النساء يتحدثن أضعاف ما يتحدثه الرجال
“الرجال من المريخ والنساء من الزهرة” هي عبارة تداولها الناس بصيغ أخرى حتى قبل صُدور الكتاب الشهير الذي يحمل العنوان نفسه لمؤلفه جون جريي سنة 1992، محاولاً سبْر شخصية الرجل والمرأة وتفسير اختلاف شخصياتهم وملامح سلوكاتهم، ووصولاً إلى تقديم حلول للمشاكل القديمة الجديدة التي تحدث بينهما جراء هذا الاختلاف.
وقد أشارت دراسة جديدة نُشرت في العدد الأخير من مجلة “بلوس وان” إلى أن 18% من النساء يتشاركن شخصيات مماثلة مع الرجال، و18% من الرجال يُشاطرون النساء شخصيات مشابهة. غير أن معظم النساء لديهن ملامح شخصية مختلفة عن الرجال والعكس صحيح. فالرجال يميلون إلى السيطرة- بقوة وعدوانية أحياناً- ويبدون أكثر قدرة على الاحتفاظ باستقرارهم العاطفي. بينما يتصف النساء بحساسية شعورية أكبر، ويُولين اهتماماً أكبر بالآخرين، ويقلقن أكثر بشأن المستقبل.
ويقول بول إروينج من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة “من منظور نفساني، الرجال والنساء هم جنسان مختلفان عن بعضهما تماماً”. وقد تُفسر نتائج الدراسة الجديدة لماذا يُسيطر الرجال على بعض الوظائف والمهن إلى الآن كالهندسة مثلاً، بينما تُهيمن النساء على وظائف ذات طبيعة أخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع والتدريس والتمريض.
ويضيف إروينج أن كل الناس يختارون مساراتهم المهنية بناءً على ميولهم الشخصية وما يعتقدونه أنسب لهم وأليق بهم”. بيْد أن الدراسة الجديدة أثارت العديد من الانتقادات من قبل آخرين يعملون في المجال نفسه، إذ آخذوا على الباحثين منهجيتهم التحليلية، فهم يرون أن الرجال والنساء لا يختلفون كثيراً عن بعضهم إلى الحد الذي وصفته الدراسة.
وكان إروين وزملاؤه قد حللوا معلومات استقوها من عند أكثر من 10 آلاف شخص في الولايات المتحدة الأميركية ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و92 سنة، وأجروا لكل واحد منهم اختبار شخصية. وصُمم كل اختبار لقياس 15 ملمحاً من ملامح الشخصية، بما فيها دفء المشاعر، والاستقرار العاطفي، والهيمنة، والحيوية، والجسارة الاجتماعية، والحساسية، والانفتاح على التغير.
وقام الباحثون بتجميع العلامات التي سجلها كل شخص على مستوى ملامحه، ثم استخدموا طريقة حسابية رقمية لقياس درجة ما اصطلحوا عليه “الاختلاف العام” في الشخصية ما بين الرجال والنساء.
ويقول الباحث ماركو ديل جيودايس من جامعة تورين بإيطاليا إن الدراسات السابقة كانت تُقلل من حجم الفروق والاختلافات الموجودة بين الجنسين.
لكن هذه النتائج تتناقض مع الرأي السائد لدى علماء النفس الذي يفيد بأن ما يجمع الرجال والنساء يفوق بكثير ما يُفرقهم، بما في ذلك ملامحهم الشخصية.
أما جانيت شيبليي هايدي، أستاذة علم النفس والدراسات النسوية في جامعة ويسكونسين، والتي سبق لها نشر ورقة بحثية سنة 2005 حول الموضوع نفسه، فترى أن الدراسة الجديدة لم تقلب الاعتقادات السائدة رأساً على عقب كما وصفها الباحثون، بل إنها فقط تُضخم من حجم الفروق والاختلافات الموجودة بين الجنسين.
وانتقدت هايدي هي الأخرى المنهجية البحثية التي استخدمها الباحثون مؤخراً بالاعتماد على 15 ملمح شخصي فقط لقياس “الاختلاف العام”، موضحةً أنه لا يمكن إسقاط النتائج على عموم الرجال والنساء، وأنها تُفضي إلى نتائج معدومة القيمة وغير قابلة للترجمة في الواقع المعيش.
كما اعترفت أن دراسة اختلاف الرجل عن المرأة لا تزال من أكثر مجالات البحث تعقيداً بالرغم من التطور العلمي والتكنولوجي الذي بَلغته البشــرية.
وهو رأي يتفق معه البروفســور باتريك يان أرمسترونج، أسـتاذ علم النفس في جامعة يوتا ستيت.
فهو يرى أن قيمة “الاختلاف العام” تزيد وتتسع رقعتها تناسُباً مع عدد الملامح الشخصية التي استخدمها الباحثون، فتحليل 15 ملمحاً يظهر فروقاً أكثر مما لو تم تحليل 5 ملامح شخصية، وهكذا.
ساحة النقاش