بسم الله الرحمن الرحيم 

لحوم "العلماء" مَسمُومَة !! 

د. ناصر بن سليمان العُمــر 

* إلى كل من ابتلي بالوقوع في العلماء فخط قلمه ُ ونطق لسانه . 

* إلى الذين جعلوا الطعن في العلماء العاملين سبيلهم فاتهموهم في مقاصدهم وحملوا ألفاظهم مالا تحتمل واجلبوا عليهم بالخيل والرجْل ِ . 

* إلى الذين صرفوا همتهم وأنفقوا طاقتهم في مواجهة أهل العلم والشغب عليم . 

* إلى كل هؤلاء نقول : أولا: 

اعلموا هداكم الله – أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة . 

ونقول ثانياً : 

يا نطح الجبل العالي ليثلمه ******** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل 

ونقول ثالثاً وأخيراً : 

إن الأمة تثق بعلمائها ولن تقبل الطعن فيهم من كل حاقد متربص . 

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين . آمين 

أسباب أكل لحوم العلماء 

1- الغَيرَة والغِيرة : 

أما الغَيرَة –بالفتح - فهي محمودة ، وهي أن يغار المرء وينفعل من أجل دين الله،. 

وأما الغِيرَة – بالكسر- فهي مذمومة وهي قرينة الحسد،والمقصود بها هو : كلام العلماء بعضهم في بعض من ( الأقران ) 

2- الحسد : 

والحسد يُعْمي ويُصمّ ، 

3- الهوى: 

إن بعض الذين يأكلون لحوم العلماء لم يتجردوا لله – تعالى –وإنما دفعهم الهوى، للوقوع في أعراض علماء الأمة . 

4 - التقليد: 

لقد نعى الله – تعالى – على المشركين تقليدهم آباءهم على الضلال : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون }. [ سورة الزخرف ، الآية : 22 ] 

والتقليد ليس كلُّه مذموماً ، بل فيه تفصيل ذكره العلماء . ولكنني في هذا المقام أُحذر من التقليد الذي يؤدي إلى نهش لحوم العلماء 

5 - التعصب: 

التعصب من أبرز أسباب ذلك . والباعث على التعصب هو الحزبية ، الحزبية لمذهب أو جماعة أو قبيلة أو بلد ، الحزبية الضيقة التي فرقت المسلمين شيعاً 

6 – التعالم : 

لقد كثر المتعالمون في عصرنا ، وأصبحت تجد شاباً حدثاً يتصدر لنقد العلماء، و لتفنيد آرائهم وتقوية قوله 

7- النفاق وكره الحق : إن المنافقين الكارهين للحق؛من العلمانيين ، والحداثيين، والقوميين، وأمثالهم من أقوى أسباب أكل لحوم العلماء؛ 

8- تمرير مخططات الأعداء كالعلمنة ونحوها 

الآثار المترتبة على الوقيعة في العلماء : 

إنّ هناك عواقب وخيمة ، ونتائج خطيرة ، وآثاراً سلبية ، تترتب على أكل لحوم العلماء؛ والوقوع في أعراضهم . يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع ، ووسع أفقه ، وأبعد نظره ، وإليك أهمها : 

1- إن جرح العالم سبب في رد ما يقوله من الحق : 

استغل المشركون من قريش هذه الأمر ، فلم يطعنوا في الإسلام أولاً ، بل طعنوا في شخص الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنهم يعلمون – يقيناً - أنهم إذا استطاعوا أن يشوهوا صورة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في أذهان الناس ؛ فلن يقبلوا ما يقوله من الحق، وقد كانوا قبل بعثته يصفونه بالأمين، الصادق ، الحكم ، الثقة. 

2- أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه 

فالذي يجرح العالم ؛ يجرح العلم الذي معه. 

ومن جرح هذا العلم ؛ فقد جرح أرث النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ وعلى ذلك فهو يطعن في الإسلام من حيث لا يشعر. 

3- أن جرح العلماء سيؤدي إلى بعد طلاب العلم عن علماء الأمة، 

4 - أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة، وذهاب لهيبتهم ، وقيمتهم في صدورهم ، وهذا يسُرُّ أعداء الله ، ويفرحهم . يقول أحد الزعماء الهالكين في دولة عربية بعد أن سلط إعلامه على العلماء مستهتراً مستهزئا بهم - : ( عالم .. شيخ .. أعطه فرختين ؛ فيفتي لك بالفتوى التي تريد ). 

