جانب من مضيق البوسفور

تحتضن إسطنبول قارتي آسيا وأوروبا وتجمع بين عبق التاريخ وسحر الجغرافيا، لذا تجتذب ملايين الزوار سنويا من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بموقعها الفريد وتاريخها العريق. حيث تتنافس المساجد والكنائس والمتاحف والقصور لتروي تاريخ المدينة العريق للزائرين، الذين يستمتعون أيضا بالحدائق الجميلة والأسواق القديمة والحديثة والجسور المعلقة. هذه المزايا التي تحظى بها اسطنبول نجدها في عدد من المدن التركية الأخرى، مما أهل تركيا لاجتذاب أكثر من 31٫4 مليون سائح العام الماضي، ومن المتوقع ان يرتفع هذا العام إلى 32 مليون سائح بحسب باشاران اولوصوي رئيس اتحاد الوكالات السياحية التركية. وأشار “أولوصوي” في تقرير بثته وكالة الأناضول للأنباء إلى أن بلاده مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية الحديثة تهدف لأن تكون من بين أول خمس دول من ناحية عدد الزائرين لها والعائد السياحي.

محمد يونس - تتميز اسطنبول بمسجدها ومتاحفها المتنوعة فهي متحف الحضارات الإنسانية وموطن الدولة الإسلامية بجوامعها وقصورها وتراثها الممتد لأعماق التاريخ حيث كانت تلك المدينة عاصمة لثلاث إمبراطوريات هي الرومانية، والبيزنطية، والعثمانية ما يجعلها تحتضن تراثا فريدا ومتنوعا.

وعلى ضفاف إسطنبول تشمخ القصور، والمساجد، والجوامع، والكنائس التي لا نظير لها على وجه الأرض، بما تتمتع به من إبداع هندسي تاريخي فريد.كما تجمع المدينة أسواقا عريقة كسوق التوابل والسوق المصري بمنطقة امينينو وسوق (محمود باشا ) الذي تم تشييده عام 1660 و يقال إنه عرف الموضة منذ اكثر من خمسمائة عام . و تجمع أسواقا حديثة ومراكز تجارية كتلك التي تعج بها منطقة تقسيم، فضلا عن (غراند بازار) الذي يضم حوالي 4400 متجر لشتى انواع الملابس والمنتجات الجلدية والسجاد والهدايا المصنوعة يدويا في تركيا .

 

ورثت هذه المدينة من تركيا ما حظيت به من جمال الجغرافيا وعظمة التاريخ ، حيث أغدقت عليها أقدار الجغرافيا لتجعلها تجمع بين سحر قارتي أوروبا وأسيا عبر مضيق البسفور الأنيق الذي لا يفوت الزائر ان يستمع بجولة فيه .

 

أما عطاء التاريخ هنا فلا ينضب لدرجة أنك تجد وراء كل حجر في أي مبنى، حكاية وقصة من العصور الماضية بمراحلها المختلفة .

تمتاز مساجد اسطنبول بمآذنها الرشيقة العالية وقبابها الفخمة الواسعة، والملاحق والساحات التابعة له مما يأخذ بألباب الناظرين من ناحية ويشهد ببراعة المعماريين المسلمين من ناحية أخرى. ويحتاج إبراز المعالم التاريخية في المدينة إلى مساحات واسعة للتعرف على المساجد والكنائس والمتاحف التي تكتظ بها اسطنبول، ولكن سنتوقف عند أبرز هذه المعالم التي تجتذب السياح من مختلف أنحاء العالم.

جامع السلطان أحمد

إذا كانت اسطنبول تفخر ـ قبل الفتح الإسلامي لها على يد السلطان محمد الفاتح ـ بأعظم كنيسة على الأرض، وهي كنيسة آيا صوفيا ( بنيت عام 537 م) في عهد الامبراطور جوستيان، بعد أن جمع لها ورثة الامبراطورية الرومانية كبار المعماريين ، وأنفق عليها 360 مليون فرنك ذهبي واستخدم فيها 10آلاف عامل، فإن الخلفاء العثمانيين قدموا للتاريخ معالم أخرى على أرض اسطنبول أعظم وأبقى من آيا صوفيا، ومنها مسجد السلطان أحمد، ومسجد السليمانية، ومسجد الفاتح وغيرها من آثار مدهشة باهرة فاقت آيا صوفيا سعة ورقة ودقة وزخرفة وفنا، ونعرض لمثال من هذه المساجد هو الأبرز في المعالم السياحية باسطنبول وهو (الجامع الأزرق) الذي أمر ببنائه السلطان أحمد الأول (1603 ـ 1617 م) سمي باسمه واستمر العمل في بنائه سبع سنين ليفتتح عام 1616م، قبيل وفاة السلطان أحمد بعام واحد. يعتبر هذا الجامع معلماً من معالم العمارة الإسلامية، يلوح في الأفق بمآذنه الرشيقة للناظرين من بعيد، خاصة القادمين على سطح بحر مرمرة أو مضيق البوسفور كأوسع مجمعات اسطنبول الإسلامية، وأرحب ما انشئ من المساجد السلطانية وأكثرها مآذنا.

