من سنن العرب أيضاً تذكير المؤنث وتأنيث المذكر، وقال عز وجل: "وقال نسوة في المدينة"، وقال تعالى: "قالت الأعراب آمنا". ومن سنن العرب تركُ حكم ظاهر اللفظ وحَمْله على معناه كما يقولون ثلاثة أنفس، والنفس مؤنثة، إنما حملوا على معنى الإنسان أو معنى الشخص، قال الشاعر:

وقال عمر بن أبي ربيعة:

فكان مجني دون ما كنتُ أتقي ثـلاث شخوص كاعبانِ ومُعْصِرُ

فحمل ذلك على أنهن نساء.

وقوله عز وجل: "وأحيينا به بلدة ميتاً". ولم يقل ميتة لأنه حمله على المكان، وقوله تعالى: "السماء منفطرٌ، فذكّر السماء وهي مؤنثة لأنه أراد السقف.

ورجع فلان من سفره: وآب، وقفل، وعاد.

الفِلْذة: القِطْعة من الكَبِد، والجمع فِلْذ.

تكفيه حُزَّةُ فِلْذٍ إنْ ألَمّ بها من الشِّواء ويُروي شُربَه الغُمَرُ

فالقِطْعة من المال فِلْذةٌ أيضاً. يقال فَلَذْتُ له من مالي، أي قطعت له فِلْذَةً منه.

فلذ له من المال يَفْلِذُ فَلْذاً: أعطاه منه دَفْعَة، وقيل: قطع له منه، وقيل: هو العطاء بلا تأخير ولا عِدَة، وقيل: هو أن يكثر له من العطاء. وافْتَلَذْتُ له قطعة من المال افتلاذاً إِذا اقتطعته.

وافتلذته المال أي أخذت من ماله فِلْذَةً؛

قال كثير:

إذا المال لم يُوجِبْ عليك عطـاءَه

صنيعةُ قربـــى، أو صديقٍ تُوَامِقُـه

منَعْتَ، وبعضُ المنعِ حَزمٌ وقـــوة

ولم يَفْتَلِذْكَ المالَ إلا حقائِقُــــــه

والفِلّذَةُ القطعة من الكبد واللحم والمال والذهب والفضة.

وفي الحديث: أن فتى من الأنصار دخلتْهُ خَشْيةٌ من النار فحبسَتْهُ في البيت حتى مات، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إن الفَرَقَ من النار فَلَذَ كَبِدَه أي خَوفَ النار قطع كبده.

وفي الحديث في أشراط الساعة: وتقيء الأرض أفْلاذَ كبدها، وفي رواية: تلقي الأرض بأفلاذها، وفي رواية: بأفلاذ كبدها أي بكنوزها وأموالها. وسمي ما في الأَرض قطعاً تشبيهاً وتمثيلاً وخص الكبد لأنها من أطايب الذبيحة، وفي حديث بدر: هذه مكة قد رمتكم بأفلاذ كبدها؛ أراد صميم قريش ولُبابَها وأشرافها، كما يقال: فلان قَلْبُ عشيرته لأن الكبد من أشرف الأعضاء. ويقال: فَلّذْتُ اللحم تفليذا إذا قطعته.

أبو القاسم الشابي:

يا موتُ! قد مزَّقتَ صدري وقصمْتَ بالأرزاءِ ظَهْري

ورميْتَني من حَالــقٍ وسخـــــرتَ منِّي أيَّ سُخـــــــْرِ

فَلَبِثْتُ مـــرضوضَ الفؤادِ أَجُـــــرُّ أجنحتي بِذُعـــــْرِ

وَقَسَوْتَ إذ أبقيتني في الكَــــــوْن أذْرَعُ كُـــــلَّ وَعْرِ

وفجعتني فيمَن أحــــبُّ ومــــنْ إليه أبُثّ ســـــرّي

وَأَعُدُّهُ، فَجْرِي الجميلَ، إذا ادْلَهـــــَمَّ عليَّ دَهــــْرِي