5 - تمرير مخططات الأعداء : 

ومن الأمثلة الواقعية لذلك : الطعن في رجال الحُسْبة ، والطعن في القضاة ، والطعن في الدعاة . 

تجلس في بعض المجالس فتسمع الكلام السيئ في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أخطأ رجال الهيئة..... فعل رجال الهيئة.... ترك رجال الهيئة ......، سبحان الله ! أما يخطئ إلا رجال الهيئات!لماذا لا تذكر أخطاء غيرهم ؟! 

وأما الحديث عن الدعاة فحدث ولا حرج ، لقد وصم الدعاة بألقاب لم نكن نعرفها، وصفوا بالمتطرفين ، ووصفوا بالمتزمتين، و... و... إلى آخر القاموس ؛ تشويهاً لسمعتهم ؛ وتبشيعاً لواقعهم في عقول الناس . 

المنهج الصحيح والعلاج الناجح لهذه القضية 

وبعد أن عرفنا الآثار المترتبة على أكل لحوم العلماء ، ننتقل إلى بيان المنهج الصحيح ،ووصف العلاج الناجح تجاه تلك القضية ، وذلك في نطاق آفاق ثلاثة : 

1- ما يجب على العلماء في هذا المجال . 

2- ما يجب علينا تجاه العلماء . 

3- السبيل السليم لبيان الحق ، بدون الوقوع في العلماء . 

أولاً : ما يجب على العلماء : 

1- أن يكون العالم قدوة في علمه وعمله: ومن هنا جاء في القرآن التحذير من تخالف العلم والعمل، قال تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}[سورة البقرة ، الآية : 44 ] 

2 - أن يتثبت العالم في الفتوى ويكمل شروطها : 

3- أن يحذر العالم من الاستدراج، والاستغفال والتدليس : 

هناك من يستدرج العلماء، وهناك من يستغفلهم ، هناك من يُلبّس عليهم، ولذلك يجب على العالم أن يكون فطناً متنبهاً 

4- أن يكون جريئا في الحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم 

ثانياً : ما الواجب علينا اتجاه علمائنا : 

1- أن نحفظ للعلماء مكانتهم و فاعليتهم في قيادة الأمة وأن نتأدب معهم : 


إن في معاملة السلف لعلمائهم لقدوةً لنا ، 

2- أن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصم الله ، وهم الأنبياء والملائكة. 

وعلى ذلك فيجب أن ندرك أن العالم معرضٌ للخطأ ، فنعذره حين يجتهد فيخطئ ، ولا نذهب نتلمس أخطاء العلماء ونحصيها عليهم . 

3 - أن ندرك أن الخلاف موجود منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة : 

لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء ، فلكل واحد منهم فهمه ، ولكل واحد إطلاعه على الأدلة ، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور ؛ 

4- أن نفوت الفرصة على الأعداء، و ننتبه إلى مقاصدهم وأغراضهم، وأن ندافع عن علمائنا،لا أن نكون من وسائل تمرير مخططات الأعداء من حيث لا يشعرون 

5 - أن نحمل أقوال علمائنا وآراءهم على المحمل الحسن، و ألا نسيء الظن فيهم ، وإن لم نأخذ بأقوالهم. 

6 - أن ننتبه إلى أخطائنا وعيوبنا نحن، وننشغل بها عن عيوب الناس عامة، وعن أخطاء العلماء خاصة. 

ثالثاً : السبيل السليم لبيان الحق ، بدون الوقوع في العلماء . 

بعض الناس اليوم وقعوا بين إفراط وتفريط، ففريق يطعنون في العلماء ويتهمونهم كلما قالوا شيئاً. 

وفريق آخر ، إذا سمعوا عالماً أو طالب علم يُبين الحق بدليله قالوا : إنه يقع في أعراض العلماء ، ويُحدث فتنة . 

وكلا الفريقين مجانب للمنهج الصحيح في هذا الباب . 

فما المنهج الصحيح الذي نجمع فيه بين بيان الحق وحماية أعراض علمائنا , غير ملتزمين بقولٍ إلا إذا كان مقروناً بالدليل ؟ 

يمكن توضيح ذلك المنهج كما يلي : 

1 - التثبت من صحة ما ينسب إلى العلماء . 

