<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

       على جمال الدين ناصف

          بورسعيد  -  مصر

 

 

يكتب :

 

إنسانان مختلفان ...!!!

 

 

        دفعنى معرفتى بهما و ما بينهما من إختلاف واضح أن أكتب عنهما للقراء الاعزاء فالاول  ،  فنظيف الثوب فى غير أناقة ، لا يعنيه من ثيابه إلا أنه لا يتأذى بقذرتها ،  و لا يتأذى من أنها زاهية تلفت اليها الأنظار ..!    كما هو ليس جميل يقيد النظر ، و يغترق البصر ، و لا هو قبيح الشكل سمج المنظر ،  تتفاداه العيون ،  و يلفظه الطرف ، كثير التفكير فى نفسه ، كأن الله لم يخلق فى الدنيا سواها ، دائم المحاسبة لنفسه على ما صدر منها للناس ،  و أيضا دائم المحاسبة للناس على ما صدر منهم لنفسه ،  تجد فى نفسه محكمة منعقدة بصفة مستمرة ،  تطول فيها المرافعة و الدفاع ،  و يشتد فيها الخصام ،  و تكثر منها الأحكام ،  فقد حدثنى أنه إذا جلس فى مجلس استعرض بعد الفراغ منه كل ما دار فيه على الترتيب ،  كأن ذهنة " شريط كاست " ثم وقف عند كل كلمة صدرت منه يفحصها ،  هل هى مست شعور أحد ،  هل ظلمت أحداً ،  ألم يكن غيرها خيراً منها ،  أما كان يحسن أن يقال فى مثل هذا الموقف غير هذا الكلام ؟؟  كما يقف عند كل كلمة قالها غيره يحللها ،  ماذا يريد منها ؟ لقد جرح إحساسى بها ، لقد كان يلتفت إليّ عند قولها ،  ثم يتساءل و ما سبب ذلك و العلاقة بينى و بينه على خير ما يكون صديق لصديق ؟؟  لا بد أنه قد تأثر من كذا و غضب من كذا ،  و لكن إن كان هذا فلا حق له لأنه لم يفهم قصدى و لم يتبين غرضى ،  فإذا أتم ذلك و أوى إلى فراشه بدأ يعيد نفس      " شريط الكاست " من جديد ،  و يطلق على الحوادث تعليقات جديدة ، و يفسرها تفسيراً جديداً ، حتى يدركه النوم .

 

      من أجل هذا يفر من الناس و يفر من المجتمعات ،  حتى لا تكثر الأشرطة فيكثر عرضها ،  و التعليق عليها ،  فقل أن أجاب دعوة مع كثرة ما وجه إليه من دعوات ،  لأنه مع هذا ليس ثقيل الظل و لا جامد النسيم ،  فإذا اضطر إلى دعوة ذهب إليها كارهاً ، وحسب حساب كل كلمة يتكلمها ، و كل حركة يتحركها قبل أن يقدم عليها ، تفضيلا للحساب العاجل على الحساب الآجل ،  فقل أن يأخذ الناس عليه غلطة مع كثرة ما يتوهمه هو من غلطات .  كما أنه أداه التفكير الكثير فى نفسه إلى أن يكون عميق التفكير فى كل ما يعرض عليه ،  و إذا عرض أمر قلبه على جميع الوجوه ،  و غاص فى نواحيه ،  و استخرج منه أدق الأفكار و أصعبها وأعقدها.   و قد شغف بالعلم فكان دائب الدرس كثير الاطلاع ،  تثقف بالثقافه الأنجليزية فهو يتكلمها و يقرؤها كأحد أبنائها ، و سمع بعمق التفكير الألمانى فعكف على اللغة الألمانية حتى حذقها ،  ، فإن هو حدثك فى أى ناحية من نواحى المعرفة ، أبان لك عن علم واسع و معرفة دقيقة ، و مع ذلك تجده لا يرضى عن نفسه ، فهو دائم الدرس ، دائب العمل ،  كلما قطع شوطاً طمح إلى ما هو أرقى منه ،  ثم هو بعد لا يرضى عن نفسه ، فهو كالفرس و ظله يجرى دائما ليسبقه ،  و هيهات أن يلحقه .

 

      و من العجيب أنه مع كل علومه و كل لغاته و كل عمقه خامل مجهول ،  لا يعرف حقيقته إلا خلصاؤه ،  فإذا جمعه مجلس بغير عارفيه فلا يشاركهم فى جدل ،  و لا يفضى إليهم بحديث ،  يعرف مواضع السخف من قولهم ، و مواضع النقص فى تفكيرهم ،  و يتظاهر بأنه لا يعى ما يقولون ،  و لا يرقى إلى ما يفكرون و يجادولون ،  يتغابى و هو الذكى ،  لا يعبأ بالمال إلا بمقدار ما يعيشه عشة نظيفه فى غير ما ترف ولا إسراف .

