بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
وبعد ...
فمسألة الإجهاض دارت حولها مقالات ومؤتمرات وحتى مظاهرات منها المؤيد ومنها المعارض، وكل له نواياه، لكننا لا نحسن الظن بالغرب وأبواقه في الشرق ممن يحاول جاهداً أن يتخذ الذريعة المناسبة لإباحة هذه الجريمة النكراء التي لا يقرها شرع ولا دين ولا مذهب ولا أخلاق . حتى في نفس بلدانهم وفي أمريكا بالذات كانت هناك مسيرات عارمة تعارض هذه الجريمة وتنتقد كل من أيد أو قنّن هذه الجريمة . وكذلك ديانتهم النصرانية (فضلاً عن ديننا الحنيف) قرأت عن أحد رهبانهم قوله بحرمتها بتاتاً ووصفها بأنها جريمة فيها إعتداء على الإنسانية وعلى قدر الله تبارك وتعالى .
وإن ديننا الحنيف ليس فيه تكاليف موضوعة كيفما اتفق لمجرد إدخال الناس تحت سلطة الدين ، بل وضعت الشريعة لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالحهم في الدين والدنيا ، وروعي في كل حكم منها: إما حفظ شيء من الضروريات الخمس من دين ونفس وعقل ونسل ومال ، وإما حفظ شيء من الحاجيات كأنواع المعاملات ، وإما حفظ شيء من التحسينيات .
فهذه هي مقاصد الشارع الحكيم في التشريع ، وأعلاها الضروريات التي روعيت في كل ملة ، واتفقت عليها شرائع السماء ، ولا تقوم مصالح الدين والدنيا إلا بها ، ولقد شرع الإسلام عقوبات متنوعة لمن اعتدى أو انتهك أياً منها ، كما شرع المحافظة عليها من طريق الوجود ؛ فالعبادات شرعت لحفظ الدين ، وشرع الأكل والشرب ونحوه لفظ النفس والعقل ، وشرع النكاح لحفظ النسل ، وأوجب الإسلام المحافظة على المال ونهى عن إضاعته .
لذا فإن من آكد الفروض والواجبات ، معرفة هذا الشرع الحكيم ، والتفقه فيما نزل من مسائل ونوازل ، حتى يظهر حكم الله في كل واقعة ، ويكون الناس على بصيرة من دين الله ؛ لأن الواقئع متجددة ، وتنزل بالناس في كل وقت نوازل لا بد من دراستها ، وتنزيلها على الأدلة الإجمالية ، والقواعد الفقهية ، أو إلحاقها بما يشبهها مما نص عليه العلماء رحمهم الله .
وهذا الموضوع (الإجهاض وأقوال العلماء القدامى والمعاصرين) من أهم مسائل النوازل المعاصرة ، ومما عمت به البلوى ، ومما يتعلق بالمحافظة على بعض الضروريات كالنفس والنسل .
واللهَ تعالى أسأل أن يعينني على أداء ولو أقل المطلوب، وما كان من خطأ أو نسيان فمن نفسي والشيطان وما كان من توفيق فمن الرحمن فله المنّة والحمد.
* ماذا تعني كلمة إجهاض؟
لغة : جاهضني : أي ما نَعنَى وعاجلنى بذلك .من قولهم: أجهضْتُه عن كذا , إذا نَّحيته عنه بعَجَل
والإجْهاض : الإزْلاَق .ومنه الحديث "فأجْهَضَتْ جَنَينها" أي أسْقطَت حَمْلَها.والسَّقْط : جَهِيض [1].
جهض : أَجْهَضَت الناقةُ إِجْهاضاً، إذا ألقت ولدها فهي مُـجْهِضٌ [2]، والـجمع مَـجاهِيضُ .
