رياض السنباطي

رغم مرور 31 عاماً على رحيل الموسيقار رياض السنباطي، فقد تم الاحتفاء به بشكل يليق بما قدمه للساحة الغنائية والموسيقية، وهو ما أهله ليكون علامة فارقة في الموسيقى، وواحداً من أهم رموز النغم العربي، وتفاوت الاحتفاء به بين دار الأوبرا التي نظمت حفلاً قدمت خلاله مجموعة من أشهر ألحانه، والعديد من السهرات الإذاعية والفضائية عن أعماله.

سعيد ياسين - يعد الراحل صاحب مدرسة فنية كبيرة، وعلماً من أعلام الموسيقى العربية، وأحد اساطين العزف على آلة العود، حيث تميز عزفه بأبعاد عميقة وروح متأملة، كما اجتمع في عزفه العمق واتساع الأفق والطرب، واشتهر بتفرده في تلحين القصيدة العربية، وبلغ عدد مؤلفاته الغنائية 539 عملاً تنوعت بين الأوبريت والإسكتش والديالوج والمونولوج والأغنية السينمائية والدينية والقصيدة والطقطوقة والموال، وبلغت مؤلفاته الموسيقية الخالصة 38 معزوفة. ولد محمد رياض السنباطي في 30 نوفمبر عام 1906 في مدينة فارسكور “شمال دلتا مصر”، وكان والده قارئاً ومنشداً في الموالد والأفراح والأعياد الدينية في القرى.

وتفتحت أذنه على أبيه وهو يعزف على العود، ويغني الغناء الأصيل والتواشيح الدينية، وحين بلغ التاسعة من عمره، ضبطه والده عند جارهم النجار هارباً من المدرسة، يضرب على العود ويغني بصوته “الصهبجية” لسيد درويش فطرب لصوته، وقرر أن يصطحبه معه للغناء في الأفراح.

 

واستمع خلال تلك الفترة إلى عبدالحي حلمي ويوسف المنيلاوي وسيد الصفطي وأبوالعلا محمد، ومع ذلك ظل دائماً مديناً لوالده الذي علمه تراث الموسيقى العربية.

 

الدراسة

ورغم أن والده عقب انتقال الأسرة إلى مدينة المنصورة ألحقه بأحد الكتاتيب، فإنه لم يقبل على التعليم بقدر إقباله وشغفه بالموسيقى والغناء، وأصيب في هذه الفترة بمرض في عينه، حال بينه وبين استكمال دراسته، وهو ما دفع والده إلى التركيز على تعليمه قواعد الموسيقى وإيقاعاتها، فأظهر استجابة سريعة وبراعة ملحوظة، فاستطاع أن يؤدي بنفسه وصلات غنائية كاملة، وأصبح نجم الفرقة ومطربها الأول وعرف باسم “بلبل المنصورة”.

وحين استمع سيد درويش له أعجب به إعجاباً شديداً، وأراد أن يصطحبه إلى الإسكندرية لتتاح له فرص أفضل، ولكن والده رفض ذلك العرض بسبب اعتماده عليه بدرجة كبيرة في فرقته.

وفي عام 1928، قرر والده الانتقال إلى القاهرة، حيث كان يرى أن ابنه يستحق أن يثبت ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقاً له قبل نزوحه إلى القاهرة.

وتقدم رياض في العام ذاته بطلب لمعهد الموسيقى العربية ليدرس به، فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى في ذلك الوقت، إلا أن أعضاءها أصيبوا بالذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً، لذا أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذاً لآلة العود والأداء.

تطور الأسلوب

وبدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع، ولم تستمر مدة عمله بالمعهد إلا ثلاث سنوات، وقدم استقالته واتخذ قراره بدخول عالم التلحين، بعدما قدمته شركة “أوديون” للأسطوانات كملحن لمطربي الشركة، ومنهم عبدالغني السيد ورجاء عبده ونجاة علي وصالح عبدالحي. ومع تطور أسلوبه، وسطوع نجم أم كلثوم، كان لا بد من لقائهما، وكانت البداية بأغنية “على بلد المحبوب وديني” من كلمات أحمد رامي عام 1935، ولقيت نجاحاً كبيراً، وانضم بعدها إلى جبهة الموسيقى الكلثومية التي كانت تضم محمد القصبجي وزكريا أحمد وتميز فيما فشل فيه الآخرون، وهي القصيدة العربية التي توج ملكاً على تلحينها، سواء كانت دينية أو وطنية أو عاطفية، ولذلك آثرته أم كلثوم من بين سائر ملحنيها بلقب العبقري، ووجد في صوتها ضالته المنشودة ، فقدم لها أكثر من مئة لحن تعاون فيها مع غالبية شعرائها.

ومن أبرز ما قدمه لها ولد الهدى وسلوا قلبي ونهج البردة وإلى عرفات لأحمد شوقي، ومالي فتنت بلحظك الفتاك لعلي الجارم، وقالوا احب القس سلاّمة لعلي أحمد باكثير، ومصر تتحدث عن نفسها لحافظ إبراهيم، وأراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني، وافرح يا قلبي و يا ليلة العيد وسهران لوحدي ويا ظالمني وأغار من نسمة الجنوب ودليلي احتار، و”الأطــلال” لإبراهيم ناجي، وتعد من كلاسيكيات الموسيقى العربية، وهي الأغنية التي اعتبرها النقاد تاج الأغنية العربية واروع اغنية عربية في القرن العشرين، واختيرت ضمن أعظم مائةعمل موسيقي عرفته البشرية. كما لحن للعديد من المطربين ومنهم منيرة المهدية وفتحية أحمد وصالح عبدالحي ومحمد عبدالمطلب وأسمهان وهدى سلطان وفايزة أحمد وسعاد محمد ووردة ونجاة وعزيزة جلال وابتسام لطفي.

جوائز

وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة، منها وسام الفنون عام 1964، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس 1964، وجائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما 1977، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى، والدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى، وجائزة اليونسكو العالمية وكان الوحيد من العالم العربي، ومن بين خمسة علماء موسيقيين من العالم نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة.

وفوجئت الإذاعة المصرية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أنها لا تمتلك أي تقاسيم له، فطلبت منه تسجيل عدد من التقاسيم فاستجاب، ولكنه توفي بعد ذلك بأشهر قليلة، وتحديداً في التاسع من سبتمبر عام 1981 عن عمر يناهز 75 عاماً.

العلاقة بالسينما

لم تنحصر علاقة رياض السنباطي بالسينما في الموسيقى والتلحين فقط، حيث قدم عام 1952 فيلماً شاركته بطولته هدى سلطان وأخرجه حلمي رفلة ورغم نجاح الفيلم، فإنه لم يفكر في تكرار التجربة، خصوصاً أنه أكد وقتها أنه لم يجد نفسه في التمثيل، وأن اللحن هو عالمه. وعاش السنباطي حياة بسيطة تقترب من الانطوائية والعزلة إلا عمن يتعامل معهم من المطربين والموسيقيين، وعرف عنه أنه كان يقضي وقته في صومعته يسمع ويسجل وينتظر الإلهام، كما كان عزوفاً عن الأضواء والإعلام.

المصدر: الاتحاد

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,278,463