من سوء الأدب مع الآخرين أن يسأل الإنسان سؤالاً، وعندما يجيب الشخص المسؤول يدير السائل وجهه عن المجيب، متجاهلاً إياه وكأنه لم يسأل السؤال، وكثير من الجلسات لا يفهم منها شيء لأن الكثيرين لا يحسنون الاستماع، وهو من حسن الأدب في المجالس، وما أكثر المتحدثين دائماً وما أقل السامعين!
وكثير من المحاضرين يفشلون في جذب الحضور إلى ما يقولون لأنهم ينكبون على قراءة ما بين يديهم دون الالتفات إلى الحاضرين ولو بنظرة استقراء لانطباعاتهم عما يسمعون، إيجاباً أو سلباً، وقد يكون ما يقال مهماً جداً وجديراً بالانتباه والاستماع، لكنه يحتاج من المحاضر أن يلقي نظرة على جميع سامعيه، بحيث يحس كل مستمع بأنه يلقى منه كل اهتمام.
يقال: لكل شيء محل، ومحل العقل مجالسة الناس، ومثل الجليس كمثل العطّار، إن لم يصبك من عطره أصابك من رائحته.. قال ابن عباس في أدب المجالسة: لجليسي عليَّ ثلاث: أن أرمقه بطرفي إذا أقبل وأُوسع له إذا جلس، وأُصغي له إذا حدَّث.
كانت تحية العرب: صَبَحَّتك الأنعِمة، وطيبُ الأطعمة. وتقول أيضاً: صبحتك الأفالِح وكل طير صالح.
وقيل: أول ما يتعين على الجليس الإنصاف في المجالسة، بأن يلحظ بعين الأدب مكانه من مكان جليسه، فيكون كل منهما في محله.
وقيل: إن نشاط المتكلم بقدر إقبال السامع، ويتعين عليه أن يحدث المستمع على قدر عقله. ولا يبتدع كلاماً لا يليق بالمجلس. فقد قيل: لكل مقام مقال، وخير القول ما وافق الحال.. كان ابن خارجة يقول: ما غلبني أحد قط غلبة رجل يصغي إلى حديثي.
قيل: المودة طلاقة الوجه والتودد إلى الناس، وقيل: البشر يدل على السخاء، كما يدل النور على القمر.
وقيل من السنة: إذا حدثت القوم فلا تقبل على واحد منهم، ولكن اجعل لكل واحد نصيباً.
وقيل: إذا أردت حسن المعاشرة فالقَ عدوك وصديقك بالطلاقة ووجه الرضا والبشاشة، ولا تنظر في عطفيك، ولا تكثر الالتفات، ولا تقف على الجماعات، وإذا جلست فلا تتكبر على أحد، وتحفّظ في تشبيك أصابعك، واحذر من العبث بلحيتك، ومن اللعب بخواتمك، وتخليل أسنانك، وإدخال إصبعك في أنفك وكثرة بصاقك، وكثرة التمطي والتثاؤب في وجوه الناس، وفي الصلاة.
وليكن مجلسك هادئاً، وحديثك منظوماً مرتباً، وأصغِ إلى الكلام، واسكت عن المضاحك، ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين، ولا تلّح في الحاجات، ولا تشجع الناس على الظلم.
وقيل:
مَن لـــم يكـن عقلـُه مؤدبَــه لم يُغنـه واعــظٌ مـن النسـبِ
كم من وضيع الأصـول في أُمم قـد سـوَّدوه بالعقـل والأدب
ساحة النقاش