والـجَهِيض: السَّقِـيط. أو الولد السقط ، وجاهضه : مانعه وعاجله [3]. قال الـجوهري: أَجْهَضَت الناقة أَي أَسْقَطَتْ، فهي مُـجْهِض، فإِن كان ذلك من عادتها فهي مِـجْهَاضٌ، والولد مُـجْهَضٌ و جَهِيضٌ. وصادَ الـجارحُ الصَّيْدَ فأَجْهَضْناه عنه أَي نـحّيناه وغَلَبنَاه علـى ما صادَه، وقد يكون أَجْهَضْته عن كذا بمعنى أَعْجَلْته. و أَجْهَضَه عن الأَمر وأَجْهَشَه أَي أَعْجَلَه. و أَجْهَضْته عن أَمره وأَنْكَصْته إِذا أَعْجَلْته عنه، و أَجْهَضْته عن مكانه: أَزَلْته عنه. وفـي الـحديث: فأَجْهَضُوهم عن أَثْقالِهم يوم أُحُدٍ أَي نَـحَّوهم وأَعجلوهم وأَزالوهم. و جَهَضَنـي فلانٌ و أَجْهَضَنـي إِذا غَلَبَك علـى الشيء. ويقال: قُتِلَ فلانٌ فأُجْهِضَ عنه القوم أَي غُلِبوا حتـى أُخذ منهم. وفـي حديث مـحمد بن مسلـمة أَنه قَصَدَ يوم أُحُدٍ رجلاً قال: فجَاهَضَنـي عنه أَبو سُفْـيان أَي مانَعَنـي عنه وأَزَالنـي. و جَهَضَه جَهْضاً و أَجْهَضَه: غَلَبَه. وقُتِلَ فلانٌ فأُجْهِضَ عنه القوم أَي غُلبوا حتـى أُخِذَ منهم [4] .
وقد خص مجمع اللغة الإجهاض بخروج الجنين من رحم أمه قبل الشهر الرابع وما بعده ، وهو إلقاء المرأة جنينها بين الشهر الرابع والسابع فخصّه باسم الإسقاط [5].
وإجمالاً كلمة إجهاض تعني كما جاء في كتاب التعاريف للمناوي، هو إسقاط الجنين [6]. أي تعجُّل سقوطه .
ويبدو أن هذه التسمية مستفادة من الطب ، ولعلها مسفادة كذلك من المدلول اللغوي ؛ لأن الإجهاض زوال الشيء عن محله بسرعة ، يقال أجهضته عن الأمر إذا أعجله عنه ، ووقوع الجنين من بطن أمه قبل الشهر الرابع كأنه عجلة وإسراع قبل تمام المدة ، والسقوط وقوع من علو ، فكأن الساقط فيه ثقل وكبر ، فخُصّ هذا الاسم بما وقع بين الشهر الرابع والسابع ، وعلى كل حال فهو اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح [7].
والإسقاط : من سقط يمعنى وقع ، يقال : سقط الولد من بطن أمه ولا يقال وقع حين تلد ، وأسقطت المرأة ولدها إسقاطاً ، وهي مسقط : ألقته من غير تمام ، وأسقطت الناقة وغيرها : إذا ألقت ولدها [8] .
والذي يبدو أن الإجهاض والإسقاط بمعنى واحد ، أنهما بمعنى واحد : إلقاء الولد قبل تمامه ، إنما هناك ثمت فروق نذكر منها :
1) أن الإجهاض شامل لما استبان خلقه وما لم يستبن ، وخصه بعضهم بما نفخ فيه الروح دون أن يعيش ، والإسقاط شامل لذلك أيضاً ، لكنه غالب فيما يكون قبل تمام الخلقة .
2) أن الإجهاض غلب استعماله في الإبل ، لذا خصه بعضهم في الإبل ، والإسقاط غلب استعماله في بني آدم [9].
نستتنج مما ذكره أهل اللغة تعريفاً لغوياً للإجهاض ، فهو : إلقاء الولد قبل تمام الخلق ، أو قبل تمام مدة الحمل سواء نفخ فيه الروح أو لا ، سواء كان الجنين ذكراً أو أنثى . ولا يسمى إجهاضاً إلا إذا سقط قبل أوانه بحيث أنه لا يعيش ، أما لو سقط في مدة يعيش فيها فلا يسمى إجهاضاً ، لكن إن كان الإسقاط في أول مدة الحمل فيطلق عليه إجهاض ، ويحدد بأربعة أشهر ؛ لأنه بعدها تنفخ فيه الروح ، فإذا تم بعد الأربعة أشهر إلى مدة ستة أشهر فهو إسقاط ، أما المدة التي بعد ذلك فهي ولادة قبل أوانها ، ولعل في هذا جمعاً بين ما ذكره أهل اللغة .