  

       لا يحب رؤساءه ،  ولا  يحبه رؤساؤه ،  فهو لا يحبهم لأنه يتطلب فيهم كمالاً لا تسمح به الحقيقة إلا نادراً ،  تراه يتسامح فى نقص يستره كمال ،  و يغتفر ضعف تسنده قوة ،  و لكنه فى تقديره يجسم النقص ،  و يكبر الضعف و يريد فى رئيسه الكمال صرفاً .  و القوة خالصة ،  فتراه دائما فى نقد لرؤسائه مستمر ، و هم ايضا يكرهونه لأنه متزمت فى خلقه ، صريح لا يلطف صراحته بلباقة ،  شديد لا  يمزج شدته برقة .  التصرف عنده كالخط إما أن يكون مستقيما أو أعوج و لا وسط بينهما ،  لا يأتمر بأمر رئيسه ولا  ينتهى بنهيه متى خالف  قانوناً ،  و القانون عنده هو القانون الحرفى الذى لا يحتمل تفسيراً ولا تأويلا . 

 

      أما الثانى فجميل الصورة ،  ظريف الهيئة ، حسن الحلية ، ممتلىء البدن ، ريان الجسم ، واسع البطن ، أنيق الملبس إلى آخر حد الأناقة ،  دقيق الذوق فى تناسب الألوان ،  كأنه خبير بأحدث الأزياء ،  بل هو فيها مخترع فنان ،  يحدثك حديثا مستفيضاً عن خير الترزية و الخياطين و مزاياهم و عيوبهم و مواضع الإجادة و العيب فيهم .

 

   أما الطعام و الشراب  تجده يجيد فى ذوقه , و يجيد فى التحدث فيه ،  و يجيد وصفه و يجيد نقده ،    فإن أردت أن تعرف لوناً من الطعام،  أو أردت حديثاً شهيا عن طعام شهى أو عن مائدة و كيف تنظم و تعد ،  فهو فى ذلك لا يبارى ، بالاضافه إلى العلم الدقيق الواسع فى صنوف الشراب ،  فأيها يكون قبل الأكل و أيها بعد الأكل و عنده ما أدق من ذلك و أعمق .  هذه هى الدنيا و هذه هى الحياة ،  و هل يرى من وجهة نظره أن هناك أحداً آخذ من دنياه إ لا ما طعمت و ما شربت و ما لبست ؟؟

 

   كذلك تجد له حديث طريف عن النساء و أوصافهن ،  فهو يجيد الحديث عن سحر العيون و رشاقة القد ،  و براعة الشكل ،  و هيف القوام إلى آخر ما هنالك ،  ثم يحدثك فى الغالب عن مغامراته و ما شاهده فى حياته ،  كأن له فى كل خطوة حادثة نسائية ،  و فى كل سفر عشق ، نظرته للمرأة نظرة الأفعى للعصفور ،   و له من وسائل الإغراء و نصب الشباك ، ورسم الخطط ما يعجز عنه القائد الماهر و الصائد الحاذق ،  فما هو إلا أن يضع عينه على فريسته حتى يخلق من الحركات و الأفاعيل و الأحاديث ما يلفت النظر ،  و إذا هو فى حديث جذاب مع من أحب . و إلى هنا ينتهى علمه الواسع و قدرته الفائقة .   ثم ما الخلق و ما الفضيلة و ما الحق ؟؟ ما هى إلا كلمات اخترعها الأقوياء ليستغلوا بها الضعفاء .  ولا بأس من استعمالها أحياناً متى جلبت خيراً أو دفعت ضيراً ، و أنه ميكافيلى المبدأ ، فالمبدأ الصحيح بالنسبة له هو " الغاية تبرر الوسيلة "  و تفسر الغاية بغايته لا غاية غيره ،  فهو مع الاتجاه الذى يحقق من خلاله مصلحته ،  فما الحياة إلا لهو و لعب ،  فإن رأيته فى حفل أو فى بهو استرعى نظر الناس بشكله و أناقته و لباسه ،  فإن هو ضحك يتصاعد من هنا و هناك ،  و إذا الصوت يرتفع شيئا فشيئا و التفات الناس يزيد شيئا فشيئا ،  و إذا الحديث جذاب ،  و إذا هو محور من فى المجلس و قيد أبصارهم و آذانهم .  كما أن شأنه كذلك فى محل العمل الذى يعمل به ،  يقضى الحاجات لتقضى حاجاته ،  و ينفذ أغراض من هو أكبر منه لينفذ أغراضه من هو أصغر منه ،  و هكذا يتخذ " وظيفته " تجارة رابحة ،  يحسب فيها فى دقة ما يشترى و ما يبيع ، و ما يدخل و ما يخرج ،  و مقدار الرصيد و بكم هو دائن و بكم هو مدين .

 

      فلعل خلق الله الذى جعل من الإنسان ذكراً أو أنثى ،  و جعل منه من يميل إلى الشعر و الخيال ،  و من يميل إلى الحقيقة و الواقع ،  جعل الناس كذلك أحد هذين الرجلين ،  و كل ما فى الأمر أنه قد يكون  هو "الأول "  صرفا  أو هو " الثانى " صرفا ،  و قد يكون خليطاً منهما ،  مزيجا بينهما .  هما رجل الآخرة و رجل الدنيا ،  ورجل الفلسفة و رجل المادة ، و رجل الأخلاق و المبادئ ، و رجل المصالح و المنافع . 

 

[email protected]

 

 

المصدر: على جمال الدين ناصف
alynassef

على جمال الدين ناصف - بورسعيد

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2010 بواسطة alynassef

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

12,075