alyarmouksociety

الأسرة المتماسكة تواجه تحديات الحاضر والمستقبل

 

"الشرطة المجتمعية

من أولويات بناء بيئة مجتمعية ممكّنة لضحايا العنف والكوارث"

بقلم الدكتور غسان شحرور

 

ضحايا العنف والكوارث في الوطن العربي[i]:

 

               تعد مجتمعاتنا العربية من أكثر بلاد العالم التي عانت وتعاني من الحروب والنزاعات المسلحة، بالإضافة إلى تعرّضها أيضا إلى بعض الكوارث كالفيضانات والزلازل وغيرها، ولا تزال تواجه الاحتلال والاستيطان، والحصار والتهجير والإرهاب، وأدى ذلك إلى سقوط الأبرياء لاسيما الأطفال والنساء بين قتيل وجريح ومفقود، وتشريد المدنيين بين لاجئ ونازح، بكل ما يعنيه ذلك من مضاعفات نفسية، واجتماعية وإنسانية، وهذا ما نشاهده في كثير من مجتمعاتنا لاسيما في العراق وفلسطين، ولبنان، وفي أقاليم مختلفة من السودان، وكذلك الأمر في اليمن والصومال وبلاد المغرب العربي.

               لا يقتصر العنف الذي نتحدث عنه على المجتمعات الكبيرة، بل يمتد أيضاً إلى المجتمعات المحلية الصغيرة، والعائلات، وهي تواجه نزاعات مسلحة بين أبنائها، وآثار مخلفات الحروب كالألغام والذخائر العنقودية، وكوارث كالحريق والفيضان والزلزال وغير ذلك من التجارب الصادمة والمؤلمة غير العادية.

               تسبب أحداث العنف والكوارث هذه صدمة اجتماعية ونفسية واقتصادية، تهز مكونات هذه المجتمعات وتماسكها، وتضعف من قدرة الناس والأفراد على مواصلة حياتهم الطبيعية، ولا تزال هذه المجتمعات المنكوبة تنزف من جراح أبنائها حتى تلتئم ببطء بعد أن تكون قد دفعت ثمناً كبيراً من حياتها وحاضرها ومستقبلها.

               يجد من يتابع العمل في إغاثة هذه المجتمعات ومساعدتها على النهوض والتعافي، غياب برامج الدعم النفسي المجتمعي التي تقدم لهذه المجتمعات لتعزيز قدرتها على الشفاء وتجاوز الأزمات، والتخفيف من مضاعفاتها القريبة والبعيدة، ولهذا كان من الضروري تقديم الدعم النفسي المجتمعي في كل مجتمع منكوب بأعمال العنف و الكوارث، وضرورة وضع البرامج اللازمة لتطوير ذلك من أجل بناء بيئة مجتمعية ممكّنة   Enabling Community Environment  تكون قادرة على استيعاب الصدمات والأزمات، والأخذ بيد المجتمع المنكوب إلى بر الأمان.

 

الشرطة المجتمعية ودورها المنشود: Community based Police

 

               تطبيق العدل والقانون، والأنظمة، وتحقيق المساواة، وعدم التمييز من أساسيات تجاوز الأزمات والكوارث، وتحقيق المعافاة والعودة إلى الحياة الطبيعية، فمن الضروري تعزيز دور القانون وأجهزة الشرطة، ومراقبتها، ومن المتوقع أن تساعد الشرطة المجتمعية في تحقيق أداء أفضل في هذه الميادين لأنها تعتمد على المسؤولية المشتركة بين المجتمع المحلي ورجال الشرطة كشركاء في تحديد المشكلات الاجتماعية والجرائم، ومكافحتها وضبطها والوقاية منها، خاصة إذا علمنا أن مجتمع اللاجئين وضحايا العنف والكوارث يصبح هشاً ومرتعاً خصباً لانتشار الجرائم المنظمة، وشبكات المخدرات، والأسلحة، والاتجار بالأطفال والنساء وغيرها، وتزداد معها محاولات إفساد أجهزة الشرطة والأمن لتسهيل ارتكاب هذه الجرائم البشعة.

 

               من المعروف أن الشرطة المجتمعية مفهوم جديد للعمل الشرطي التقليدي، الذي يسبق الحدث الأمني ويقوم على المعلومات الدقيقة النابعة من مصادرها الحقيقية في المجتمع المستفيد من خدمات الشرطة والأمن، إنها فلسفة تنظيمية وإستراتيجية قوامها انفتاح الشرطة التقليدية على مختلف عناصر المجتمع ومكوناته وتحقيق مشاركة حقيقية بين الشرطة والمجتمع في تحمل المسؤوليات الأمنية بمفهوم شامل وجهد طوعي صادق، وهذا المفهوم هو أكثر ما يحتاجه المجتمع المنكوب بفقد الممتلكات، والعنف، والفقر، والاستغلال، وعدم وصول المساعدات المخصّصّة وغير ذلك.

وحتى يتحقق هذا المفهوم لا بد أن نتذكر ما يلي:

 

·  مفهوم الشرطة المجتمعية يستند إلى أن الشرطة جزء من المجتمع يؤدي وظيفة اجتماعية بالغة الأهمية.

 

·  الشرطة المجتمعية مشاركة حقيقية بين الشرطة والمجتمع في تحمل المسؤوليات الأمنية، تزداد الحاجة إليها في الأزمات والكوارث.

