إن من العبادات الذي هجرها الكثيرون في هذا الزمان عبادة التفكر في آيات الله تعالى الكونية التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية والسلف الصالح وهذا الهجر سبب خللاً في الوعي الإسلامي إذ أصبحنا نهتم بأمور هي دون عبادة التفكر في الاعتبار الشرعي والفائدة المرجوة, والتفكر من أولى العبادات الموصلة إلى الارتقاء بالمستوى الإيماني للمسلم المعاصر.
هــــل التفكــــر عبـــــادة؟
والجواب بلا شك نعم. وتعليل ذلك أن الله تعالى مدح المتفكرين في كتابه بقوله:( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) [آل عمران 190-191]. وأن الله تعالى ذكر في أكثر من 250 آية من القرآن الكريم سوراً مختلفة للكون الذي يحيط بنا في سماواته وأرضه وفي جباله وبحاره وأنهاره وفي مخلوقات من الإنس والجن والطير والدواب وفي هواءه وسحابه وأمطاره وفي أحداثه وتغيراته وفي حاضره وماضيه وفي مشاعره وتسبيحاته.
وأن الله تعالى ذم معطلي العقول والأفكار وشن عليهم حملة في آيات عدة من كتابه العزيز فقال سبحانه وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا)[لقمان 21].
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفكر في آيات الله عز وجل فيقلب وجهه في السماء وقد قال مرة لأصحابه إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته). وكان يأمر أصحابه بالتفكر فيقول تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله).
فـــــــــوائد التفكـــــــــر
للتفكر الشرعي الذي أمر الله به فوائد عدة فمن فوائده:
1- يجدد الإيمان ويزيده: قال ابن القيم رحمه الله: التفكر يكشف حقائق الأمور ويميز مراتبها في الخير والشر ومعرفة المفضول من الفاضل والتفكر يزيد الإيمان أكثر مما يزيده العمل.
2- والتفكر من أعمال القلب وأعمال القلب أفضل من أعمال الجوارح باتفاق العلماء.
3- يبعث على التواضع أمام عظمة الله تبارك وتعالى ويبعث على حسن الظن بالله عز وجل.
4- يؤدي إلى العمل بآيات كثيرة من كتاب الله تعالى والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
5- يفتح آفاق العلم والإيمان مما لم يكن معلوماً قبل ذلك لأن الفكرة تجر الفكرة.
ضوابــــــط التفكــــــــر
ينبغي ألا يصل التفكر إلى حد الخروج عما لم يحط الإنسان بعلمه أو الخروج عما لا ينبني تحته عمل أو تصور أمور لا يمكن تصورها لأنها لا تخضع لمقايسنا كالقبر وما فيه والآخرة وما فيها والملأ الأعلى وما يخصه فإن ذلك قد يؤدي إلى الوسوسة والشك وهذا ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه في قوله تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله). وقال عليه السلام إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات؟ فيقول: الله فيقول:من خلق الأرض؟ فيقول: الله فيقول: من خلق الله؟ فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله ورسوله).
وإذا كنا في حياتنا لا نفهم أشياء كثيرة نعيشها كالروح والحواس وحدودها والعقل وماهيته والمشاعر والنفسيات وكثيراً مما يحتويه الجسم من وظائف وأعضاء دقيقة وبعض مراحل التخلق الجنيني والرسالة النبوية وطبيعتها والتخاطب عن بعد والأقدار الإلهية, والرؤيا والأحلام... وغيرها فإن هذا مما يمنعنا من التطاول فوق حدود المعقول وقد أحسن من قال:
قـــل لمــــن يفهـــــم عنــــي مـــا أقــول
قصـــــر القـــــول فــذا شــرح يطــــول
ثــم ســـــر غامــــــض مــــن دونــــــه
قصــــــــرت والله أعنـــــاق الفحـــــول
أين منـــك الـــــروح في جــوهــــــرها
هل تراها أم تــــرى كيـــــف تجـــــول
وكـذا الأنفــــاس هـــــل تحصرهـــــا؟
لا ولا تـــــدري متى عنــــك تـــزول؟
أيـــــن منــــــك العقــــــل والفهــــم إذا
غلب النـــوم فقــــل لــــي يا جهـــــول
أنـــــت أكـــــــل الخبـــــز لا تعرفــــه
كيف يجري منـــك أم كيـــف يجـــول
فـــــــإذا كانـــــت طوايـــــاك التـــــي
بين جنبيـــــك كـــــذا فيهــــا ضلـــول
كيف تدري من على العرش استوى؟
لا تقـل كيــف استــوى كيــف النزول
كيـف يحكــي الــرب أم كيـف يـرى؟
فلــعمــــري ليـــــس ذا إلا الفضـــول
جـــــل ذاتـــــــاً وصفاتــــــاً وسمــــا
وتعالــــــى قــــــدره عمـــــا تقــــول
وختاماً:
إن لكل غاية وسائل إذا تعاطاها الإنسان وصل إلى تلك الغاية التي يريدها ومن جملة ذرائع التفكر ما يأتي:
1- الممارسة والتعود ولا ينبغي أن يكون كر الأيام وتتابع الأحداث المتشابهة عائقاً لنا عن التفكر فإن في خلق الله عز وجل من العجائب ما لو وقف عليه المرء لأدرك عظمة خالقه واكتشف قدرته وإبداعه إلا أنه يحتاج إلى فكر ثاقب واجتهاد وخشية لله تعالى.
2- مخالطة العلماء الربانيين الذين أدركوا حقيقة التفكر المشروع أو الاطلاع على أبحاثهم وكتبهم.
3- التخلص من الذنوب والإقلال منها بقدر المستطاع فإن المعصية تحجب الفكرة.
4- الاجتهاد في الطاعة واستحضار الخشوع والبكاء من خشية الله.
5- ترك ما لا ينبغي من الأقوال والأحوال والأعمال.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
المصدر: مواقع ومنتديات
نشرت فى 3 ديسمبر 2012
بواسطة alsanmeen
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,280,524
ساحة النقاش