"كردستان سوريا" تدفع ضريبة "الشقيق الأصغر" لأكراد العالم

"يا حيف.. أصبحنا نسمع بمعتقلين أكراد بيد الأكراد".. هكذا علق أحد الناشطين على الاضطرابات التي سادت مدينة عامودا ليلة السبت 1 سبتمبر/أيلول 2012، إثر اعتقال 5 ناشطين على حاجز تابع لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، قرب الحدود السورية-التركية.

حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتزعمه صالح مسلم، وله علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني PKK الذي يخوض حربا ضارية ضد تركيا منذ نحو 30 عاما راح ضحيتها نحو 40 ألف شخص، نشر على موقعه الرسمي أن المعتقلين كانوا يحملون "جوازات سفر تركية.. ووثائق غير رسمية مشبوهة"، في إشارة إلى "علاقتهم بتركيا" التي يعتبرها PKK عدوا لهم.

الاعتقال أدى إلى مواجهات بين أنصار الحزب وأعضاء التنسيقيات في عامودا، وتبادل الطرفان إطلاق النار وجرح شخصين بعد رفع شعارات تدعو الجيش السوري الحر للتدخل في المناطق الكردية وشعارات مضادة تؤكد أن الميليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي هي الوحيدة المسموح لها بالتواجد في المناطق الكردية.

أحداث عامودا تشير إلى حالة الاحتقان التي تسود الشارع الكردي في شمال شرق سوريا، بعدما تولى الحزب الكردي الاتحاد الديمقراطي، الفصيل الكردي الأكثر تسليحا في سوريا، مهمة ملء فراغ السلطة في بلدات انسحبت منها السلطات السورية.

وفي أوائل أغسطس/آب، سيطر أنصار PYD، الفصيل الأكثر قوة، بالتعاون مع الأحزاب السياسية الكردية الأكثر ضعفا، على كامل أجهزة الدولة السورية في مناطق ذات غالبية كردية، فقد استولت على المباني الحكومية والبلديات وكافة مرافق البنية التحتية الحيوية، إضافة إلى تولي مهمة "توفير الأمن" للسكان، والسيطرة على توزيع الموارد الذي فجر أكثر من أزمة بين الاتحاد الديمقراطي من جهة والأحزاب الكردية والأكراد من جهة أخرى.

مواجهة كردية - كردية

ويطرح هذا الاحتقان تساؤلات في الشارع الكردي حول مسقبل المنطقة الكردية في مرحلة ما بعد الأسد. ما مصير الصراع الكردي-الكردي؟ ومن الذي سيتحكم بالمنطقة الكردية؟ PYD هل الأحزاب السياسية الكردية أم شباب التنسيقيات؟ وهل سيقبل الجيش الحر والمعارضة السورية بمنطقة شبه مستقلة في شمال شرق سوريا؟

يرى الكاتب الكردي حسين جلبي أن بروز الصراع الكردي الكردي إلى السطح علامة على "صحة المجتمع الكردي"، الذي يخوض "ربيعه الثاني في مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي"، على اعتبار أن ربيعه الأول بدأ مع انضمامه إلى الثورة السورية.

واستبعد جلبي أن تتطور الأحداث إلى مواجهات شاملة بين الأطراف الكردية، معتبرا أن ما يجري عبارة عن "استعراض للقوة بين الطرفين"، والمنتصر في النهاية "لن يكون الطرف الذي يملك أسلحة أكثر"، في إشارة إلى أنصار PYD المسلحين.

وأكد جلبي أن قوى الثورة الشبابية في المنطقة الكردية ستكون المنتصر في نهاية المطاف، وأوضح قائلا أن "وجود PYD مرتبط بوجود النظام السوري" فعندما ينتهي النظام سينتهون أيضا.

انقسام الأكراد

إلا أن الصحافي الكردي سيروان حاج بركو، يرى أن المنطقة الكردية ستشهد مواجهات واسعة بعد سقوط الأسد، شأنها شأن بقية المناطق السورية.

وقال إن "احتمالات إقامة دولة مستقلة في كردستان سوريا لا تزال غير واردة، إلا أنه من المرجح أن يكون الحكم الذاتي للمناطق الكردية أحد نتائج الصراع الدائر في سوريا".

