أبو همام السعدي


بسم الله الرحمن الرحيم


ذاكُمُ الفجرُ الباسمُ لن ينطمس، والحقُّ الواضح لن ينخلق، ومهما ازدادَ الأوباشُ من مناوشتِهِ فلن تطاله أيديهم أبدًا، ومهما حاول الأوخاش من خدشِهِ فلن تسلمَ أنفسهم من مُجاوزتنا..!

سلامةُ الحقِّ ووضوحه لا يضيرهُ كيدُ الأعداء، ولا مكرُ الأوغاد، فلا يجيشُ للكيدِ ولا المكر إلا الفاقد، وفاقدُ الشيءِ لا يعطيه..!

زيغُ الباطلِ وزيفه لن يلجَ إلاَّ ركبًا صعبًا، يوردُهُ الموارد، ويفضيهِ إلى المهالك، فما على متّبعِ الهدى خوفًا ولا ولجًا من سرابٍ لا ماءَ فيه ولا ثراء.!

ما تطاولتْه ألسنة البائسين، وأفعال الخائسين، من التعرُّض المقيتِ لسيدِ البرايا، وقائد السرايا، نبينا محمد -عليه أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم- إنما هيَ جنايةٌ على أنفسهم ومعتقدهم ومخططاتهم، فما ازدادوا يومًا من النيلِ في الإسلام إلا زادَ الإسلام شهرةً وقوة..!

لكل داءٍ دواء يستطبُّ به * إلاَّ الحماقة أعيت من يداويها


ولو كانت يد الباطل طائلة لمسحتْ نور الإسلام من يومِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لكم رسول مبين، وإني أنا النذير البشير)، فإذًا ثباتُهُ واستمساكُهُ مع –ولوج أعدائه لإزالة نورِهِ وكسفِ شمسه- أعظمُ دليلٍ أنه لا يزيدُ أذاهم سوى الخيرَ والهدى..!

وقد صرَّح الباري جل جلاله في كتابه العظيم حين قال {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)} وقال { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} .

الحقُّ أبلجَ لا تخفى معَالمه * كالشمس تظهرُ في نورٍ وإيلاجِ


* ألمْ يكن الإسلامُ قبل الهجرةِ ساكنًا ومتربصًا ومهيئًا، وحالُ أهلِهِ "ضعفاء، معذَّبون، مهزَّءون" حتى فتحَ الله على رسولهِ وأصحابه المدينة ثم مكة، وصارتِ الشوكةُ العليا للإسلام، ألم يقل أبو سفيان للعباسِ في فتحِ مكَّة (واللهِ يا أبا الفضل، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابن أخيك الْيَوْمَ عظيمًا) !
* ألمْ يضعفِ الإسلام يوم وفاةِ رسول الله، فكفر من كفر من العرب، حتى قيَّضَ الله لها أبا بكرٍ في حرب المرتدين، فأعزَّ الله بجنده الإسلام، وكانتْ كلمةُ الله هيَ العليا..!

* ألم تهتزَّ عروش الحقِّ والسنة يومَ محنةِ أحمد بن حنبل، فثبَّته الله وأيد قلبه لقولِ الحقِّ والثبات عليه..حتى عدَا عليُّ بن المدينيّ واصفا ثبات أحمد يقول: أيَّد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة ، وأحمد بن حنبل يوم المحنة..!

حشدٌ على الحقِّ عن قولِ الخنَا خُرُسٌ * وإن ألمَّت بهم مكروهة صبروا

يا رسولَ الله ، عذرًا فموتُكَ أقامتْ لنا كل ناعقٍ ، وشجَّت جروحًا في القلوبِ مكاثرُ .
يا رسول الله ، عذرًا فما حيلةُ المسكين إن اشتدت عليه الضراغمُ ، وما حيلةُ الأحياء إن ماتوا وما همُ .
يا رسول الله ، وعدٌ سينجلي للدجى كما النهار واضحُ ، دينٌ صريحٌ وقوةٌ للورى ثائرُ .

تَطَاوَلَ ليلي واعتَرتْني القــَوَارِعُ **** وَخَــطْبٌ جَلِيـلٌ للبَــلِيـــةِ جَــامـــِعُ
غداةَ نَعى النّــَاعي إلينـــا محمـداً ***** وتـلكَ التـي تَسْــتَكُّ منـها المسـامـعُ
فلو رَدَّ ميْــتاً قتلُ نفســي قتـــلتُها ***** وَلــكِنّــهُ لا يَـــدفعُ المـــوتَ دافـــعُ
فآليْتُ لا أثني على هُـلكِ هـــالكٍ ***** مـن النــاسِ، ما أوْفى ثَبـيـرٌ وفارعُ
ولكننـــي بــاكٍ علــيه وَمُتــْبــــِعٌ ***** مُصِيبـتَـــهُ إنــي إلــى اللهِ راجــعُ!


فإلى من يرى صمتَ الأراذلِ، وخرسَ الأكابر..
• صبرًا ، فإن النصرَ آتٍ ولو مرَّغ أماراته الغَمِشُ العَمِش..!
• صبرًا ، فإن العزَّ للدينِ قائمٌ ولو ترأسَ صوتَه كل ناعق وبائع..!


الصبرُ مثل اسمه مرٌ مَذَاقتُه * لكن عواقبه أحلى من العسلِ

إنَّ الدين قد اشتدتْ عُراه، وتأكدت قواه، واستحكمت براه حتى أُمن انفصالها، وظهرت كلمة التوحيد فذلَّت أعناق الناصبين لها، وحبطت البيضة فاتصلتِ السلامةُ لأهلها، ورسخت أقدام الهدى في غايات الثرى فلا طمع في انتزاعها، لسانُ حاله:

فلو كنتُ الحديد لكسَّروني * ولكنِّي أشد من الحديد


وأما الباطل فقد انحلتْ أطنابه، وتزعزعت دعائمه، ووهت حبائله، وغاض نهره، وأتى بنيانه من القواعد فخرَّت جدرانه من الصواعق.

إن البلاء وإن طال الزمان به * فالحقُّ يقطعُهُ أو سوف ينقطع


ولله الحمدُ والمنَّة ، وما النصرُ إلا بالله ، إليه الملجأ وهو المعين .

المصدر: صيد الفوائد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 80 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,307,981