لا تهدد الكآبة المراهقين والراشدين فقط، بل يمكنها أن تصيب الأطفال واليافعين أيضاً. وما أثقل وطأها على نفس الطفل أو اليافع عندما تصيبه. إذ تؤثر سلباً على كل مظهر من مظاهر حياته، وتطفئ نشاطه وتدفن حيويته، وتجعل الحزن يخيم عليه وعوده لا يزال غضاً طرياً، وعقله لم يدرك بعد معنى شيء اسمه "كآبة". ولتجنيب الأبوين أبناءهما صدمة الإصابة بالاكتئاب، ينبغي عليهما تقديم كل الدعم العاطفي اللازم، ومساعدتهم على حل أية مشكلة يواجهونها، واحتواء أي موقف قد يسبب لهم حرجاً.

كآبة الأطفال واليافعين أحد الأمراض التي يمكن أن ينجم عنها عواقب وخيمة على الصحة البدنية، وينتج عنها تحديات عاطفية قوية بعيدة المدى. وبالرغم من عدم وجود وسيلة مؤكدة أو مضمونة النجاح لوقاية الأطفال من الكآبة، فإن خبراء الصحة النفسية من عيادات “مايوكلينيك” الأميركية يقولون إنه بإمكان الآباء اتباع بعض الخطوات الاستباقية والوقائية لحماية فلذات أكبادهم من مكابدة تبعات هذا المرض في هذا الوقت المبكر من عمرهم.

دعم غير مشروط

 

يجمع معظم علماء النفس على أن قوة العلاقة بين الأبوين والأبناء من أفضل الوسائل لوقايتهم من الكآبة. ولبناء علاقة كهذه والحفاظ على متانتها وإيجابيتها، ينبغي للأبوين أن يقوما معاً أو بالتناوب، أو يقوم أحدهما أو كلاهما بخطوات من قبيل:

 

◆ تخصيص وقت محدد كل يوم للتحدث مع الأبناء.

◆ اكتشاف ما يثير كل واحد من الأبناء وما يقلقه.

◆ تشجيع الطفل منذ نعومة أظفاره على التعبير عن مشاعره بحرية وطلاقة.

◆ تقدير إنجازات الأبناء ومهاراتهم، والثناء عليها بإخلاص ودون تكلف أو تصنع. سواءً كانت في مجال الدراسة أو الموسيقى أو الرياضة أو العلاقة بالأصدقاء أو غيرها.

◆ تقديم تغذية راجعة إيجابية عند ملاحظة إتيان الابن أو البنت سلوكاً إيجابياً، أو عند تغيير سلوك ما من سلبي إلى إيجابي.

◆ الحرص على تناول الأبناء وجبتين على الأقل كل يوم مع آبائهما.

◆ الرد على غضب الابن أو البنت بهدوء، وتعليمهما أنه لا بأس في ذلك شرط التعبير عن أي شعور بطريقة مقبولة، ودون اللجوء إلى الصراخ أو إيذاء النفس أوالآخرين.

◆ في حال لم يجد الأبوان لدى الابن رغبة في الكلام، فيُنصحان بقضاء بعض الوقت بجانبه في غرفته، أو حيث يفضل أن يوجد شرط أن يقبل هو بذلك، فتعبير أحد الأبوين أو كليهما عن دعم الابن ولو بمجرد الرفقة يعني له الشيء الكثير.

النشاط الاجتماعي

تشجيع الطفل أو اليافع على قضاء وقت مع أصدقائه أمر ضروري لمساعدته على تفتيق ذكائه الاجتماعي وتنمية شخصيته، عبر مشاركة أقرانه فيما يمارسونه من أنشطة. فقضاء أوقات ممتعة مع الأصدقاء والمرور بتجارب مختلفة رفقتهم يعود بالنفع الكبير على الطفل واليافع. كما أن مشاركته في الرياضات الجماعية ككرة القدم أو اليد أو السلة تعينه على تقوية تقديره لذاته، وتوسيع شبكة الدعم الاجتماعي الخاصة به وتقويتها. ولكن يتعين على الأبوين في الوقت عينه ألا يغفلا عن الابن أو البنت، بل يتابعان أنشطتهما ويتعرفان على رفقائهما ولو عن بعد، وألا يرميا لهما الحبل على الغارب، لأن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية ويفضي بهما إلى عقد صداقات وخوض تجارب لا يكونان مستعدان لها بسبب صغر سنهما، ما قد يكون السبب في إصابتهما بالكآبة.