2 – أن نعرف أن عدم الأخذ بقول العالم ، وأن مناقشته والصدع ببيان الحق، يختلف تماماً عن الطعن في العلماء 

3 - أن يقصد المتحدث بكلامه وجه الله - جل وعلا - 

4 - الإنصاف والعدل : 

5 - أن نسلك منهج رجال الحديث في تقويم الرجال : 

6- أن نعلم أن خطأ العالم على نوعين 


خطأ في الفروع ، وخطأ في الأصول . 

* أما مسائل الفروع فهي مسائل اجتهادية ، يجوز فيها الخلاف ، فإذا أخطاء فيها العالم ؛ بيّناّ خطأه فيها ، بدون تعرض لشخصه . 

* وأما مسائل الأصول ( العقيدة )، فيبيَّن القولُ الصحيح فيها ، ويحذر من أهل البدع في الجملة، وينبه إلى خطورة الداعي إلى بدعته ، بدون إفراط ولا تفريط. 

7- أخيرا ، إذا أمكن الاتصال بمن وقع منه الخطأ- سواء في الأصول أو الفروع، لعله يرجع إلى الصواب ، فهذا أولى . 

وفي الختام ...هناك أمور لابد من بيانها : 

أولاً - أننا لا ندعو إلى تقديس الأشخاص 

ثانياً - انطلقت في الأيام الماضية دعوى الإجماع 

ثالثاً - قد يفتي بعض العلماء بفتوى لها أسبابُها
 

فيخالفهم فيها آخرون من العلماء أو طلبة العلم، فيُطْعن ُفي المخالف ، ويُتّهم بإثارة الفتنة ، وحب الظهور ، وسرقة الأضواء ، وقلة العلم ....إلخ . 

وهذا تصرف غير سليم ، فعلينا أن ننتبه 

رابعاً - لماذا تبرز أخطاء العلماء أكثر من غيرهم ؟ 

خامساً - احذر من الذم الذي يشبه المدح : 

سادساً : أن من أساء الأدب مع العلماء فسيلقى جزاءه عاجلاً أو آجلاً . 

سابعاً : على العلماء وطلاب العلم الذين يبتلون بالتعريض للطعن ، وكلام الناس فيهم
 ؛ عليهم أن يصبروا ويتقوا الله ، وأن ليعلموا أنهم ليسوا أفضل من الأنبياء والمرسلين، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يسلم من الكلام فيه ، وطعن حتى في أهله ؛ في حادثة الإفك . 

ثامناً - احذر من التعميم : 

إن قضية التعميم في الأحكام قضية خطيرة جداً ، وقد وقع كثير من الناس في هذه الظاهرة التي تدل على قلة الوعي وعدم الإنصاف ، ترى أحدهم يقول : العلماء فعلوا ، والعلماء قالوا ، والعلماء قصروا ، والعلماء غلطوا – بهذا التعميم - . والتصرف السليم أن يُعمَّم في الخير ، ولا يُعمَّم في الشر ، ومن فضل الله تعالى أن الرحمة تعم كالمطر ، والعقاب يخص { وكلا أخذنا بذنبه } ومن كرمه سبحانه أن الرحمة تشمل خليط الأخيار – وإن لم يكن منهم - : (( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم )) . ولقد اطلع الله على أهل بدر فقال : (( اذهبوا مغفوراً لكم )) متفق عليه . وأما العقاب: {ولا تزر وازرة وزر أخرى }. [ سورة الأنعام ، الآية : 164 ]. 

تاسعاً - أخيراً أقول للمتحدثين في العلماء: 

اتقوا الله، توبوا إلى الله، أنيبوا إلى الله ، واثنوا على العلماء بمقدار غيبتكم لهم، و إلا فأنتم الخاسرون ، العاقبة للمتقين . وما مثلكم إلا كما قال الأول : 

كناطح صخرة يوما ليوهنها ****** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل. 

وقول الآخر : 

يا ناطح الجبل العالي ليثلمه ****** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل 

فنتبهوا، وصححوا المنهج ، وانظروا في العواقب،واحفظوا حرمات الله ، يحفظكم الله، ويغفر لكم. 

هذا ، أسال الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعيذنا من فتنة القول والعمل . والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

المصدر: مواقع ومنتديات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 81 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,180,015