعية.
ü عوامل مهيئة.
ü الفراغ الروحي.
معالجة آثار الضغوط:
أن معالجة أثار الضغوط لا تعني التخلص منها، أو تجنبها، واستبعادها من حياتنا، فوجود الضغوط في حياتنا أمر لازم، ولكل فرد منا نصيبه من الأحداث اليومية بدرجات متفاوتة، ووجودها لا يعني أننا مرضى؛ بقدر ما يعني أننا نعيش ونتفاعل مع الحياة، وخلال ذلك وبسببه تحدث أمور متوقعة ومن ثم فإن علاج الضغوط لا يتم بالتخلص منها وإنما بالتعايش الايجابي معها، ومعالجة نتائجها السلبية، وأن التعايش مع الضغوط يقتضي منا الوقوف عند بعض الأساليب والمفاهيم الأساسية التي قد تخفى على البعض أو لا يفكر فيها، نظراً لانشغاله بتراكم مشكلاته وكثرة همومه، رغم كونها عاملاً أساساً لا غنى عنه، لمن يريد التعامل الجيد مع الضغوط أو التخفيض من أثارها السلبية.
وصايا عملية للتعايش مع الضغوط:
ü ضرورة معالجة الضغوط أولاً بأول.
ü التخفيف من الضغوط وليس التخلص منها.
ü لا تنظر إلى الماضي ولا تطل التفكير في المستقبل.
ü إياك واليأس من رحمة الله.
ü التفاؤل والإيحاء الذاتي.
ü التشاغل عن أثار المصائب والضغوط.
ü التنفيس عن النفس
ü تعلم الاسترخاء.
ولمن أراد الشفاء من ضغوط الحياة عليه أن يجعل نصب عينيه ثلاثة أسس هي:
§ الإيمان بالله ورحمته
§ إغلاق ملف الماضي بما يحويه والبدء بحياة جديدة مع يوم جديد.
§ عدم التفكير بالمستقبل والانهماك فيه، وترك التوقعات والعيش في حدود اليوم
مع مراعاة ضرورة الانتباه إلى أهمية التفريق بين الانشغال الايجابي عن الهموم والهروب من مواجهة المشكلات والسعي إلى حلها، والأخير من شأنه أن يزيد من المشكلات وشدتها.
وأخيرا ... أن ضغوط الحياة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، ولا يمكن أن يعيش الواحد منا بعيداً عنها، ولكن يمكن التخفيف من وطأتها والتعايش السليم معها من خلال مراعاة بعض العوامل المساعدة ولكن يجب مراعاة أنه مهما كانت هذه الضغوط سهلة أو تافهة في نظرك، فإن لم تبادر إلى مقاومتها ومعالجتها أولاً بأول، فإنها قد تتحول إلى عبء ضار بالصحة إذا ما تراكمت وتجمعت دون القيام بها.
ساحة النقاش