نظرة بعض المسلمين الغربيين المهتمين

قضيةٌ غايةٌ في الأهمية والخُطورة؛ كيف نَنشُر احترامَ الرحمة المهداة في الغرب؟!

لقدِ انطلقت نحوَ الغرب عدَّةُ محاولاتٍ جادَّة تنشُر سيرة النبي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبْرَ برامجَ ومبادرات بحماسٍ وعفوية، جهود طيِّبة، غير أنَّ الاختبار الذي تعرَّضت له خلالَ الفترة الماضية أثبتَ أنها بحاجةٍ ماسَّة لإعادةِ صياغتها من جديدٍ؛ لاستعادةِ الهدَف الحقيقي؛ لأنَّ معرفةَ طبيعة المجتمع الغربي، وخلفيته الثقافيَّة مِن الأهميَّة بمكان، تابعت المبادرات عن كثب، غير أنَّ النتيجة المتواضِعة حتَّمتْ عليَّ أن أطلُب النصيحةَ مِن المسلمين الغربيِّين؛ فأهل مكَّة أدْرَى بشِعابها، لنسترشِد بأهل المجتمع الذين يَعرفون دروبَه ومسالكه التي يَنبغي أن نسلُكَها.

حملتُ سؤالي إلى عددٍ مِن الكتَّاب والمفكِّرين المسلمين الغربيِّين: 
بروس بي. لورانس:
الدكتور بروس بي لورانس - مدير مركَز الدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة دوقِ نانسي.

بروس بي لورانس: يا صَديقي العزيز، أفضلُ ما يُمكنني قوله، عمَلُ النبيِّ محمد في العقد الأولِ مِن الإسلام - جعل مِن رجل أسود إثيوبي - بلال بن رباح - أكبرَ شَخصية إعلاميَّة، مؤذِّن الصلاة الأوَّل في الإسلام، لقدْ أَخذتِ الولايات المتحدة الأمريكيَّة تَعمَل على سنِّ الدستور الذي يُقدِّس المساواةَ العرقيةَ 200 سَنة، ومشروع الدفع بشخص ملوَّن إلى الرتبة الأمامية لقيادةِ الجالية، هذا الحادث الوحيدُ حدَث بانتخابِ باراك أوباما في 2008!

جوناثان براون وعبد الرحمن أبو المجد في حوارٍ حول كيفية تقديم النبيِّ محمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم) للغرب؟

الدكتور جونثان براون:
أستاذ مساعد في الدراسات الإسلامية جامعة جورج تاون.

مِن كتبه:
كتاب "محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم": مقدِّمة قصيرة جدًّا 2011.
الحديث: "تُراث محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القرون الوسطى والعالم الحديث" 2009.
"أهمية البخاري ومسلم"، "نشأة عِلم الحديث" 2007.

س: الضجَّة المحيطة بكِتاب: "الآيات الشيطانيَّة"، وبالرسوم الدنماركيَّة، ذكَّرت العالَمَ بأهميةِ النبيِّ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كيف يَنبغي أن نُقدِّم النبيَّ محمدًا (صلَّى الله عليم وسلَّم) إلى الغرب؟
الدكتور براون: هذا سؤال جيِّد جدًّا، وأعتقد أنَّه لا توجد إجابة واحدة فقط كما أعتقِد، فالغرْب ليس كتلةً متناغمة، فبعض غير المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا ينتمون للنظرةِ البروتستانتيَّة التي ترى أنَّ "النبيَّ ما هو إلا أداةٌ لتوصيلِ الوحي المقدَّس إلى الناسِ، وقائدٌ رُوحي مثيرٌ للإعجاب"، وبالنسبة لهؤلاء، فَقِراءة كتُب السيرة، مثل كتاب: "حياة النبي"؛ لمحمَّد حسين هيكل، هو على الأرجحِ أفضلُ تقدِمةً للنبي، بينما يتأثَّر بعضُ الغرْب بشدة بالنبيِّ، ويرونه رَجلاً مقدَّسًا، ورجلاً تؤخَذ منه البَرَكة، وصانعًا للمُعجِزات، ومصدرًا للإخلاص.

وبالنسبة لهؤلاء، فقصيدة البُردة، أو كتاب الشِّفاء، أو بعض الأوراد، يمكن أن تكونَ وسيلةً جيِّدة للتواصُل معهم لتوضيح النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهم، بينما يَرغَبُ البعضُ الآخر في أن يَدرُسوا شخصيَّةً تاريخيَّة، بالنسبة لهؤلاءِ فإنَّ كتاب كارين آرمسترونغ عن محمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم) أو مِثل هذه الكتُب قد تكون أفضلَ وسيلةٍ لتعريفهم بالنبيِّ.

شعرت بأنَّ الإجابة ليستْ كافيةً، فكرَّرتُ السؤال بطريقةٍ أخرى:
س: يختلفُ موقفُ الغرْب تُجاهَ النبيِّ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - تبعًا للتقاليدِ الإسلاميَّة، فكيف يُمكننا أن نُقرِّب النبيَّ محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - إليهم مِن خلالِ المصادرِ الإسلاميَّة؟ 
الدكتور براون: أعتقِدُ أنَّ الناس غالبًا ما يحبُّون أنْ تكون لهم خبرةٌ مباشرةٌ مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن طريقِ الأذكار الصوفيَّة، أو حتى استحضار صُورة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خُطَب الجُمُعة، يمكن أن يكونَ كافيًا ومفيدًا.

