يخطِّئ البعض من يقول: أنِفَ فلان الذُّلَّ، ويقولون إن الصواب هو: أَنِفَ فلان مِن الذُّلِّ، اعتماداً على ما جاء في كثير من المعاجم، وعلى قول المتنبي:
أَنَفُ الكريمِ من الدَّنيئةِ تاركٌ في عَيْنِهِ العَدَدَ الكثيرَ قليــلا
ولكنّ الشاعر لسان الدين ابن الخطيب قال:
قالوا لخدْمتِهِ دعاك مُحمَّدٌ فأنِفْتُها، وزَهِدْتُ في التَّنْويهِ
وجاء في القاموس: يأْنَفُ أن يُضامَ، وقال ابن الأعرابي والأزهري: أَنِفَ البعيرُ الكلأَ.
وجاء في تهذيب الأزهري: أَنِفَ الطعامَ وغيرَهُ. وفي المُحكم لابن سيده: أَنِفَتْ فَرَسي هذه هذا البلد.
وجاء في المخصَّص لابن سيده أيضاً: أنِفْتُ الشيءّ: كَرِهْتُهُ.
وقال الزَّجاج في كتاب ( فَعَلْتُ وأفْعَلْتُ ).: يُقال: أَنِفْتُ الشيءَ، إذا تَنَزَّهْتُ عنه.
وقال وهب بن الحارث القُرشي:
لا تَحْسَبَنِّي كأقوامٍ عَبِثْتَ بهم لَنْ يأْنَفُــوا الذُّلَّ حــتى يأْنَفَ الحُمُرُ
وقال الثقفي:
تنبو يداهُ إذا ما قلَّ ناصــِرُهُ ويأْنَفُ الضَّيمَ إنْ أثرى له عَدَدُ
وقال حسّان بن ثابت:
قسامةُ أُمُّكُمْ، إنْ تنْسِـــبوها إلى نَسَــبِ فَتَأْنَفُــهُ الــــكرامُ
وجاء في المعجم الكبير لمجمع اللغة العربية بالقاهرة: أَنِفَ من الشيء أو أَنِفَ الشيء: كَرِهَهُ وعافَتْهُ نفسُه.
فمن هذا كله نرى أنه يجوز أن نقول: أَنِفَ من الذُّلِّ، وَأَنِفَ الذُّلَّ.
أما فعلُهُ فهو: أَنِفَ يَأْنَفُ أَنَفَةً وأَنَفاً: استَنْكَفَ واستكْبَرَ.
أَنِفَ مِن كذا، فهو من الأنْف أيضاً، وهو كقولهم للمتكبِّر: «ورِمَ أنفُهُ». ذكر الأَنْف دون سائر الجسد لأنه يقال شمَخ بأَنْفه، يريد رفع رأسه كِبْرا، وهذا يكون من الغَضَب. قال:أي لا يُكلَّم عند الغضَب.
ويقال: «وجَعُهُ حيثُ لا يضَعُ الرّاقي أَنْفَه». يضرَب لما لا دواءَ لـه.
وتقول العرب: فلان أَنْفِي، أي عِزِّي ومَفْخَرِي.
أبوالعلاء المعري:
أنِفتُ، وقد أنِفتُ على عُقود سِــواراً، كيْ يَقولَ النّاسُ حالِ
وكيفَ أشيدُ في يَومي بِـــناءً وأعلَمُ أنّ في غَــدِيَ ارتحــالي؟
مِحالُكَ زَلّةٌ، والدّهــرُ خَـــبٌّ يَــسيرُ بأهلِهِ قَلِقَ المَحــــال
أقَمنا في الرّحالِ، ونحنُ سَفْرٌ كأنّا قاعِــدونَ عــلى الرّحــال
أراكَ الجَهـلُ أنّكَ فــي نَعيمٍ وأنتَ،إذا افتكَرْتَ،بسوء حال
إذا مـــا كانَ إثمِدُنــا تُرابــاً فأيُّ النّاسِ يرغَبُ في اكتحال؟
وما سَمَحتْ لَنا الدّنيا بشيءٍ سِوى تَعليلِ نَفـسٍ المُحـــال
وأعوَزتِ الفَضيلــــةُ كلَّ حيٍّ فَما هوَ غَيرُ دعـــوى وانتحال
ساحة النقاش