وهناك ألفاظ استعملت بمعنى الإجهاض ، إما أن تكون مرادفة لكلمة الإجهاض أو بينهما عموم وخصوص ، وقد استعملها الفقهاء رحمهم الله بمعنى الإجهاض [10] . مثل الإسقاط [11] والإلقاء [12] والطرح [13] والإملاص [14] والإنزال [15] وغيرها [16] .
اصطلاحاً :
تعريف الإجهاض في الطب :
التعريف الأول : خروج محتويات الرحم قبل مرور ثمانية وعشرين أسبوعاً ، وذلك أنه قبل مرور هذه المدة يكون غير قابل للحياة ، فإذا سقط بعدها فلا يسمى إجهاضاً من الناحية الطبية ، إنما يسمى ولادة قبل الأوان [17] .
التعريف الثاني : خروج محتويات الرحم قبل عشرين أسبوعاً ، ويعتبر نزول محتويات الرحم في الفترة ما بين 20-38 أسبوعاً ولادة قبل الأوان ، ويشبه الولادة إذ تنفجر الأغشية أولاً وينزل منها الدم [18] .
التعريف الثالث : خروج محتويات الرحم قبل ستة أشهر، وبعده يسمى ولادة قبل الأوان [19] .
التعريف الرابع : إنهاء الحمل مبكراً خلال الأشهر الثلاثة الأولى، أما إذا تم بعد ذلك إلى الشهر السابع فيطلق عليه طبّاً إسقاط [20] .
التعريف الخامس : انتهاء الحمل بقذف محصوله قبل أن يكون قابلاً للحياة من غير تحديد بالسن أو الوزن ، وما كان قابلاً للحياة قبل تمام مدة الحمل فيسمى خداجاً ، ويختلف تقدير السن الفاصل بين الإسقاط والخداج باختلاف الشروط الصحية وإمكانات المشفى [21] .
التعريف السادس : التخلص من حمل موجود في الرحم سواء كان له أسبوع أو تسعة أشهر [22] .
* الإجهاض عند علماء الطب الشرعي :
يتجه علماء الطب الشرعي في تعريف الإجهاض اتجاهين :
الاتجاه الأول : يعرفونه دون التفريق بين إجهاض وإسقاط وهؤلاء هم الأكثرية ، وقد عرفوه بأنه : خروج متحصل الرحم في أي وقت من الحمل قبل تكامل الأشهر الرحمية [23] .
وعرفه بعضهم بأنه : وضع محتويات الرحم الناتجة عن الإخصاب مجتمعة أو على هيئة أجزاء الواحد تلو الآخر في وقت يكون فيه الجنين المجهض غير مكتمل الخلقة وغير مقتدر على العيش مستقلاً عن الرحم [24].
الاتجاه الثاني : يفرق بين الإسقاط والإجهاض والولادة قبل الأوان . فمنهم من يرى أن خروج متحصلات الرحم قبل ستة أشهر يسمى إجهاضاً وما بعده يسمى ولادة قبل الأوان ، وهذا يتفق مع بعض التعريفات الطبية ، ومنهم من يصنفها إلى ثلاثة أنواع :
1- الإسقاط : وهو إفراغ الرحم للجنين خلال الأشهر الثلاثة الأولى .
2- الإجهاض : وهو إفراغ الرحم لجنين تجاوز عمره الشهر الثالث ولم يتجاوز السابع .
3- ولادة قبل الأوان : إفراغ الرحم لجنين جاوز عمره السابع وقبل انتهاء مدة الحمل .
* الإجهاض عند علماء القانون :
هو إخراج الجنين عمداً من الرحم قبل موعده الطبيعي لولادته ، بأي وسيلة من الوسائل في غير الحالات التي يسمح بها القانون ، ويقوم على أركان ثلاثة: وجود حمل ، ووجود الفعل الموجب للإجهاض ، ووجود القصد الجنائي [25] .
* الإجهاض عند علماء الشريعة :
العلماء لا يخرج استعمالهم للكلمة عن المدلول اللغوي ، ويعبرون عنه بمرادفاته ، وأغلب ما يستعملون الإسقاط بدل الإجهاض عدا الشافعية [26] . ويذكرونه في باب الجنايات ، ويعبر عنه الجمهور بالجناية على الجنين ، بينما يعبر عنه الحنفية بالجناية على ما هو نفس من وجه دون وجه ؛ لأن الجنين يعتبر نفساً من جهة كونه آدمياً ، ولا يعتبر نفساً من جهة اتصاله بأمه ، فأهليته أهلية وجوب ناقصة [27] .