ويرى محللون أن آثار ذلك ستتجاوز الحدود السورية بحكم أن الحكومات المختلفة والجهات الفاعلة من غير الدول لها مصالح قوية ومتضاربة في كثير من الأحيان، تجاه المصير السياسي لأكراد سوريا.

ولا يزال الأكراد السوريون منقسمين حيال الثورة السورية. فعلى الرغم من أنهم لا يحبون بشار الأسد، فإن المعارضة السورية فشلت في حشد دعم كافة الأطراف الكردية لهم. فجماعة الإخوان المسلمين التي تتولى عددا كبيرا من المقاعد داخل المجلس الوطني السوري، لا تحظى بشعبية بين القوميين الأكراد الذين يعدون علمانيين بأغلبية ساحقة. بينما العلمانيون العرب داخل المجلس ومن خلال معارضتهم للحكم الذاتي للمناطق الكردية وإصرارهم على التسمية الرسمية لسوريا بـ"الجمهورية العربية السورية"، لم يتمكنوا من كسب ثقة الأكراد.

وترى أطراف كردية أن دعم النظام قد يعرضهم لمخاطر المواجهة مع مسلحي المعارضة في حقبة ما بعد الأسد. وأن انضمامهم إلى صفوف المعارضة المسلحة قد يعرضهم لمخاطر القمع الوحشي على يد النظام إذا استمر الأسد في سدة الحكم. وبدلا من اختيار أحد الطرفين، فر العديد من الأكراد السوريين إلى كردستان العراق مع نية العودة إلى وطنهم عندما تكون الظروف أكثر أمانا.

وبينما يشعر العراق وتركيا وإيران بقلق تجاه منح أكراد سوريا استقلالية أكبر، ويعود قلقهم بشكل أساسي إلى أن المشكلة الكردية لا تزال فاعلة داخل بلدانهم، تنظر حكومة إقليم كردستان في شمال العراق، وحزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا، بعين الرضى إلى إقليم كردي يتمتع بحكم شبه ذاتي في سوريا.

PYD أم PKK

منذ الستينيات، هُمّش الأكراد في سوريا وعانوا من القوانيين التمييزية بحقهم. في عام 1962، أجري التعداد السكاني الذي سحب الجنسية السورية من نحو 120 ألف كردي. وبعد أن استلم حافظ الأسد السلطة في سوريا، جرى تعريب المناطق الكردية بتوطين قبائل عربية في مناطقهم. وقبل سنوات، فتحت قوات الأمن السورية النار على المتظاهرين الأكراد أثناء احتجاجهم سلميا على عدم المساواة بين العرب والأكراد في سوريا. ولا يزال أكراد سوريا يواجهون، وفقا لمنظمة العفو الدولية، "التمييز بسبب الهوية، بما في ذلك القيود على استخدام اللغة والثقافة". 

وحرم الآلاف منهم من "المساواة في الحصول على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، إلا أن عذابات الأكراد السوريين لم تشفع لهم في محنتهم الحالية، أمام تطلعات PKK إلى كردستان تركيا، قلب الأمة الكردية، بحسب وجهة نظرهم.

ويرى محللون أن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني PKK، وأن الحزبين يسعيان للسيطرة على كردستان سوريا "والتضحية بها" إذا تطلب الأمر، في سبيل كردستان تركيا، "منبع الثقافة الكردية والعمق الاستراتيجي لكردستان الكبرى".

ويواجه PYD اتهامات بالتحالف مع نظام الأسد. وعلى الرغم من أن PYD يدعي أنه يعارض حكم الأسد، فإنه يفضل الحوار مع النظام ويدعم تجريد المعارضة عسكريا. ويعارض الحزب أي تدخل أجنبي في سوريا، والتقى، بحكم كونه عضوا في هيئة التنسيق الوطنية، مع الدبلوماسيين الروس والإيرانيين والصينيين الذين يقدمون أسلحة للنظام السوري طوال فترة الصراع.

وينظر الحزب بعين الشك إلى علاقة تركيا مع المجلس الوطني السوري الذي يتخذ من اسطنبول مقرا له. وينظر الكثير من الأكراد السوريين إلى المجلس الوطني السوري باعتباره دمية بيد الأتراك.