وتحيط بالمسجد أبنية ملحقة به، منها مدرسه للتعليم الإبتدائي (الأولي) ومستشفى ، وسوق وقسيارية، ودارٌ للمرق ( أي مطعماً) للفقراء، وسبيلُ ماء ، ومحال تدرّ ريعا ومورداً مالياً للمسجد، ويحتوي ضريح السلطان أحمد، وتحيط بالجامع حديقة غناء تغمر أرضها الخضرة وتظللها الأشجار الباسقة وتزينها الورود الملونة.

وترتفع وسط قاعة الصلاة بالجامع القبة الفخمة التي أراد لها السلطان أحمد أن تزيد على قبة آيا صوفيا فبلغ قطرها 33.5 متر. بزيادة عليها قدرها متران ونصف تقريباً و ترتفع 43 متراً على أربعة قناطر (عقود) كبيرة تتكئ على أربعة أكتاف ضخمة يطلقون عليها اسم (أرجل الفيل) يبلغ قطر الواحدة منها خمسة أمتار، وتلتف حولها جدران المسجد.

ويحف بالقبة الكبيرة أربع أنصاف قباب، وقد أضفى استخدام أنصاف القباب حول القبة الكبرى على داخل المبنى احساساً بالانطلاق والإنسيابية . و يقع المسجد جنوبي آيا صوفيا وشرق ميدان السباق البيزنطي القديم. وله سور مرتفع يحيط به من ثلاث جهات، ويتضمن السور خمسة أبواب، ثلاثة منها تؤدي إلى صحن المسجد واثنان إلى قاعة الصلاة. ويتكون صحن المسجد من فناء كبير، ويتوسط الصحن ميضأة سداسية محمولة على ستة أعمدة. ويعلو المسجد ست مآذن لاقت صعوبات في تشييدها، إذ كان المسجد الحرام يحتوي على ست مآذن ولاقى السلطان أحمد نقدا كبيرا على فكرة المآذن الست، لكنه تغلب على هذه المشكلة بتمويل بناء المئذنة السابعة في المسجد الحرام ليكون مسجده الوحيد في تركيا الذي يحوي ست مآذن وفي الوقت نفسه عددها اقل من مآذن المسجد الحرام بعد أن أضاف إليه السلطان أحمد مأذنة سابعة.

آيا صوفيا

أما ثاني ابرز معالم اسطنبول، فهي “آيا صوفيا” وتعني (الحكمة المقدسة) وهي كاتدرائية سابقة تحولت الى مسجد ثم الى متحف متحف يجمع أبرز خصائص على العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية. ويعتبر المتحف إحدى العجائب المعمارية على مر العصور بسبب القبة الضخمة التي يبلغ ارتفاعها 55 متراً وقطرها 31 متراً وبها زخارف بيزنطية من الفسيفساء، وقد دمرتها الزلازل عدة مرات وأعيد ترميمها، وتبلغ مساحته حوالي 5544 متراً مربعا. وتعتبر آيا صوفيا قمة المعمار البيزنطى في مجال البازيليكات. فالكنيسة مستطيلة الشكل على الطراز البازيليكى ، ترسو فوق الصالة الرئيسية القبة الضخمة. وتستند القبة من الشرق والغرب على انصاف قباب ضخمة وترسو بدورها على عقود ودعامات سفلية.

وتم تغطية القبة من الداخل بطبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية، وتفتح في اسفلها النوافذ للاضاءة.

ويوجد بالفناء درج يؤدى إلى الطابق العلوي المخصص للسيدات، وأضيف لهذا المركز الدينى بعد ذلك مجموعة من المبانى الدينية الملحقة به والتي كانت تتصل بطريقة ما بالمبنى الرئيسى، فنجد مجموعة من الكنائس الصغيرة التي تحيط بالمبنى والعديد من الحجرات سواء كانت لرجال الدين أو لخدمة أغراض الصلاة. كما أضيف إلى مبنى الكنيسة الأول أربع منارات في أزمنة مختلفة. ظلت الكنيسة على هذا النحو لمدة 916 عاما إلى أن قدم المسلمون الأتراك بقيادة محمد الفاتح وحولوها إلى جامع عند فتح اسطنبول في عام 1453م.

ولكن بعد انهيار الخلافة العثمانية وقيام دولة تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك صدر قرار في عام 1935م بتحويل هذا الجامع إلى متحف، وأصبحت مزارا للسياح من شتى أنحاء العالم.

وفقد الجامع طابعه الديني الذي استمر عليه لمدة تزيد على أربعة قرون. وقد تحركت جهود حثيثة لإعادة الصلاة في هذا الجامع واستمرت هذه الجهود حتى تم رفع الاذان في جامع آيا صوفيا لأول مرة بعد مرور 78 سنة على تحويله الى متحف، وذلك يوم 29 مايو الماضي في ذكرى فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح .

