أحمد مراد ـ عُرف الليث بن سعد بإمام أهل مصر في الفقه والحديث، واشتهر بأنه أحد مجددي الإسلام في القرن الأول الهجري لدوره الكبير في خدمة السنة النبوية والفقه الإسـلامي، وهو صاحب إحدى المدارس الفقهية الكبرى على مدى التاريخ الإسلامي، التي وضعها العلماء والفقهاء في مرتبة مدارس الأئمة الأربعة “أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل”، وهو ما جعله يحتل مكانة مرموقة بين علماء الإسلام.
حب العلم
يقول الداعية الإسلامي الدكتور راغب السرجاني عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن، ولِد عام “94هـ ـ 713م “ في قرية “قلقشندة”، وهي إحدى قرى محافظة القليوبية الواقعة في دلتا مصر، ومنذ طفولته كان محباً للعلم، حيث كان يحرص على تلقي العلم من العلماء المشهود لهم بالورع وغزارة العلم والتفقه في أحكام الدين، وهو الأمر الذي جعله يزور بلاداً كثيرة، وقد تأثر بخلق كثير من التابعين كعطاء، ونافع، والزهري، وقيل: إنه أدرك ما يقرب من خمسين تابعياً.
ويضيف: لقد شهد الكثير من كبار العلماء والفقهاء للإمام الليث بن سعد بنبوغه وكثرة علمه وفقهه؛ فقال الإمام الشافعي عنه: “الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به”. كما قال الفضل بن زياد: “ليث كثير العلم، صحيح الحديث”.. وقال أبو حاتم: “هو أحب إليَّ من مُفَضل بن فَضالة”.
وقال أبوداود: “حدثني محمد بن الحسين، سمعت أحمد يقول: الليث ثقة، ولكن في أخذه سهولة”.. وقال سعيد الآدم: “قال العلاء بن كثير: الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا”. وقال ابن سعد: “كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه”.
وقال ابن تغري بردي: “كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث إن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته”.. وقال الحافظ أبو نعيم: “كان الليث فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن من كان يتولى مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلى رأيه ومشورته، وقد أراده المنصور أن ينوب عنه على الإقليم فاستعفى من ذلك.. وقال ابن وهب: “لولا مالك والليث لضل الناس”.
كتب الصحاح
ويشير الدكتور السرجاني إلى أن للأمام الليث بن سعد أحاديث كثيرة في كتب الصحاح، ومن الأحاديث التي رويت عن الليث ما رواه الترمذي قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا”، وروى عبدالملك بن شعيب عن أبيه، قال: قيل لليث أمتع الله بك إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: أو كل ما في صدري في كتبي لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب.
كما يشير إلى أن من أبرز الصفات التي ظهرت في شخصية الليث بن سعد صفة الكرم والسخاء، فمع كثرة علمه وفقهه وورعه كان كريما معطاء، حتى عُرف بهذه الصفة وصارت من سجاياه التي لا تنفك عنه بحال من الأحوال، وهو ما جعل الصفدي يقول عنه: “كان الليث من الكرماء الأجواد..
ويقال: إن دخله كان كل سنة خمسة آلاف دينار، وكان يفرقها في الصلات وغيرها”.. وقال منصور بن عمار: “أتيت الليث فأعطاني ألف دينار، وقال: صن بهذه الحكمة التي آتاك الله تعالى”. وجاءت امرأة إلى الليث، فقالت: يا أبا الحارث، إن ابنا لي عليل، واشتهى عسلا. فقال: “يا غلام، أعطها مرطاً من عسل”. والمرط: عشرون ومئة رطل.. روي عنه أنه كان يصل مالكاً بمئة دينار في السنة، فكتب إليه مالك عليّ دين، فبعث إليه بخمسمئة دينار، وعن ابن وهب: كتب إليه مالك: إني أريد أن أدخل ابنتي على زوجها بشيء من عصفر، فبعث إليه بثلاثين حملا عصفراً، وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار، ومنصور بن عمار ألف دينار وجارية بثلاثمئة.
تلاميذ الإمام
وروى عن الليث بن سعد عدد كبير من التلاميذ الذين أصبحوا فيما بعد من كبار العلماء، منهم ابن عجلان شيخه، وابن لهيعة، وهشيم، وابن وهب، وابن المبارك، وعطاف بن خالد، وأشهب، والقعنبي، وحجين بن المثنى، وسعيد بن أبي مريم، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن يونس، وشعيب بن الليث ولده، ويحيى بن بكير، وعبدالله بن عبدالحكم، ومنصور بن سلمة، ويونس بن محمد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن يحيى الليثي، وعمرو بن خالد، وعبدالله بن يوسف التنيسي.
وتوفي الإمام الليث بن سعد يوم الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان عام 175هـ الموافق السادس عشر من ديسمبر عام 791م.. و قال خالد بن عبدالسلام الصدفي: “شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي، فما رأيت جنازة قطُ أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزِّي بعضهم بعضًا، ويبكون؛ فقلت: يا أبتِ، كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة. فقال: يا بُني، لا ترى مثله أبدا”.
ساحة النقاش