مص الإبهام من ردود فعل الرضيع اللاإرادية استجابة لمحفز لمس سقف فمه
مص الإبهام من العادات الشائعة التي يصعب على كثير من الأطفال الإقلاع عنها. ومع الإقرار بصعوبتها، يجمع أطباء الأطفال والخبراء التربويون على أن الطفل ينبغي ألا يُسمح له بعد سن معينة أن يستمر في مص إبهامه، وإذا أبى ذلك أو فشل فيه، فعلى أبويه ألا يقلقا، بل يتيحا للطفل الاختلاط بأقرانه، فذاك أفضل سبيل لجعله يتوقف عن هذه العادة لكونها تحرجه مع أقرانه أو تعرضه لسخريتهم.
يقوم كل رضيع بعفوية وتلقائية بمص إبهامه، ويعد هذا أولى ردود الفعل المنعكسة اللا إرادية والفورية التي يصدرها الرضيع استجابة لمحفز لمس سقف فمه. وهي عادة لا يحتكرها الإنسان، بل تملكها جميع الثدييات والكائنات الفقرية التي تتغدى صغارها على حليب الأم. ويظهر هذا الرد المنعكس أحياناً بينما يكون الرضيع لا يزال في رحم أمه. ونظراً لكون مص الإبهام يُدخل على النفس نوعاً من الراحة والهدوء، يكرر الطفل هذه العادة كلما انتابه شعور بالملل أو العياء أو القلق.
أوقات التدخل
يقلع بعض الأطفال أحياناً عن هذه العادة بأنفسهم ودون تدخل الأم أو الأهل، ويكون ذلك في الغالب خلال الفترة ما بين سنتين إلى أربع سنوات من أعمارهم. وفيما يخص الطفل الذي يلتحق بالروضة أو المدرسة وهو ما زال يمص إبهامه، فإنه يقطعها غالباً بسبب ضغط أقرانه وإحراجهم له أو سخريتهم منه. وقد يتوقف الطفل عن هذه العادة مؤقتاً ثم يرجع إليها عندما يشعر بالتوتر أو القلق، لكنه سيتركها حتماً إنْ كان اجتماعياً أكثر ويحب الاختلاط بأقرانه وملاعبتهم، وهذا حال معظم الأطفال.
وينصح أطباء الأطفال وخبراء علم النفس السلوكي الأمهات بأن يعرفن متى يتدخلن، ويدركن جيداً متى تصبح هذه العادة مبعثاً للقلق. وهم يعتبرون أنه لا داعي للقلق منها ما دام الرضيع لم يُخرج أسناناً بعد. أما إن واصل مص إبهامه بعد التسنين، فذلك قد يؤثر على سقف فمه وحنكه، كما قد يؤثر على مدى استواء واصطفاف أسنانه الجديدة، خصوصاً إذا كان الرضيع يمص إبهامه بعنف. ولتفادي الآثار السلبية لمص الإبهام، تُنصَح الأمهات بالتدخل في إحدى الحالات الآتية:
◆ إذا كان الطفل يمص إبهامه بعنف مراراً وتكراراً بعد تجاوز عمره 4 أو 5 سنوات.
◆ إذا تسبب المص في مشاكل في الفم والأسنان كأن تصبح أسنان الفك العلوي تنطبق على الشفة بدلاً من أسنان الفك السفلي.
◆ إذا واصل الطفل مص إبهامه على الرغم من شعوره بالإحراج والانزعاج من الأمر.
خطوات مدروسة
إذا أرادت الأم أن تتكلل جهودها في مساعدة ابنها عن الإقلاع عن هذه العادة بنجاح، يمكنها أن تلجأ لبعض الخطوات من بينها:
◆ عدم ترديد أي كلمات تصف فعل المص على مسامع الطفل. ففي بعض الحالات، يكون عدم إيلاء أهمية لمص الإبهام كافياً لجعل الطفل يتوقف عنه، خصوصاً إن كان الطفل يلجأ إلى هذه العادة للفت الانتباه.
