الفجوة الرقمية في المحتوى العربي .. دعوني أردمها
بقلم الدكتور غسـان شحـرور
الفجوة الرقمية موجودة اليوم بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية نظراً للتقدم التكنولوجي المتسارع وتراكم المعارف في الدول المتقدمة التي تملك التقنيات الحديثة لتوليد المعرفة واستغلالها ونشرها وتبادلها، في حين تحبو الدول النامية، خاصة فيما يتعلق بنشر التقنيات الرقمية وتجديد أساليب ومنهجيات التعليم والتعلم واكتساب المعرفة وتوليدها، إذن الفجوة الرقمية هي الهوة الواسعة التي تفصل بين مَن يملك ومَن لا يملك كماً ونوعاً من المعرفة يستطيع تسخيرها وتنميتها لمصلحته.
يعدُّ النفاذ إلى الشابكة (الإنترنت) حسب اللغة الأم من طرق قياس الفجوة الرقمية، وتبين التقديرات أن عدد الناطقين بالعربية يقدّر بحوالي 300 مليون نسمة (ما يعادل 4.7% من سكان العالم)، بينما لا تزيد نسبة مستخدمي الإنترنت من العرب عن 1.4%، وهذه النسبة أقل من نسبة الناطقين بالهولندية على سبيل المثال، والذين لا يزيد عددهم في العالم عن 20 مليون نسمة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن وزن العرب في سجلات المواليد والأحياء أثقل بكثير من وزنهم في ساحات الشابكة (الإنترنت)، كما يبدو واضحاً ضعف المحتوى الرقمي العربي فاللغة العربية تأتي بعد لغات مثل الكورية والبرتغالية والهولندية، الأمر الذي يعكس ضعف حضور اللغة العربية في الساحة الرقمية وبالتالي لجوء مستخدمي الشابكة (الإنترنت) العرب إلى مواقع غير عربية تستخدم الإنجليزية والفرنسية، ولهذا آثار واضحة على اللغة العربية وتطورها، يمكن أن تتفاقم مع توسّع الفجوة الرقمية، سيما أن القراء العرب قلّة بالنسبة لعدد الناطقين باللغة العربية بغض النظر عن الثورة الرقمية وما جلبته من سهولة في الحصول على المعلومة، وإذا ما رجعنا إلى تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 نجد أنه يترجم حوالي 330 كتاباً سنوياً إلى اللغة العربية وهذا يشكّل حوالي 20% من عدد الكتب التي تترجم سنوياً إلى اليونانية، علماً أن الناطقين باللغة اليونانية يشكّلون أقل من 4% من الناطقين بالعربية.
لقد جاءت الفجوة الرقمية لتزيد الأمور سوءاً، إذ أن المعرفة العالمية تتضخّم بسرعة مذهلة والمصطلحات الإنكليزية الجديدة تظهر يومياً بأعداد متزايدة، لا تستطيع اللغة العربية مجاراتها لأسباب اقتصادية وثقافية وسياسية، إضافة إلى ضعف إرادة التغيير، فعدد القراء العرب المنخفض لا يبرر الترجمة إلى العربية أو التأليف بالعربية خاصة في المجالات العلمية والتكنولوجية، ومجامع اللغة العربية التي تكاد تكون غائبة عن العالم الرقمي لا تتوافق على ما تصدره من مفردات ومصطلحات جديدة، وإذا ما أصدرت مثل هذه المفردات والمصطلحات فإنها تأتي متأخرة جداً، وهكذا يجري تهميشها تدريجياً كلغة عمل وتواصل على جميع الأصعدة، بدءاً من النشر العلمي للعلوم الأساسية والطبية والإدارية وتكنولوجيا المعلومات، مروراً بالتعليم العالي والتجارة والصناعة، وغيرها، وصولاً إلى التعليم الأساسي، والذي قد يعني ضعف انتشارها في المجالات العلمية والتعليمية والتجارية والثقافية وغيرها، واقتصارها على الدين والفلسفة وبعض المجالات المحدودة، ولا يغيب عن الذهن تأثير ذلك على الهوية القومية والوطنية بشكل عام.
تتركز الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات على عقد الندوات والمؤتمرات، والأبحاث والدراسات، وإصدار توصيات تبدأ ولا تنتهي، وكأن الكم الهائل منها بمفرده، يسهم في معالجة هذه الفجوة الرقمية.
لا يمكننا أن نغفل عدداً من المبادرات والمحاولات الجادة، لكنها تبقى محدودة وبعيدة عن وقف اتساع الفجوة وتحقيق الغاية المنشودة والتي لا يمكن أن تشهد النور دون إعادة بناء النظام التعليمي العربي، وحمايته من الفساد ونقص الشفافية، ورصد الموارد المناسبة له، وتعزيز دوره المجتمعي.
نعم لم تدهشني دراسة عالمية صينية خلال العامين 2004-2005 عن أفضل 500 جامعة و مؤسسة تعليمية على مستوى العالم، فالقائمة التي توصلت إليها الدراسة لم تضم جامعة عربية واحدة، رغم أن عدد الجامعات العربية يزيد عن 190 جامعة، في حين تصدرت معظم الجامعات الإسرائيلية مكاناً مناسباً في القائمة، إن ما أدهشني حقاً هو ردة الفعل العربية التي تجاهلت هكذا نتائج، وكأن شيئاً لم يكن، في حين أن هذا الأمر يستحق عقد قمة عربية على أعلى المستويات تعمل على إعادة بناء النظام التعليمي العربي على أسس علمية وعملية جادة.
إن غياب الإرادة الحقيقية، والعمل المدروس الممنهج، لمواجهة اتساع هذه الفجوة وتداعياتها، يذكرني بما قاله زميلي من الجزائر في أحد المؤتمرات: "أخشى القول أن الفجوة الرقمية قد استحال رتقها".
الدكتور غسـان شحـرور دمشق Ghassan Shahrour [email protected]
ساحة النقاش