كردستان سوريا.. ضريبة الشقيق الأصغر

وتقلق فكرة وجود دولة كردية تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال سوريا، تركيا لسببين رئيسيين. الأول، تخشى أنقرة من أن حزب العمال الكردستاني PKK سوف يحصل على ملاذ آمن في كردستان سوريا -الشقيق الأصغر لأكراد العالم، الأمر الذي يمكنه من شن هجمات ضد تركيا من داخل الأراضي السورية.

وفضلا عن ذلك، تشعر الحكومة التركية أن منح أكراد سوريا حكما ذاتيا سيشكل عامل ضغط على 14 مليون كردي في تركيا للمطالبة هم أيضا بحكم ذاتي في مناطقهم. ووفقا للقوميين الأتراك، فإن الآثار المترتبة على هذه القضية الحساسة تهدد بتقويض سلامة الجمهورية التركية، مما قد يؤدي إلى تشكيل دولة كردية مستقلة في جنوب شرق تركيا.

وهدد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن "تركيا قادرة على ممارسة حقها في ملاحقة حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي السورية إذا لزم الأمر". 

وتكهن العديد من التقارير في وسائل الإعلام التركية بأن أنقرة تدرس حملة عسكرية في شمال سوريا لإنشاء "منطقة عازلة"، حيث يمكن للجيش التركي هزيمة المسلحين الأكراد وإنشاء منطقة آمنة للجيش السوري الحر لمواصلة شن الحرب ضد نظام الأسد.

ومما لا شك فيه فإن حزب العمال الكردستاني أكثر المستفيدين من حكم ذاتي في المناطق الكردية شمال سوريا. فـPYD، الذي أسس عام 2003، لديه علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني PKK. وحذر PKK أنه إذا دخل الجيش التركي في كردستان سوريا لملاحقة المقاتلين الأكراد وحزب العمال الكردستاني فإن "كردستان كلها ستتحول إلى منطقة حرب".

كردستان العراق.. الشقيق الأوسط

ولا تقتصر ضريبة الأكراد السوريين على يد أكراد تركيا فقط، فمسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، يجد هو أيضا في كردستان سوريا معينا له في صراعه مع حكومة نوري المالكي في بغداد.

ويرى المحللون أن مواجهات تلوح في الأفق بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بسبب التوترات بينهما حول ملكية النفط في كركوك، وبيع واشنطن لطائرات F-16 لبغداد، وخلافات تتعلق بالحدود. وسيضعف موقف بغداد في مواجهة كردستان العراق، إذا تمكنت حكومة مسعود بارزاني من كسب حليف جديد في كردستان سوريا إذا تمكن الأكراد من تحقيق حكم ذاتي بعد سقوط الأسد. وأكد بارزاني أن حكومته تقوم بتدريب اللاجئين الأكراد السوريين في شمال العراق.

ويرى المحلل جورجيو كافييرو في مقال نشره في "فورين بوليسي"، أن العلاقة الثلاثية بين حكومة إقليم كردستان ووسط العراق السني وتركيا، تحد من قدرة بارزاني على دعم أكراد سوريا في سعيهم لمنطقة حكم ذاتي. فقط بلغ حجم التجارة بين تركيا وحكومة إقليم كردستان 4.5 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2012.

لذلك، بحسب كافييرو، فإن استعداء تركيا ستكلف نتائج اقتصادية كبيرة على حكومة بارزاني.

ويستنتج أنه "مثلما مهدت حربا الخليج عام 1991 و 2003، الطريق لقيام دولة كردية تتمتع بحكم شبه مستقل على الحدود التركية مع العراق، فمن المرجح أن "الربيع العربي" سينشئ إقليما آخر على طول الحدود مع سوريا. ورغم أن الحكومة التركية قد قررت أن إسقاط الأسد سيكون لصالحها، قد تضطر أنقرة إلى تقبل كردستان سوريا ملاذا آمنا لحزب العمال الكردستاني على طول الحدود السورية كضريبة على دورها في عسكرة الصراع في سوريا".

المصدر: العربية.نت - رشاد عبدالقادر

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,308,006