أحمد محمد
عاشت مريم في محرابها تعبد الله، حتى دخلت عليها مجموعة من الملائكة، وأبلغوها ثناء الله عليها، وحثوها على مزيد من العبادة والصلاة: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)، ثم بشروها بولد منها سيكون نبيا: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين)، فتعجبت إذ كيف يكون لها ولد وليست متزوجة، ولم يمسسها رجل، فأخبرتها الملائكة أن هذه إرادة الله القادر على كل شيء، فاستسلمت لعله يجعل لها مخرجا.
أرسل الله إليها الروح الأمين جبريل على هيئة بشرية، فلما رأته فزعت منه وتعوذت بالله، فطمأنها أنه رسول الله إليها، ليهب لها غلاماً طيباً مباركاً، ونفخ فيها نفخة، فحملت على الفور. أحست مريم بالحمل، فذهبت إلى مكان بعيد خوفاً من كلام الناس، جلست تفكر في أمرها وما سيكون عليه حالها، واقتربت ساعة الولادة، فتمنت أن لو كانت قد ماتت من قبل هذا، ووضعت واحتاجت إلى طعام، أصابها الضعف، فسمعت المولود يناديها بأن تهز جذع النخلة، وسوف يتساقط عليها الرطب: (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا).
مولده
وهكذا ولد “عيسى” آخر أنبياء بني إسرائيل بمدينة بيت لحم في عهد هيرودوس الملك الروماني، حيث كان يحكم البلاد الفلسطينية، اسمه في القرآن الكريم عيسى، ولقبه المسيح، وكنيته ابن مريم، وصفته عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
حملت الصغير، رآها اليهود فتعجبوا وأقبلوا لائمين معنفين: (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)، فأشارت إلى الرضيع، أنطقه الله: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا)، ظهرت أولى معجزات عيسى عندما تكلم وهو في المهد ليظهر براءة أمه وعفافها، لم يكد ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة، يشهدون معجزة طفل يتكلم وجاء بغير أب، يقول إن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا، هذا يعني أن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار، لن يستطيعوا بيع الغفران للناس، وأن مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده، وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية المنحرفة. ولم تسلم مريم من شائعاتهم واتهاماتهم، خافت على نفسها وولدها من غدرهم أخذته إلى مكان بعيد عنهم، حتى لا يؤذوه وتخبر الروايات أنها هاجرت به إلى مصر، ولما كبر عادت به إلى بيت لحم.
معجزات
جاء عيسى ليخفف عن بني إسرائيل، بإباحة بعض الأمور التي حرمتها التوراة عليهم عقاباً لهم، إلا أنهم مع كل هذه الآيات كفروا، رأى أنهم انحرفوا عن المنهج الذي جاء به موسى، يتحرجون من عمل الخير، أقبلوا على حب المال، فسيطر على نفوسهم، بعضهم ينكر يوم القيامة، وفئة طغى عليها حب الدنيا، فأخذوا في ابتزاز أموال الناس، انحرفوا عن الصراط المستقيم، فظلموا وأفسدوا في الأرض، وانغمسوا في الشهوات، حينئذ بعث الله إليهم عيسى ابن مريم رسولاً، كما قال سبحانه عنه (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل)، وأيده بالمعجزات، أعطاه القدرة على إحياء الموتى، وشفاء المرضى الذين عجز الأطباء والحكماء عن شفائهم، وأعلمه بعض الغيب، فكان يعرف ما يأكل الناس وما يدخرون في بيوتهم.
ومع هذه العجائب والمعجزات لم يؤمن به إلا القليل، واستمر أكثرهم على كفرهم، ولم ييأس، استمر يدعوهم وطلب منهم النصرة لدين الله فهدى الله مجموعة من الفقراء والمساكين إلى الإيمان، هم الحواريون، ليناصروا عيسى، وكان عددهم لا يزيد على اثني عشر رجلاً.
الحكم بإعدامه
انتشر خبر عيسى، وآمن به كثيرون من الفقراء، فحقد عليه الكهنة والأغنياء من اليهود، وأرادوا التخلص منه، ذهبوا إلى الحاكم الروماني وأخبروه بأن عيسى ثائر يحرض الناس، ويدبر مؤامرة ضد الدولة الرومانية، حتى أصدر حكما بإعدامه، وبحثوا عنه طويلا فلم يجدوه، أوحى الله إليه بما دبروه، فاختبأ عيسى والحواريون في الجبال، ظلوا يبحثون عنه في كل مكان، لكن الله حفظه ورفعه إلى السماء، وألقى شبهه على رجل منهم، فأخذوه فصلبوه.
ظن اليهود أن عيسى هو الذي قتل، لكن القرآن يؤكد أنه نجا من أيديهم، قال تعالى: (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما).
وودع عيسى الحواريين، وبشرهم برسول يأتي من بعده، وبه تتم نعمة الله على الخلائق، وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتي سنة، وحرف أهل الكتاب الإنجيل وبدلوا آياته وأحكامه، وضل النصارى واعتقدوا أنه ابن الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى سوف ينزل إلى الأرض في نهاية الزمان، ويدعو الناس إلى شريعة الإسلام ويكسر الصليب.
ساحة النقاش