أشعر بالوحشية والوحشة وأنا أقطن في برج جميل فيه مئات من الجيران، ولم أستطع بعد، على الرغم من مرور أكثر من شهر على سكني، أن ألقي التحية والسلام على جيراني في الطابق نفسه الذي أسكن فيه، ولم أتجرأ إلى اليوم أن أدعو أحدهم لشرب فنجان قهوة المساء أو الصباح، وأسأل نفسي كلما خرجت ودخلت: هل يمكن أن نتحول إلى كائنات تأكل وتشرب أو آلات تعمل دوماً ولا تكل ولا تمل؟ أم أن ظروف العمل والسعي إلى الرزق دوراً في انشغال الناس عن بعضهم، أقوى وأشد تأثيراً في حياتنا؟

 

ومع مـرور الوقت نجــد أننا نفقد إحســاسنا وأحاسيسنا، ويتحول كل ما نفعله إلى شيء عادي، ومبرر، وإن كانت تلك الأفعال في يوم ما في نظرنا أنفسنا عيباً ومنقصة.

 

على الرغم من أن سكن أيام الزمن الماضي كان يمتد ويتناِثر، بداية في الخيام، ومن ثم في “العشش” والعرائش، ومن ثم في البيوت الطينية إلا أن تلك المساكن كانت دافئة بمشاعر ساكنيها ومحبتهم وتعاونهم، يستظلون بهذه المحبة من حرارة الشمس اللاهبة فتكون تلك الشـمس برداً وسـلاماً، وكانت مشاعر المحبة والتواد بين الناس تتزايد عمقاً وتتوالى ارتفاعاً في القلوب والنفوس لتبني أبراجاً من الحب والتآلف والتعــاطف، فلا يكاد الإنســان أن يقـول آخ وآه وجعاً، حتى تتســابق أيادي الـجــيران مســعفة

بلا نداء.

ويبدو أن قساوة العمران الإسمنتي المسلح المقاوم قد تسللت للقلوب والنفوس، فما عاد يسمع الجار آه وآخ أخيه الجار الذي لا يفصله عنه سوى جدار.

وتسللت برودة الأسمنت والزجاج إلى داخلنا فتجمدت قلوبنا ونفوسنا، وما عادت تؤثر فينا صرخة ألم من جار قريب أو بعيد..

اليوم الجار لا يعرف جاره، ولا يكاد يراه وإن رآه، لم يلق عليه السلام، وإن ألقى السلام، فهو متطفل ومتدخل في خصوصية.

الخبز أرزي:

عن الجار يسـأل باغي المَحَلّ قبل الســؤالِ عن المـنزِلِ

وغصــنُ المــودَّة إن جـــادَهُ سـحابُ التعهـُّد لم يذبـلِ

أأظمـأُ في منهـل مــن نـداك وغــيري يُعَـلُّ ولـم أنهــلِ

فــــإنـك أخـــرتنـي والأنــــا مُ يرعـونَ في بـرِّكَ الأجـزلِ

كذا الجَمَل الحامل المثقلات إذا قيل أعيا عن المحمـلِ

فهـا أنا كالجَـمَــل المُجـتَوى ثق لتُ ولس تُ بمستثقلِ

ســأُثني عـليك كـلا الحالَتَيـ ـن ثنائي على المُحسن المُجمِلِ

لأنـــَّـك زَيـنيَ عــند الرخـــاء وأنَّــك في شــدَّتي معقــلي

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 10 أكتوبر 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,280,556