يُقال في العربية الناس والبرية والبشر بالمعنى نفسه إلا أن هُناك فروقاً بينها، فالْفَرْق بيـن النّاس والبريّة: أن قولنا: برية يقتضي تميّز الصورة، وقولنا: الناس لا يقتضي ذلك، لأن البرية فعيلة من: برأ الله الخلق أي ميز صورهم، وترك همزه لكثرة الاستعمال، كما تقول هم الحابية والذرِّية وهي من: ذرء الخلق، وقيل: أصل البريِّة: البَرْيُ، وهو القطع، وسُمِّي برية لأن الله عز وجل قطعهم من جملة الحيوان فأفردهم بصفات ليست لغيرهم، وذكر أن أصلها من البَرى وهو التراب.
البَرِيَّةُ أيضاً: الخَلْق، بلا هَمْزٍ. قالَ الفَرَّاءُ: هيَ مِنْ بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ أَي خَلَقَهُم.
والبَرِيَّةُ الخَلْقُ، وأَصْلُها الهمْزُ، وقد ترَكَت العَرَبُ هَمْزَها.
ونظِيرهُ: النبيُّ والذُّرِّيَّةُ.
وأهل مَكة يُخالِفُونَ غيرَهُم مِنَ العَرَب، يَهْمِزُونَ البَريئةَ والنَّبيءَ والذّرِّيئةَ، مِنْ ذَرَأَ اللّهُ الخلْقَ، وذلِكَ قلِيلٌ. وقيل إذا أُخِذَت البَرِيَّةُ مِن البرَى، وهو التُّراب، فأَصلها غير الهمْزِ.
وقيل أَجمَعَت العَرَبُ على ترْكِ هَمْزِ هذه الثلاثةِ.
وقال بعض المتكلمين: البرية اسم إسلامي لم يعرف في الجاهلية، وليس كما قال لأنه جاء في شعر النابغة وهو قوله:
إلاَّ سُليمَانَ، إذْ قَـالَ الإلهُ لَهُ
قُمْ في البَرِيَّة، فَاحْدُدْهَـا عَن الفَنَـدِ
والنابغة جاهلي الأبيات.
أما الْفَرْق بيـن الناسِ والبَشَرِ فهو أن قولَنا: البشر يقتضي حسن الهيئة وذلك أنه مشتق من البَشَارَةِ وهي حسن الهيئة، قال: رجل بشير وامرأة بشيرة، إذا كان حسن الهيئة، فسمي الناس بشراً لأنهم أحسن الحيوان هيئة، ويجوز أن يقال إن قولنا: بشر يقتضي الظهور، وسموا بشراً لظهور شأنهم، ومنه قيل لظاهر الجلد بشرَة، وقولنا: الناس يقتضي النوس وهو الحركة، والناس جمع، والبشر واحد وجمع، وفي القرآن: (... مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ...) وتقول: محمد خير البشر، يعنون الناس كلهم، ويثنى البشر فيقال: بشران، وفي القرآن: (... لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا...) ولم يسمع أنه يجمع.
المتنبي:
حين يشقى الناس أشقى معهم
وأنا أشقى كما يشقون وحدي
وأنا أخلو بنفسي والورى
كلّهم عندي ومالي أيّ عندي
لا ولا لي في الدّنا مثوى ولا
مسعد إلاّ دجا اللّيل وسهدي
لم أسر من غربة إلاّ إلى
غربة أنّكى وتعذيب أشدّ
ساحة النقاش