وقد عرفه مجموعة من الباحثين بعدة تعريفات منها :
1- إخراج الحمل من الرحم في غير موعده الطبيعي، عمداً وبلا ضرورة بأي وسيلة من الوسائل [28].
2- إلقاء المرأة جنينها ميتاً أو حياً دون أن يعيش وقد استبان بعض خلقه بفعل منها أو من غيرها [29].
3- إسقاط الجنين بفعل أمه أو بفعل غيرها بناءً على طلبها أو رضاها [30] .
* ما أنواع الإجهاض [31] ؟
إجهاض منذر: أعراضه نزف مهبلي بسيط أو متوسط مصحوب بألم خفيف أو بدون ألم وبالكشف عنق الرحم مغلق والحمل بحالة جيدة بالأشعة فوق صوتية والنتيجة المتوقعة 50% يكمل الحمل.
اجهاض حتمي: أعراضه نزف مهبلي شديد + مغص حاد وبالكشف عنق الرحم مفتوح.
النتيجة أن يكتمل حدوث إجهاض.
إجهاض غير كامل: نزول بعض محتويات الرحم واحتساب الباقي مع وجود مغص ونزف والنتيجة يجب استكمال نزول محتويات الحمل المتبقية.
اجهاض كامل: نزول كل محتويات الحمل بالرحم وذلك غالباً لا يحدث حيث يكون غير كامل.
اجهاض مركون: موت الجنين وبالتالي عدم نموه بالطريقة الطبيعية. والنتيجة إجراء تفريغ لهذا الجنين الميت ومحاولة معرفة السبب.
اجهاض متعفن: حدوث التهابات حادة بالحمل ولها طرق عدة لحدوثها والنتيجة غالباً موت الجنين مع تعفنه. وارتفاع درجة حرارة المريضة وآلام حادة بالبطن وخروج سوائل غير طبيعية الرائحة.
والحل: العلاج أولاً من هذه الالتهابات ثم تفريغ الحمل.
الاجهاض المتكرر: تكرار أكثر من 3 مرات متتالية.
· ما أسباب حدوث الإجهاض؟
هناك أسباب عدة للإجهاض [32] وقد تختلط أسبابه بأنواعه، منها :
أ - الإجهاض التلقائي:
ويتعرض له(10%) من النساء الحوامل ،وذلك لأسباب صحية خارجة عن إرادة الحمل ومنها:
1- خلل في البويضة الملقحة : ويشكل هذا السبب من 60 إلى 70% من حالات الإجهاض التلقائي ،ويعود السبب في ذلك إلى خلل في الصبغات (الكروموسومات) وإلى أسباب أخرى تعود إلى تكوين البويضة الملقحة.
والإسقاط في هذه الحالة من رحمة الله تعالى ، حيث أن الجنين لو عاش مع هذا الخلل فسيكون مشوها ويعاني من أمراض خلقية لا حصر لها.
2- أمراض الرحم: كالعيوب الخلقية والأورام وانقلاب الرحم وأمراض عنق الرحم ، والتي قد تكون بسبب ولادة عسيرة سابقة
3- أمراض الأم: وذلك كإصابتها بداء البول السكري أو أمراض الكلى المزمنة أو الأمراض الزهرية وأمراض الغدة الدرقية وارتفاع ضغط الدم وبعض الحميات الشديدة .
4- إصابة الحامل نتيجة ضرب أو سقوط أو حادث: وغالبا ما تتأثر بذلك الأرحام الضعيفة خاصة.
5- الاختلالات الهرمونية: وهي من الأسباب الرئيسية في حدوث حالات الإجهاض ولا سيما الإجهاض المتكرر.
6- تناول بعض الأدوية والعقاقير التي تسبب الإجهاض: ومنها ما يستخدمه الأطباء لإسقاط الجنين في حالات طبية خاصة [33] .
ب - الإجهاض الجنائي :
وهو الإجهاض المتعمد ويتمثل في حالتين :
1- الاعتداء على الأم بالضرب والإيذاء المادي أو المعنوي : فتسقط جنينها.
