مقالة بواسطة / ياسر أبو الحسب

جهل أم تجاهل؟

لا يمكن لأي شخص قديم أو حديث العهد بالإنترنت إلا وأن لاحظ، وخصوصا على موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك”، الكثير والكثير من “الحقائق العلمية التي تثبت أن دين الإسلام حق” كما يسميها أصحابها، وسيتعجب -حتما- من هؤلاء ال”مشيّرين” بأعدادهم التي تتجاوز المئات وتصل للآلاف أحيانا، لصورة أو نص لا يمت للعلم بصلة من قريب أو من بعيد، فتجد أحدهم يقول “وكالة ناسا تثبت كذا وكذا” ، “والعالم الفلاني” يكتشف كذا.

فهذا ينشر صورة للقمر، ويقول أن وكالة ناسا اكتشفت شقا يقسم القمر نصفين.. والآخر يعرض صورة لبرغوث ، ويقول متحمسا أن هذا البرغوث هو كائن صغير يعيش فوق الذبابة. والثالث يقول أن هناك شعاعا يخرج من مكة متجها للسماء. والرابع يذهب بخياله بعيدا، ويقسم على من يرى صورة هذا الثعبان ذو الثلاثة رؤس ألا يخرج قبل أن يكتب “سبحان الله”. ولابد من مكافأة سخية لناشر الصورة وذلك بالضغط على زر الإعجاب، ومن يرد أن “يشيّرها” فذلك فضلٌ ومنّة!..ويظن بذلك أنه يخدم دينه… والخامس … والسادس… والسابع.

والأعجب من هذا وذاك، أن مثل هذه الصور والفيديوهات بدأت في الفترة الأخيرة تنتشر في الفضائيات التليفزيونية، مما يكسبها قاعدة أعرض من المشاهدين، وانتشار كالنار في الهشيم، مسببة فوضى علمية، وخرافات لا حصر لها.

وبعيدا عن المناقشة العلمية لكل ما ذكرت هنا، والتي ستثبت مما لا يدع مجالا للشك، أن كل من تلكم الصور ما هي إلا ليّ لعنق بعض الحقائق الطبيعية لتناسب هوانا الثقافي، وهراء لا يمت للعلم بصلة، فأنا أتسائل:

هل حاول أحدهم أن يبحث عن مصدر هذه الصورة أو المعلومة، وما أسهل البحث في وقتنا هذا؟ أم أن تقديم معلومة قد تكون خاطئة، لا يهمنا بدرجة إهتمامنا بانتزاع الآهات والتكبيرات ممن يرى هذه الصورة، أو يقرأ تلك “الحقيقة”؟… وإذا سألت أحدهم:ما هو مصدرك؟ لقال لك “لقد وجدتها على “حائط” أحد الأصدقاء”. ولو تماديت في مناقشتك له، لربما أصبحت عابداً للغرب من وجهة نظره..

الانفصام العلمي ونظرية المؤامرة!

وستصل الإثارة إلى ذروتها عندما تجد أن بعضهم لا يؤمنون بالصعود على القمر، بل وستجد كتب “علمية” تتحدث بالدلائل والبراهين عن أن الأرض لا تدور حول الشمس، ولكن وكالات الفضاء في جميع أنحاء العالم تآمرت وتكالبت واجتمعت على أن توصل لنا هذه المعلومات المضللة!

هنا تتجلى ظاهرة الإنفصام العلمي في أوضح صورها، فتجد أحدهم، والذي كان منذ قليل يتحدث عن اكتشاف ناسا لذلك الشق على القمر، هو نفسه من يتحدث عن كذب وكالة ناسا فيما يتعلق بصعودهم على القمر، وفيما يتعلق بدوران الأرض حول الشمس! فتجده يصدقها ويكذبها في نفس الوقت!

خلاصة القول يا سادة : إننا نصدق ما نريد أن نصدقه فقط..

إن معرفة المشكلة هو نصف الحل كما يقال، وها نحن لا نريد الإعتراف أن هناك من يسبقنا علميا بسنوات ضوئية، وهذا الاعتراف هو البداية الحقيقية للنهضة من الغفوة العميقة التي نحن فيها الآن، وإلا ستظل أمتنا تعاني تحت قيود هذا الجهل الذي نصنعه نحن لها … وسنظل هكذا في مؤخرة ركب الأمم. فلا كرامة بدون قوة، ولا قوة بدون علم.

المصدر: اراجيك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 4 فبراير 2013 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,180,355