◆ استخدام الدعم الإيجابي. وذلك عبر الثناء على الطفل ومنحه بعض المكافآت البسيطة كلما قلل من مص أصبعه أو توقف عنه نهائياً، وذلك من قبيل قص حكايات أكثر عليه قبل أن يخلد للنوم، أو اصطحابه للعب في الحديقة في غير يومي نهاية الأسبوع، أو المساح له بالتأخر عن النوم ربع ساعة، أو غيرها مما يجود به خيال الأم. كما يمكن للأم أن تضع بعض الملصقات الصغيرة على بطاقة التقويم المنزلية لتسجيل الأيام التي نجح فيها الطفل في عدم مص أصبعه ليلاً ونهاراً.
◆ التعرف إلى المسببات التي تقوده إلى هذه العادة. فإذا كان الطفل يلجأ لمص أصبعه استجابةً لإحساسه بالتوتر، فينبغي على الأم أن تتعرف إلى الشيء الذي يوتره، ثم تقدم له ما يخفف عنه بالمقابل ويمتص توتره وقلقه، مثل احتضانه أو تقبيله أو التربيت عليه بحنان، أو حتى الإفاضة عليه من فيوض كلمات الحب وعبارات الحنان. ويمكن للأم أيضاً أن تُقدم لطفلها بدائل أخرى لتخفيف توتره ككرة مص التوتر أو المخدة، أو حتى إحدى الدمى المحشوة التي لا تروقه.
◆ تذكيره برفق. فإذا كان الطفل يلجأ إلى مص إبهامه أو أحد أصابعه لاشعورياً، وليس رغبةً منه في لفت انتباه الأم أو المحيطين به، فيجب تذكيره برفق بالتوقف عن الأمر. ولا يليق بالأم بتاتاً أن توبخه أو تنتقده أو تسخر منه أو تُشنع فعلته، فرد فعلها هذا سيأتي بنتائج عكسية وسيجعل الطفل أكثر إصراراً على مص أصبعه دفاعاً عن كرامته وإمعاناً في إغاظة أمه. وحتى لا يتحسس الطفل من تنبيهه صراحة بالتوقف عن مص أصبعه أمام الآخرين، يُفضل للأم أن تبتكر لغة إشارة يفهمها الطفل لتذكيره بالتوقف عن مص أصبعه تجنباً لإحراجه وحرصاً على مشاعره.
جلسة نقاش
في حال كانت الأم قلقة بشأن أثر مص الإبهام على صحة أسنان طفلها، فما عليها إلا ترتيب زيارة لطبيب أسنان خاص بالأطفال. وبالنسبة لبعض الأطفال، تكون جلسة نقاش واحدة مع طبيب أطفال حول جدوى وأهمية الإقلاع عن مص الأصبع أكثر فعالية وإقناعاً للطفل مقارنة مع عشرات المرات من مطالبات الأبوين الطفل بالإقلاع عن عادته. وفي الحالات الصعبة التي يستفحل فيها وضع الطفل وتفشل معه كل المحاولات، يضطر طبيب الأسنان لتوصيف تثبيت بعض الأدوات الخاصة في فم الطفل حتى تحول دون مصه إبهامه.
ولا يليق بالأم في جميع الأحوال التفكير في توبيخ الطفل ومعايرته أمام إخوته أو أصدقائه، فالتحفيز الإيجابي يبقى دوماً أكثر فاعلية من الدفع السلبي.
وينصح الأطباء الأم أيضاً بتلافي استخدام بعض الطرق التقليدية القديمة لمنع الطفل عن مص أصبعه كتغطية إبهامه بمادة ما أو وضع الخل أو مادة مرة أو حارة عليه.
وبالنسبة لبعض الأطفال، يبقى مص الأصبع عادة يصعب جداً الإقلاع عنها، وطلسماً لا يفلح في فكه إلا أطفال آخرون في سنه. ويعترف كثير من الآباء أنهم حاروا في إقناع الطفل أو دفعه إلى الإقلاع عن هذه العادة، لكن حيرتهم سرعان ما تتلاشى بمجرد التحاق الطفل بحضانة أو روضة أو مدرسة، أو عند اختلاطه أكثر بأقرانه من أبناء الجيران أو أقارب العائلة. ومن ثم وجب على الآباء الاطمئنان إلى أن هذه العادة عابرة ولن تُلازم الطفل طويلاً ما دام غير مصاب بالتوحد أو الانطواء، كما يقول الأطباء.
هشام أحناش
ساحة النقاش