2- إجراء عملية إجهاض للأم الحامل: بناء على طلبها أو مكرهة ، للتخلص من الجنين أو الحمل غير المرغوب فيه، دون مسوغ شرعي، ويكون ذلك غالبا لطمس آثار جرائم العلاقات الغير مشروعة.
ولقد كثرت جرائم الإجهاض الجنائي وزادت زيادة رهيبة في الدول الأوربية والأمريكية ،ولولا انتشار وسائل منع الحمل لكانت حالات الإجهاض الجنائي أكثر بكثير ، حيث إن الإجهاض الجنائي يرادف انتشار الزنى والإباحية الجنسية.
ج-الإجهاض المحتم: وهو الإجهاض الذي ينتهي بسقوط الجنين حتما ولا ينفع معه العلاج ويصحبه عادة نزيف رحمي وقد يستمر النزيف فترة من الزمن وقد يبقي في الرحم بعض المحتويات عالقة بجدار الرحم ،فعندئذ لابد من التدخل الجراحي لتجريف الرحم وإزالة هذه المخلفات خوفا من إنتاناتها.
د- الإجهاض المختفي: وفي هذه الحالة ينزف الرحم داخليا ويموت الجنين ،ويبقى فترة في الرحم الذي يقذفه ذاتيا ،أو يحتاج الأمر إلى عملية جراحية وتنظيف الرحم منه.
ه- الإجهاض المتكرر: وهو الذي يحدث بعد كل حمل ،وله أسباب متعددة أهمها نقص البروجسترون الذي هو هرمون الحمل، ولكل سبب علاجه المعروف في الطب.
وقبل أن نبدأ كذلك لا بد لنا من هذه المعلومات :
أولاً : الإجهاض في وقتنا الحاضر مشكلة منتشرة بشكل رهيب في العالم أجمع وحتى في مجتمعنا العربي ولكن بسبب عدم وجود إحصائيات ومعلومات دقيقة فإنها غير ظاهرة للعيان لأن كثيراً من حالات الإجهاض تتم بشكل سري .
والإحصائيات التي نشرت في العالم الغربي مخيفة فعلى سبيل المثال :
1. تقدر حالات الإجهاض بأكثر من خمسين مليون حالة في العالم ، وقد نتج عنها أكثر من مئتي ألف حالة لوفاة الأمهات .
2. في الولايات المتحدة الأمريكية تجري حالة إجهاض واحدة مقابل كل ثلاث ولادات طبيعية ، وبلغ عدد حالات الإجهاض في الولايات المتحدة مليون وستمئة ألف حالة سنة 1973 .
3. 89% من حالات الإجهاض كانت بسبب حمل غير شرعي .
4. في البرتغال وإسبانيا مليون حالة إجهاض كل سنة .
5. في مدينة مانيلا عاصمة الفلبين مئة ألف حالة إجهاض سنوياً .
6. وفي العالم العربي والإسلامي الإجهاض موجود ومنتشر ولكن لم أطلع على أية إحصائيات، لكنني قرأت أن بعض البلدان مثل أندونيسيا أنها تتجه إلى تقنين السماح بعمليات الإجهاض تحت غطاء ما سيسمى بـ" التشريع المحدود للإجهاض " لمواجهة معدل الوفيات المتزايد في حالات وفيات النساء اللاتي يخضعن لعمليات إجهاض خطرة على يد أشخاص ليسوا مؤهلين طبيا، الأمر الذي زاد من الجدل بين الأوساط العلمانية والإسلامية حول الأسلوب الأمثل لمواجهة الأزمة والأسباب الأخلاقية التي أدت لحمل الفتيات [34] . حتى أن رئيس قسم صحة المجتمع في وزارة الصحة الأندونيسي قال أننا نتبع دولا مسلمة أخرى مثل تونس وماليزيا وتركيا التي تسمح بالإجهاض على يد أطباء مؤهلين في حالات معينة ".