طوبقابي (الباب العالي)

يعتبر قصر طوبقابي من اشهر معالم إسطنبول واكتسب مكانة تاريخية كونه مركز الحكـم في الدولة العـثمانية على مدار أربعة قرون من تاريخها الممتد 600 عام حيث كان المركز الإداري لها ( 1465- 1853م) فهو القصر الذي عاش فيها السـلاطين العثمانيون. وكان يقيم فيه عبر العصور ما يقرب من 4,000 شخص. وتبلغ مساحة القصر 80,000 متر. تم بناء قصر طوبقابـى بأمر من السلطان محمد الفاتح في 1478م على ربوة في تقع بين بحر مرمرة وبوغاز إسطنبول والخليج. يحده من الناحية البرية سور “سلطانى “ الذي بناه السلطان محمد الفاتح، ومن الناحية البحرية “الأسوار البيزانطية” التي تفصله عن المدينة.

واستمر القصر مركزاً إدارياً للدولة العثمانية ما يقرب من 380 عاماً حتى قام السلطان عبد المجيد ببناء قصر”دولمه باغجة”, الذي أصبح إقامة رسمية للسلاطين العثمانين.

إلا أن طوبقابـى سراى” ظل محتفظا بأهميته على مدار العصور حتى بعدما ترك السلاطين العثمانيين الإقامة فيه. فالزيارة التى كان السلطان يقوم بها وعائلته في شهر رمضان من كل عام للقصر، دفعت مصلحة الأمانات المقدسة للاهتمام به وعمل صيانة سنوية له.

وتم افتتاح قصر طوبقابـى سراى للمرة الأول كمتحف في عصر عبد المجيد، حيث عرضت المقتنيات الموجودة في خزينة القصر على السفير البريطاني. وصار من المعتاد عرض مقتنيات القصر على الأجانب. وقد افتتح القصر لزيارة العامة في 3 أبريل 1924م، بأمر من مصطفى كمال أتاتورك .

ويعتبر طوب قابى على رأس الآثار التاريخية التى تضم نصف تاريخ إسطنبول، و أدرجته أن اليونسكو في قائمة الآثار العالمية.

ويضم مجموعة من المباني التي تربطها أفنية وممرات حركة ومناطق خضراء، وللقصر مدخل رئيسي يتكون من دعامتين عاليتين تشبهان المنارة تدعى (باب المدفع) بارتفاع 15,2 متر وبعرض 15,5 متر، بين القرن الذهبي وبحر مرمره.

ويتكون هذا القصر من عدة أجنحة تخدم فعاليات مختلفة، منها جناح العهد، وجناح والدة السلطان، وديوان السلطان ووزرائه، وكذلك جناح لكل زوجة من زوجات السلطان، إضافة إلى متحف للهدايا التي تهدى إلى السلطان، وساحة للاحتفالات، وأجنحة الحراس والخدم .

ويحتوى على مجموعة كبيرة من الآثار الخزف والأثواب والأسلحة وصور السلاطين العثمانيين والمخطوطات والمجوهرات والكنوز العثمانية بالإضافة إلى عروش السلاطين.

غرفة الأمانات المقدسة

وتوجد بالقصر غرفة الأمانات المقدسة التي نقلت من مصر عند فتحها وتوجد بها آثار الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم، وتضم سيفهُ وعصاتهُ وجزءً من شعرهِ وإحدى خطاباته بالإضافة إلى سيوف الصحابة ومفاتيح الكعبة.

ويتميز القصر بفناء كبير كان بمثابة مركز للتواصل مع الشعب في أيام معينة، وكان يستخدم في نفس الوقت لمرور المواكب المهمة من مواكب السفراء. الي جاب هذا القصر هناك العديد من القصور الأخرى التي تحتوي كنوزا أثرية مثل قصر يلدز، أو قصر كوك صو، قصر بيلاربي، أو قصر إينالي قاواك، أو مصلاك، إهلامو.

كما تتضمن المدينة العديد من المتاحف مثل متحف السيراميك في مبنى جينلي كوشك، ومتحف الفن التركي الإسلامي، ومتحف السجاد التركي ومتحف الموزاييك، ومتحف كاريا، والمتحف الحربي، والمتحف البحري.

مضيق البوسفور

تعتبر الجولة في مضيق البوسفور متعة فريدة لزوار مدينة إسطنبول حيث يرى المتجول في هذا المضيق جانبي المدينة الأوروبي والأسيوي ويستمع في هذه الجولة بالجو الأسطوري الذي يجمع بين الماء والخضرة على جانبي البوسفور والشكل الحسن الذي تظهر به القصور والمباني العثماني العتيقة إلى جوار النوادي والمطاعم الحديثة الفخمة على ضفاف المضيق والتي تحيطها الأشجار الوارفة. ويتزين مضيق البوسفور بالعديد من السفن السياحية الأنيقة التي تحمل الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بالجولات البحرية بين ضفافه الساحرة.

ويعد الجسر المعلق أحد أبرز معالم إسطنبول الحديثة وهو يربط بين جزأي المدينة الأوروبي والآسيوي فوق مضيق البوسفور، وأقيم في 1973م وهو رابع جسر في العالم من حيث الطول (1500م) وارتفاعه 65 مترا وعرضه 33 مترا، وتتلألأ أنواره ليلا لتضيء سماء المساحات الزرقاء من مياه البوسفور.

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,280,550