ليندا إلهام باترو:
س: ما الذي أَسر انتباهك أولاً نحو النبيِّ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؟
ليندا: أحيانًا يجبُ على النَّاس أنْ ينسُوا لكي يَتعلَّموا، كان لا بُدَّ أنْ أَنسى تصويرَ الكنيسة للنبيِّ محمد - عليه الصلاة والسلام - قبل أن أَقْبلَهُ كنبي حقيقي، انطباع الكنيسة عن محمَّد - عليه الصلاة والسلام - أنَّه ذلك المجنون الذي استَخدم السَّيف لإجبارِ النصارى على اعتناقِ الإسلام، وقام بالقتْل بلا رحمة، يعتقِد الكثيرُ مِن النصارى بشكلٍ خاطئ أنَّ المسلمين يعبدون إمَّا محمدًا أو إله القمر، إذا استمعت للإذاعة النصرانيَّة اليوم سمعت واعظًا ينقل بعض التاريخ المُزيَّف لإله القمر، ويُضِيف: وهكذا أجْبر محمَّد الناس على عِبادة الإله الخاطئ.

في الحقيقة أنا كنتُ متعجِّبة؛ لأنَّ النبيَّ محمدًا - عليه الصلاة والسلام - نشَأ في مُجتمعٍ وثَني، ومع ذلك تلقَّى الوحي، بالرغم مِن أنَّ التوراةَ كانتْ مألوفةً جدًّا لي، إلا أنِّي فُوجِئتُ بوجودِ نبيٍّ وكتاب جديد تنبَّأتْ التوراة به.

كتابي: في "التوراة والقرآن في حافَّة عصْر النهضة"، أَستكشفُ مِثل هذا التنبُّؤ، بما في ذلك هذا النص في التناخ أَو التوراة اليهوديَّة (العهد القديم يتفاوت): "جعل هناك إيحاء آخَر إلى الآن تَمامًا سيستلم مِن قِبَلِ المنادي [الملاك]، يَنتظرُ هذا الإيحاءُ وقتًا مُعيَّنًا؛ يتنبأُ (بيومِ الحِساب)، وهو سَيكونُ صادقًا ثابتًا، وبالرغمِ مِن أنَّه بطيءٌ في المجيء، انتظرْ؛ لأنَّه سيجيء في الوقتِ المُستَحقِّ بالتأكيد"؛ (Habakkuk 2: 2-3).

س: في رأيك، كيف يَنبغي علينا أن نُبيِّن النبيَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - للغربيِّين؟
ليندا: أعتقِد أنَّ الشيءَ الأكثرَ أهميةً هو أنَّ حياتَنا الخاصَّة تَعكِس الشَّفقةَ، والأمانة، والتَّقوى، والكرَم، بالطريقة التي عرضتها حياة النبي، ونَعيشُ دِيننا بإخلاصٍ وسلامٍ على طريقةِ النبيِّ (عليه الصلاة والسلام).

في كتابِي "التوراة والقرآن في حافَّة عصر النهضة"، استعملتُ عِدَّة أحاديث تُبيِّن ذلك؛ "محمَّد ما كَان نبيًّا عظيمًا فقط، لكنَّه كان أيضًا ربَّ عائلة، وأعزَّ صديق، وأصدقَ جارٍ، وكرَّس نفْسَه خادمًا لله"، هذه الصُّورة للنبيِّ - عليه السَّلام - تغيبُ مِن التقارير الإخباريَّة، سمعتُ في أخبارِ الساعة السادِسة تغييبًا لهذه الصِّفات، يجب على المسلمين أن يُقدِّموا الصورةَ بشكلٍ فعَّال نشيط.

زهراء سوراتولا:
• الممثلة الجامعيَّة لقِسمِ اللُّغة الإنجليزيَّة بجامعة ليولا Loyola، وكاتبة مستقلَّة.

س: كيف يَنبغي علينا أن نُبيِّن النبيَّ محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الغرب؟
زهراء سوراتولا: مرَّةً ثانية، الإسلام لا يُحدَّد بالجغرافيا!

كيف يَنبغي أن يُقدَّم النبي محمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم) للكاثوليكيِّينِ خصوصًا، والغرْب عمومًا؟ 
فينسينزو: رهاب الإسلام مَزيجٌ مِن الجهلِ والشُّعور السيِّئِ، وهو أيضًا دِعاية إستراتيجيَّة لمجموعةٍ سياسيةٍ في أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكيَّة، لَكنَّه ليس فقط سؤالاً للغربيِّين، ففي إيطاليا بعضٌ مِن قيادي العرَب ضدَّ الإسلام، صحفي مِثل مجدي علام - محامٍ مصري تنصَّر - أَو النائب البرلماني مِثل سعاد سباعي - برلمانيَّة يمينيَّة إيطاليَّة مِن أصل مغربي تُطالِب بمنْع بناءِ المساجد - مِن المهمِّ جدًّا تَقديمُ النبيِّ محمَّد (عليه السلام) وفي هذا النهجِ كَتبتُ رِوايةً حولَ واحدٍ من أصحابه، هو زيْد بن ثابت.