وإجمالاً فإنه ينعقد مؤتمرات بين الحين والآخر تدعي أنها أمينة على حقوق المرأة تشارك فيها دولاً عربية وإسلامية، بل وتعقد هذه المؤتمرات في هذه الدول الإسلامية مثل مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة ومؤتمر المرأة الذي عقد في عمان وغيره من المؤتمرات التي أباحت الإجهاض بل وجعلت له قوانين تحميه، ونحن نقول بكل فخر وبكل ثقة إن أهل الإسلام هو المستهدف الأول من هذه المبادئ الفاجرة لأنهم أكثر المجتمعات محافظة إلا أنهم يرودونهم أن ينزلقوا في مستنقعهم، فالغرب وأبواق الغرب من أذنابه الذين هم من جلدتنا لن يرضوا إلا أن يروا المجتمعات الطاهرة العفيفة الطيبة وقد انزلقت في وبائه ورجسه، وإنه إصرارٌ من المؤتمرين على فرض النظرة الغربية الملحدة الفاجرة بكل ألوانها وشُعَبِها . وكما قال رب العزة جل وعلا: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء:27) .
ثانياً : الإجهاض من العوامل المساعدة على انتشار الزنا بشكل كبير على الرغم من انتشار وسائل منع الحمل المختلفة تتم هذه الأعداد الكبيرة من عمليات الإجهاض .
ففي الولايات المتحدة ثلث طالبات المدارس الثانوية يحملن من زنا ويوجد عيادات لمنع الحمل في المدارس ويتم تدريس وسائل منع الحمل للفتيات ومع ذلك فالإجهاض في ارتفاع مستمر .
ثالثاً : من الأمور البدهية أن الإسلام اعتبر النفس البشرية معصومة وحافظ عليها بل حفظ النفس إحدى الضرورات الخمس ، قال الله تعالى :(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الأنعام: من الآية151) .
والجنين داخل في ذلك ومن المعروف أن النبيr لم يقم الحد على المرأة التي جاءت معترفة بالزنا لأنها حامل وأخر إقامة الحد إلى أن وضعت حملها وأرضعته ثم فطمته [35] .
ومن المعلوم عند العلماء أن للجنين أهلية وجوب وإن كانت ناقصة تثبت له بعض الحقوق المعروفة عند الفقهاء .
وإن الشريعة الإسلامية أوجبت العقوبة المالية على من أسقط الجنين كما ورد في الحديث الصحيح أن امرأتين من هذيل ضربت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه النبيr بغرة [36] عبد أو أمة ويقدر ذلك بـِ 5% من الدية وأوجب جماعة من الفقهاء الكفارة على من تسبب في إسقاط الجنين . وهذا سيأتي بيانه لاحقاً بالتفصيل بإذن الله تعالى .
ومعظم الفقهاء يمنعون الإجهاض في هذه الحالة مطلقاً ، واستثنى بعضهم حالة واحدة من هذا المنع وهي إذا تأكد وثبت أن استمرار الحمل يشكل خطراً أكيداً على حياة الأم فأجازوا إجهاض الحمل مهما كان عمر الجنين .
· الإجهاض في التشريعات والديانات السماوية :
استخدم الإجهاض من قديم الزمان وأقدم تسجيل لكيفية أجراء الإجهاض وجد مسجلاً على أوراق البردي في مصر [37] .
وفي فترة لاحقة تقرر العقاب على الإجهاض ، بل إن أبقراط [38] كان ينظر إلى الإجهاض باعتباره عملاً لا أخلاقياً [39] .
وفي الديانة اليهودية يعتبر الإجهاض محرماً ، ويترتب عليه عقوبة غير مقدرة يقدرها زوج المرأة المعتدى عليها ، ولكنه لا يعاقب عليه بالقتل [40] .
أما في الديانة النصرانية فهي تحرم الإجهاض تحريماً قاطعاً ، وتفرض عقوبات مشددة على من يرتكبه وتعتبر الإجهاض جريمة قتل [41] .
أما في الجاهلية فكان واقعاً فيما هو أشد من الإجهاض ، إذ بعض القبائل العربية تقتل الأولاد خشية الفقر ، وتئد البنات وهنَّ أحياء خوفاً من العار أو الفقر ، قال تعالى (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل:59) .