 

 

               وقد جاء في دليل الشرطة للتدريب على حقوق الإنسان[ii]، أنه ينبغي أن يتلقى موظفو الشرطة تدريباً وتأهيلاً لتزويدهم بالمعارف والمهارات الخاصة باحتياجات  الضحايا، ومبادئ توجيهية لضمان تقديم المعونة المناسبة والفورية. كما جاء في المبادئ الأساسية، ما يمكن أن يبين الدور المنشود للعاملين في سلك الشرطة بشكل عام تجاه ضحايا العنف، وهذا بدوره يؤكد دورهم الكبير في كل مراحل العمل مع هؤلاء الضحايا، وبالتالي لا بد من تعزيز معارفهم ومهاراتهم، لاسيما في المجتمعات المنكوبة بأشكال العنف والكوارث. ولا بد أيضاً من تقييم عمل الشرطة المجتمعية، ووضع الحوافز والروادع لضمان قيامها بالدور المنشود.

               وعلى سبيل الذكر والاطلاع نورد بعضاً من المبادئ الأساسية في دليل الشرطة: حقوق الإنسان وإنفاذ القانون، والمعايير الدولية المتعلقة باللاجئين وغير المواطنين.

 

من المبادئ الأساسية في دليل الشرطة: حقوق الإنسان وإنفاذ القانون

 

  • يعامل جميع الضحايا برأفة واحترام،
  • يحق للضحايا الوصول إلى آليات العدالة والحصول على الانتصاف الفوري،
  • ينبغي أن تكون إجراءات الانتصاف عاجلة ومنصفة وغير مكلفة وسهلة المنال.
  • ينبغي تعريف الضحايا بحقوقهم في التماس الإنصاف والحماية.
  • ينبغي أن يتلقى الضحايا ما يلزم من مساعدة قانونية مادية وطبية ونفسية واجتماعية، وينبغي إبلاغهم بمدى توافر هذه المساعدات.
  • ينبغي حماية خصوصيات الضحايا وسلامتهم.
  • ينبغي أن تقوم الحكومة برد الحق للضحايا عندما يخطئ الموظفون العموميون.
  • ينبغي أن يحصل الضحايا على تعويض مادي من المجرمين أو من الدولة حيثما لا يكون من الممكن الحصول على تعويض من المجرم.
  • ينبغي أن يتلقى موظفو الشرطة تدريباً لتوعيتهم باحتياجات الضحايا، ومبادئ توجيهية لضمان تقديم المعونة المناسبة والفورية.

 

من المعايير الدولية المتعلقة باللاجئين وغير المواطنين[iii]

 

على جميع موظفي الشرطة:

 

  • الانتباه لأي شواهد تدل على كره الأجانب أو النشاط العنصري في منطقة عملكم.
  • التعاون الوثيق مع سلطات الهجرة والوكالات الاجتماعية التي تساعد اللاجئين وغير المواطنين.
  • طمأنة المقيمين في المناطق التي ترتفع فيها تمركزات المهاجرين بحقهم في التماس حماية ومساعدة الشرطة دون خوف من الترحيل.
  • تذكير الزملاء أن غير المواطنين الموجودين بصورة غير قانونية ليسوا مجرمين، أو مشتبه بهم لمجرد أنهم مهاجرون.

 

لقد أُغفل الدور الكبير للشرطة وباقي أجهزة الأمن في مقاربة ضحايا العنف والكوارث، وخطط تأهيلهم وإعادة دمجهم، إلا أن الدروس المستفادة من التجارب العديدة تؤكد أهمية هذا الدور، في كل مراحل العمل لأنها أي الشرطة إذا ما قامت بدورها القانوني والأخلاقي، تسهم في بناء الثقة العامة وتعزيز تعاون المجتمع، وتسهم في فض النزاعات وبناء السلم المجتمعي، إنها وبدون شك من أولويات بناء بيئة مجتمعية ممكّنة في كل المجتمعات المتضررة بالعنف والكوارث.

              

 Community Police and Enabling Society, by Dr. Ghassan Shahrour

تغطية "اليرموك للإعلام الخاص" الإعلام الخاص في خدمة المجتمع

[i] -  مـدخــل إلــى الدعم النفسي المجتمعي لضحايا العنف والكوارث، دليل الجمعيات الأهلية والمتطوعين، إعداد الدكتور غسـّان شحرور دمشق آب – 2008

[ii] -  دليل الشرطة للتدريب على حقوق الإنسان، المبادئ الأساسية، حقوق الإنسان وإنفاذ القانون، الأمم المتحدة، مفوضية حقوق الإنسان، مركز حقوق الإنسان، نيويورك وجنيف 1997.

[iii] -   ص 169، المعايير الدولية المتعلقة باللاجئين وغير المواطنين، دليل الشرطة للتدريب على حقوق الإنسان، المبادئ الأساسية، حقوق الإنسان وإنفاذ القانون، الأمم المتحدة، مفوضية حقوق الإنسان، مركز حقوق الإنسان، نيويورك وجنيف 1997.

المصدر: تغطية "اليرموك للإعلام الخاص" الإعلام الخاص في خدمة المجتمع الهيئة الفلسطينية للمعوقين
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 395 مشاهدة
نشرت فى 26 نوفمبر 2011 بواسطة alyarmouksociety

ساحة النقاش

جمعية اليرموك السورية

alyarmouksociety
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

103,170