في الوقت نفسه ينبغي على الأبوين أن يحرصا على الإمساك بالعصا من الوسط، فلا يتركان الأبناء يشاهدون ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب، ولا يتسلطان عليهم في الوقت نفسه بأن يفرضا عليهم ما يشاهدونه أو ما يمارسونه من هوايات حديثة. ولكن على الآباء أن يحذرا من مشاهدة الأبناء تلك الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تصنع القدوة الخاطئة، أو تقدم نموذجاً غير سوي للأبناء، لأن مثل هذه المواد لها الكثير من الأضرار على شخصيات الأطفال واليافعين، وعلى أنماط تفكيرهم، وتكوين ذائقاتهم وتشكيل خياراتهم واتخاذ قراراتهم في الحياة لاحقاً. كما يتعين على الآباء عدم ترك الأبناء يرسمون عبر ما يتفرجون عليه أهدافاً خيالية عالية السقف أو صعبة المنال، لأن ذلك ببساطة سيشعرهم فيما بعد بالإحباط، وقد يُصيبهم بالكآبة. ومن الأشياء التي يجب على الآباء أن يمنعوا الأبناء عن مشاهدتها على شاشة التلفزيون والإنترنت أفلام الرعب والعنف. فهي تخلق لديهم مشاعر سلبية، وتجعلهم ينظرون إلى بعض موجودات العالم بخوف وفزع، ما يُقلل من شعورهم بالقدرة على العيش بسلام واقتحام مصاعب الحياة ومشاكلها بإقدام، ويؤثر سلباً على ثقتهم بالنفس.

رياضة ونوم

تعويد الأبناء على ممارسة الرياضة بانتظام من الأشياء التي تلعب دوراً كبيراً في تقليل مخاطر تعرض الأطفال واليافعين للكآبة والقلق، بصرف النظر عن مدة الممارسة اليومية، وبغض الطرف عن نوع الرياضة. فقد تكون جرياً أو سباحة أو مشياً أو قفزاً على الحبل، كما قد تكون حمل الأثقال أو تسلق المرتفعات أو لعب الكرة.

وإذا عود الطفل نفسه على ممارسة الرياضة، فإنه سيكون على الأرجح من النوع الذي ينعم بنوم هنيء كل ليلة، إذ إن الرياضة تساعد بقدر كبير على تحسين جودة النوم، والتمتع بقسط كاف من النوم كل يوم يفيد الطفل ويعزز شعوره بالرضا بدنياً وعاطفياً. وقد أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن الأطفال الذين يرغمهم آباؤهم على النوم في الساعة العاشرة مساءً أو قبل ذلك كل ليلة، أقل عرضة للإصابة بالكآبة في مرحلة اليفاعة والمراهقة، مقارنة بأقرانهم ممن لا يخلدون إلى النوم إلا عند منتصف الليل أو بعده. وسجلت هذه الدراسة أيضاً أن منافع النوم المبكر لدى الأطفال متعددة، ومن بينها تنظيم ساعتهم البيولوجية، وتقليل مشاهدتهم للتلفزيون وشاشات ألعاب الفيديو، أو شاشات حواسيبهم الشخصية أو أجهزتهم الذكية.

وفي حال فشل الأبوان في تعويد أبنائهما على النوم مبكراً، فليعلما أن قلة النوم وضعف جودته من أبرز مسببات الكآبة بإجماع اختصاصيي اضطرابات النوم وعلماء النفس، هذا ناهيك عن كون الأرق هو أحد أعراض الكآبة الشائعة.

العلاج النفسي

يجد بعض الآباء أن الوقت قد فات للتدخل المبكر لمنع إصابة أبنائهم بالكآبة، إما بسبب انشغالهم عن أبنائهم بسبب كثرة ساعات العمل أو غيره من الأسباب. ويمكنهم في هذه الحال استشارة اختصاصي نفساني بشأن تزويدهم بأحد البرامج الأسرية لوقاية الأبناء من الكآبة. وتستخدم هذه البرامج بعض العلاجات السلوكية والإدراكية في التعامل مع الأطفال لمساعدتهم على اتقاء الكآبة، أو علاج مسبباتها أو أعراضها المبكرة. وخلال فترة العلاج، يمكن للمعالج أن يذهب بعيداً على مستوى مساعدة الطفل والأبوين على معرفة وسائل الوقاية من الكآبة وعلاجها، وذلك عبر الفهم التام لمعنى الكآبة، وتطوير مهارات التعامل مع القلق والتوتر بشكل إيجابي، وتعلم كيفية التواصل مع الآخرين على نحو أكثر فعالية، وإدراك الآثار المحتملة للتوتر والكآبة على حياة الإنسان. وقد طور علماء النفس تشكيلة واسعة من برامج الوقاية من الكآبة وعلاجها، ما منح الآباء حرية أكثر في اختيار البرامج الأنسب لأطفالهم، في حال احتاجوا إليها طبعاً.

هشام أحناش

 

 

المصدر: “mayoclinic.com”

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,280,441