رابعاً : موجز موقف الفقهاء من الإجهاض :
اتفق الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين أي بعد انقضاء أربعة أشهر على الحمل ( 120 ) يوماً من بدء الحمل كما هو مذهب أكثر العلماء في أن الروح تنفخ في البدن بعد هذه المدة، ويعد ذلك جريمة موجبة للغُرَّة [42] . لأنه إزهاق نفس وقتل إنسان. وعلى هذا يدل حديث عبد الله بن مسعود t قال: حدثنا رسول الله r وهو الصادق المصدوق : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقةً مثلَ ذلك ثم يكون في ذلك مضغةً مثلَ ذلك ثم يُرسَلُ الملَك فينفُخ فيه الروح ويُؤمَرُ بأربع كلمات بكتبِ رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) [43] .
والحقيقة أن هذا الاستثناء وجيه، لأنه عند الموازنة بين حياة الأم وحياة الجنين تقدم حياة الأم لأنها أصله وهو فرع لها والفرع لا يكون سبباً في إعدام الأصل .
فالإجهاض في هذه المرحلة يُعد جريمةً محرمةً ولا يُستباح هذا الحرام إلا في حالة الضرورة فقط .
أما الإجهاض قبل الأربعة أشهر فهو محل خلاف بين أهل العلم، والمسألة محل اجتهاد لأنه لا يوجد نصوص شرعية صريحة في المسألة لذا تعددت أقوال العلماء فيها :
فمنهم من رأى أنه يجوز الإجهاض خلال هذه المدة بشرط موافقة الزوجين .
ومنهم من يرى جوازه مع الكراهة .
ومنهم من أجازه قبل الأربعين يوماً الأولى وكرهه بعدها .
ومنهم من أجازه قبل الأربعين يوماً الأولى وحرّمه بعدها .
ومنهم من حرّمه مطلقاً أي بمجرد وقوع المني في الرحم وثبوت العلوق .
وهذا هو القول المعتمد عند المالكية وهو قول الإمام الغزالي ومن تابعه من الشافعية وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض الحنابلة وجماعة آخرين من الظاهرية والشيعة وغيرهم .
وهذا القول هو الذي اختاره جماعة من العلماء المعاصرين كالشيخ محمود شلتوت والشيخ القرضاوي والشيخ وهبه الزحيلي واختاره مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة وعليه عدد كبير من العلماء المعاصرين . وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة .
أما تفصيل المسألة من حيث الآراء الفقهية فهي كالتالي:
1. مذهب الحنفية [44] رحمهم الله: يباح الإسقاط بعد الحمل، ما لم يتخلق منه شيء، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوماً، لأنه ليس بآدمي. وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق: نفخ الروح . وقيل عندهم: إن ذلك مكروه بغير عذر، فإذا أسقطت بغير عذر لحقها إثم .
ومن الأعذار: أن ينقطع بنها بعد ظهور الحمل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر[45] ، ويخاف هلاكه . وحمل بعضهم إباحة الإسقاط المطلقة على حالة العذر، لأنه الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة، فله حكم الحياة. وهذا التأويل معقول وضروري .
2. مذهب المالكية [46] رحمهم الله: المعتمد أنه يحرم عندهم إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً. وقيل: يكره إخراجه قبل الأربعين. وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعاً. وهذا رأي الغزالي والظاهرية [47] .
3. مذهب الشافعية [48] رحمهم الله: يباح الإجهاض مع الكراهة إذا تم في فترة الاربعين يوماً (40 أو 42 أو 45 يوماً) من بدء الحمل، بشرط كونه برضا الزوجين، وألا يترتب على ذلك ضرر بالحامل. وبعد فترة الأربعين يحرم الإسقاط مطلقاً .
وحرَم الغزالي الإجهاض مطلقاً، لأنه جناية على موجود أصلاً، ويعتبر الإجهاض ولو من أول يوم كالوأد جناية على موجود أصلاً [49] .
4. مذهب الحنابلة [50] رحمهم الله: هو كالحنفية: المعتمد عندهم أنه لا يجوز الإسقاط في فترة الأربعة الأشهر الأولى أي في مدة الـ 120 يوماً من بدء الحمل قبل نفخ الروح، ويحرم قطعاً بعدها، أي بعد ظهور الحركة الإرادية .