وحتَّى تكون الصورةُ موضوعيَّةً، علينا أن نَعرِض الرؤيةَ الصوفية التي تمثِّل حيِّزًا لا يُستهان به، يحتِّم علينا أن نَتعرَّض لواحدٍ مِن أكبر وأشهر رموزها.

دانيال عبد الحي مور: لُقِّب بشاعرِ البلاطِ الإسلامي الأمريكي، شاعِر له عِدَّة أعمال شهيرة جدًّا؛ مِثل: سوناتات رمضان 1996، والنحَّالون فاقِدو البصر 2002؛ يقول: أولئك الذين قَد يُفكِّرون بأنَّ نبيَّنا محمَّدًا المحبوبَ قد ذَهب منا ودُفِن في المدينة، خطأ، هناك العلماء الذين رَأوه في وَضَح النهار، بالإضافةِ إلى العديد مِن الذين رأوه في أحلامهم، ليس كالاستعارةِ، لكن على هَيئته - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنَّ حُضورَه - عليه السلام - مطلوب الآنَ في عالَمِنا الحديث، هو معنا، لنُحسن اتِّباعه ونَقتدي به.

ويُمكِن الاستئناسُ بأقوالِ الموضوعيِّين مِن الغربيِّين؛ مثل: جون أدير، سألته: لماذا أصرَّ جون أدير على كتابةِ كِتاب: "قيادة محمَّد"؟
البروفيسور جون أدير: قارئ غير مُسلِم - سفير بريطاني سابِق عمل في بعض البلاد العربيَّة - قال لي بأنَّ كتابي "قيادة محمَّد" لأوَّل مرَّةٍ يجلب كتاب غرْبي النبي محمَّدًا حيًّا، بالرغمِ مِن أنِّني لَم أَكتُب الكتاب لهذا الغرَض، وأَتمنَّى بأنه يُصبح الجِسر الذي يُمكن العديد مِن الناسِ في كافَّةِ أنحاء العالَم للتعريف بهذا النبيِّ، والعصر الذي عاش فيه.

س: شدَّد البروفيسور جون إسبوسيتو على هذه الحقيقة: أتْباع محمَّد وَجَدوه عطوفًا وصادقًا، وتقيًّا، وجديرًا بالثِّقة، ومستقيمًا"، رجاء، وضح لنا كيف رأيت محمدًا (صلَّى الله عليه وسلَّم)؟
البروفيسور جون أدير: نعَمْ، أَرَى كلَّ الصِّفات القيِّمة في محمَّد كزعيم، وخُصوصًا أُؤكِّد في كِتابِي على سَلامته مِن العيوب، وصِفته التي اشتهَر بها (الأمين)، فالأمانة هي المؤسَّسة التي تؤسِّس كُلَّ القيادات الجيِّدة في كلِّ أنحاء العالَم.

أَرَى فيه أيضًا قيادة مِن أكثرِ القيادات سموًّا ونُدرةً، وجمالاً، قِيادة تدعو للتواضُع، تخلو قِيادته مِن التكبُّر، والغرور.

هو أيضًا كَان لديه نوعيةٌ مِن القيادة المثاليَّة الرفيعة - خصوصًا كعربي - يمتاز بالطَّبْع اللطيف.

أنا أُضيف أيضًا بأنَّني أَعتقدُ بأنَّه كَان يمتاز بالشخصيَّة المؤثِّرة الساحِرة، وبالكَرَم، والسَّخاء الذي يستحوذُ على قلوبِ الناس، فالزُّعماء المسلمون عندَهم الكثيرُ للالتزام به!

س: أنا ما زلتُ أَتذكَّر الموسوعةَ البريطانيَّة [الجزء 12] استشهدتُ بالتالي: كان محمَّدٌ رجلاً صادقًا، كسب احترامَ الآخرين، وولاءَهم، محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكثرُ الأنبياءِ نَجاحًا؛ كيف يستطيع المسلمون توضيحَ صورتِه المثالية - صلَّى الله عليه وسلَّم؟
البروفيسور جون أدير: بالمثالِ.

علينا أن نَعكف على هذه الآراء ونختار الأصلحَ بعدَ تَقييمها، نسترشِد بها أفرادًا ومؤسِّسات؛ لماذا لا تقوم الهيئاتُ والمراكزُ المعنيَّة بدعوة المفكِّرين المسلمين الغربيِّين لكتابةِ بحوثٍ جديرةٍ بالمناقشة في كيفيَّة نشر احترام النبيِّ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الغرْب، فأهل مكَّة أدْرَى بشِعابها.

إنَّهم طاقاتٌ فاعلة ومتفاعِلة، وجديرةٌ بالمشاركةِ في كيفيةِ نشرِ احترام رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الغرْب؛ أليس كذلك؟!

منقول

المصدر: منتديات حبة البركة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 28 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,178,907