الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم إلى يوم الدين أما بعد:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، “سورة الحج، الآية 27”.
يقول الإمام ابن كثير في كتابه تفسير القرآن العظيم: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) أي ناد في الناس بالحج، داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر إنه قال: يا رب وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيام، لبيك اللهم لبيك)، “تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/290-291”.
أيام مباركة
إننا نعيش في ظلال أيام مباركة من أشهر الحج، وكلما أقبل موسم الحج اتجهت أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، واشتاقت قلوبهم إلى مهبط الوحي الذي عم البلاد، إلى الأرض التي جعلها الله مثابة للناس وأمنا.
فعلى بركة الله بدأت وفود الرحمن تؤم بيت الله العتيق، على بركة الله تسير قوافلهم يحذوها الشوق والإيمان لتحظى ببركات أداء فريضة الحج والطواف بالكعبة المشرفة، وزيارة مسجد الحبيب، صلى الله عليه وسلم، فإذا أكرمك الله بالوصول إلى تلك الربوع الطاهرة، وملأت عينيك من تلك الرياض على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فتأدب مع صاحبها، وتقدم لزيارته بلطف، وسلّم عليه حيث أمكنك السلام، واشتغل ما دمت هناك بفرضك الذي جئت من أجله، واعلم أن ركعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تساوي في الفضل ألف ركعة فيما سواه، فإذا ذهبت إلى مكة المشرفة وكنت في جوار الله وفي ضيافته فحيي بيته أولاً بالطواف، واستكثر من الصلوات بلا كلل، واعلم أن ركعة في بيت الله الحرام تساوي في الفضل مائة ألف ركعة فيما سواه، واخفض من صوتك، وأغضض من بصرك، وأحسن لمن أساء إليك، وكن كالنخلة يقذفها الناس بالحجارة وتلقي إليهم الرطب الجني، وإن استطعت أن تكون خادماً للضعفاء، وعوناً لذي الحاجة، فلا تبخل بما أعطاك الله من صحة ومال، فإنّ من أجل مناسك الحج التعاون على البر والتقوى، لذلك يجب عليك أخي الحاج التزود في رحلتك المباركة بالمال الحلال الطيب حتى يقبل الله حجك أو عمرتك لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)، “سورة البقرة، الآية 267”.
التلبية
ولما ورد في الحديث الشريف “الرجل يطيل السفر أشعت أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يُستجاب له”، (أخرجه مسلم)، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: “فإذا خرج الحاج حاجاً بنفقة طيبة، فنادى: لبيك اللهم لبيك … ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فنادى: لبيك ... ناداه منادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور”، (أخرجه الطبراني في الأوسط)، واعلم - أخي الحاج - أنك ستفتح مع الله صفحة جديدة، وسترجع بثوب ناصع أبيض، وبصحيفة بيضاء إن شاء الله، فلا تسودها بالمعاصي قبل رجوعك وكما جاء في الحديث “والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”، (أخرجه مسلم).
ويسعدني أن أبشر أحبائي من ضيوف الرحمن ببعض المناقب والفضائل التي اختص الله بها الحجاج الكرام ومنها:
الحج يهدم ما قبله:
عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: “لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضتُ يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلتُ: أردتُ أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟”، (أخرجه مسلم).
الحج جهاد:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة”، (أخرجه النسائي).
الحج من أفضل الأعمال عند الله عز وجل:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم-: “أي العمل أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حجٌ مبرورٌ”، (أخرجه الشيخان).
النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله:
عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: “النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ضعف”، (أخرجه أحمد بن حنبل).
الحاج مُعان:
عن أبي أمامة ووائلة بن الأسقع قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: “أربعة حق على الله عز وجل عونهم: الغازي، والمتزوج، والمكاتب، والحاج”، (كنز العمال عن الإمام أحمد).
الحاج مغفور له:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: “من حج فَلَمْ يَرْفُث، ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمه”، (أخرجه الشيخان).
يُغْفر لمن يَسْتغفر له الحاج:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: “اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج”، (أخرجه البيهقي والطبراني والحاكم).
الحاج يفرح بيوم عرفة:
عن عائشة - رضي الله عنها-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “ما مِنْ يوم أكثرَ مِنْ أنْ يَعْتقَ الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة”، (أخرجه مسلم).
الحاج من أهل الجنة:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنةُ”، (أخرجه الشيخان). لذلك يجب عليك أخي الحاج حتى يكون حجك مبروراً، وسعيك مشكوراً، وذنبك إن شاء الله مغفوراً، أن تتعلم كيفية الحج، وأن تسأل عن أمور دينك، امتثالاً لقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، “سورة النحل الآية (43)”، كما ويجب عليك أن تقتدي بحجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: (خذوا عني مناسككم)، “أخرجه البيهقي”.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بقلم الشيخ الدكتو / يوسف جمعة سلامة
خطيب المسجد الأقصى المبارك
ساحة النقاش