موقع الشيخ / عبدالله بن فهد الواكد

خطب جمعة - دروس - محاضرات - مقالات - شعر - قصص وروايات


خُطْبَةُ جُمُعَةٍ
بِعِنْوَانِ
( الْحَثُّ عَلَى السَّعْيِ وَذَمُّ التَّسَوُّلِ )
كَتَبَهَا / عَبْدُاللهِ بْنُ فَهْدِ الْوَاكِدِ
إِمَامُ وَخَطِيبُ جَامِعِ الْوَاكِدِ بِحَائِل
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ : إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ دِينٌ كَامِلٌ ، شَمِلَ نَوَاحِي الْحَيَاةِ كُلِّهَا ، شَرِيعَةٌ سَمْحَةٌ ، وَمِلَّةٌ حَنِيفِيَّةٌ ، وَدِينٌ وَسَطٌ ، جَمَعَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ ، لَمْ يَكُنْ الدِّينُ يَوْماً مَا حَائِلاً بَيْنَ الْعَبْدِ وَعَمَلِهِ قَالَ تَعَالَى ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) المُلْكُ (15)، كَمَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ حَائِلاً بَيْنَ الْعَبْدِ وَعِبَادَتِهِ قَالَ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ  ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الْجُمُعَةُ (9) ، هَذَا الدِّينُ الْعَظِيمُ حَثَّ النَّاسَ جَمِيعًا عَلَى السَّعْيِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِمَا يُصْلِحُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ فَالطَّالِبُ لِمَدْرَسَتِهِ وَكُلِّيَّتِهِ وَالْمُوَظَّفُ لِعَمَلِهِ وَالتَّاجِرُ لِتِجَارَتِهِ وَالمُزَارِعُ لِزِرَاعَتِهِ وَالصَّانِعُ لِصِنَاعَتِهِ ، لِأَنَّ الْفَرَاغَ وَالْكَسَلَ يَجْلُبَانِ الْهَمَّ وَالْكَآبَةَ وَيُورِدَانِ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلَاتِهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ هُمْ أَصْفِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ اللهُ لِحَمْلِ أَمَانَةِ الرِّسَالَةِ وَتَبْلِيغِ الدِّينِ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ عَمِلُوا عَلَى التَّكَسُّبِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ، قَالَ تَعَالَى ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ ) (الفرقان:20)  قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ : "يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ جَمِيعِ مَنْ بَعَثَهُ مِنَ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أّنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى التَّغَذِّي بِهِ ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ لِلتَّكَسُّبِ وَالتِّجَارَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنَافٍ لِحَالِهِمْ وَمَنْصِبِهِمْ " انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ . وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ الدُّرُوعَ ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَكَانَ آدَمُ حَرّاثًا ، وَنُوحُ نجارًا ، وَلُقْمَانُ خَيَّاطًا ، وَطَالُوتُ دَبَّاغًا ، وَقِيلَ: سَقَّاءً ، فَالصَّنْعَةُ سَبَبُ رِزْقٍ يَكُفُّ بِهَا الْإِنْسَانُ نَفَسَهُ عَنْ النَّاسِ , وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا)). قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ : " فِيهِ جَوازُ الصَّنَائِعِ ، وَأَنَّ النِّجَارَةَ لَا تُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ ، وَأَنَّهَا صَنْعَةٌ فَاضِلَةٌ ". وَفِي البُخَارِيِّ  : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ))
وَدَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا تَعْلَمُونَ ، كَانَ خَلِيفَةَ اللهِ فِي الْأَرْضِ ، فَاقْتِصَارُهُ فِي أَكْلِهِ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الحَاجَةِ ، وَإِنَّمَا ابْتَغَى الْأَكْلَ مِنْ طَرِيقٍ أَفْضَلَ
وَلَقَدْ رَعَى الْأَنْبِيَاءُ جَمِيعاً الْغَنَمَ  ، فَفِي البُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ: ((مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ))، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ (( نَعَمْ ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ )).
وَكَانَ كِبَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَرِفُونَ بِأَيْدِيهِمْ ، وَعَلَى رَأْسِهِم الْخَلِيفَةُ الْأَوَّلُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ الْكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : (لَا يَقْعُدْ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَرْزُقُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ) .
وَمِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى أَنْ وَفَّقَتْ شَرِيعَةُ اللهِ  بَيْنَ أَوْقَاتِ الْعِبَادَةِ وَأَوْقَاتِ الْعَمَلِ فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَرْكِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتِّجَارَةِ سَاعَةَ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ ، وَأَذِنَ لَهُمْ بِالْإِنْتِشَارِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ بَعْدَ أَدَائِهَا ، قَالَ تَعَالَى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الْجُمُعَةُ (10)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
 
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَمْ يَكُنْ الدِّينُ يَوْماً مَا ، يَدْعُوا إِلَى الْكَسَلِ وَالتَّمَاوُتِ أَوْ الْإِعْتِمَادِ عَلَى التَّسَوُّلِ ، وَاسْتِجْدَاءِ النَّاسِ ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّبِيلَ  يُورِثُ الْمَذَلَّةَ وَالْمَهَانَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ   قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ ، فَيَأْتي بِهِ فَيَبِيعُهُ ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً أَعْطَاهُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْألُهُ ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ)) متفقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  (( لَا تَزَالُ المَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَىَ اللهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِزْعَةُ لَحْمٍ )) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِم.
، نَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَ عِبَادَهُ المُسْلِمِينَ وَأَنْ يُيَسِّرَ لَهُمْ سُبُلَ الْأَرْزَاقِ وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُمْ جَمِيعًا لِلتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 6 يناير 2020 بواسطة alwakid

ساحة النقاش

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عبدالله بن فهد الواكد

alwakid
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل - المملكة العربية السعودية »

عدد زيارات الموقع

63,863