الترجيح :
مخالفة الفقهاء في هذه المسألة في الحقيقة ليست أمراً سهلاً ، وذلك لاعتمادهم على أدلة قوية، وقواعد يصعب تجاوزها أو الاستثناء منها، وهي كون نفس الجنين محترمة شرعاً، فيشمل الاعتداء عليها قوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}(الأنعام: من الآية151)، وجعلوا حرمة النفس فوق قواعد الضرورات والأعذار فلا يمكن إدخالها تحت قواعد التعارض والترجيح .
وقد يستأنس للترجيح بما ذكره العلماء في مسال يمكن تخريج هذا الحكم عليها، يقول الإمام الغزالي : "وإما إذا تعارض الموجب والمحرم فيتولد التخيير المطلق، كالولي إذا لم يجد اللبن إلا ما يسد رمق أحد رضيعيه، ولو قسم عليها أو منعها لماتا، ولو أطعم أحدهما مات الآخر، فإذا أشرنا إلى رضيع معين كان إطعاماً واجباً لأن فيه إحياء، وحراماً لأن فيه هلاك غيره، فنقول : هو مخير بين أن يطعم هذا فيهلك ذاك، أو ذاك فيهلك هذا، فلا سبيل إلا التخيير"[51]
ويقول العز بن عبد السلام: "وإذا تساوت المصالح مع تعذر الجمع تخيرنا في التقديم والتأخير، للتنازع بين المتساويين، ولذلك أمثلة :
الأول: إذا رأينا صائلاً يصول على نفسين من المسلمين متساويين، وعجزنا عن دفعه عنهما، فإنا نتخيّر.
الثاني: لو رأينا من يصول على بضعين متساويين، وعجزنا عن الدفع عنهما فإنا نتخيّر."[52]
فإذا كان التخيير في موضوع الطفلين مع أن إنقاذ أحدهما يستلزم هلاك الآخر، وندافع عن أحد المسلمين المصول عليهما، فإن الأمر بالنسبة لإنقاذ حياة الأم أهم وذلك لعدة أسباب :
1- حياة الأم أهم من حياة الجنين، لأنه تابع وهو جزء منها، وقد أجاز العلماء قطع الجزء المصاب من الإنسان إذا كان يسري إلى بقية الجسد.[53]
2- المشقة تقتضي التيسير، والمشقة التي تلحق بالأسرة بفقد الأم مؤثرة جداً، يقول السيوطي: "وأما المشقة التي تنفك عنها العبادات غالباً فعلى مراتب: مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء، فهي موجبة للتخفيف والترخص قطعاً "[54]
3- الجنين لا يسلم غالباً سواء أنقذنا حياة الأم أو تركناها حتى ماتت؛ لأننا إذا تركناها تمت فسيموت بموتها، وإن أنقذناها استلزم هلاكه، وما دام أنه يمكننا إنقاذ إحدى الحالتين وهي حياة الأم فإن ذلك مطلوب .
والذي يظهر لي والله أعلم أنه يجوز الإجهاض ولو بعد نفخ الروح بشرط أن يكون هذا العمل هو السبيل الوحيد لإنقاذ الأم بإخبار الطبيب الثقة، وأن تكون الحالة واقعة حقيقة لا مجرد توهم أو شكل يتوهمه الأطباء أو يظنونه؛ لأنه لا يجوز بحال قتل آدمي حي لأمر موهوم [55]. أما إذا لم يتأكد أن الأم ستموت إن لم يخرج الجنين إنما خيف على حياتها من بقائه فإنه لا يتعرض للجنين الحي ولا يجوز إجهاضه .
الرأي الراجح في إجهاض الجنين المشوه :
إن معرفة تشوهات الجنين من القضايا المستجدة في الطب ، وعلم الطب تقدم تقدماً ملحوظاً في معرفة أسباب التشوهات لدى الجنين كالفحص بالموجات فوق الصوتية وبالمنظار وإجراء فحوصات الدم للمرأة الحامل وللجنين أيضاً وغير ذلك من الوسائل .
فما هو الحكم الشرعي في إسقاط الجنين المشوه ؟
أولاً : لا بد أن نقول وعلى قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج إن الإسلام يحث على الوقاية من الأسباب التي تؤدي إلى تشوه الجنين وينبغي الأخذ بهذه الأسباب كامتناع الحامل عن التعرض للأشعة والامتناع عن استخدام الأدوية والعقاقير التي قد ينتج عنها تشوه الجنين .
كما أن الإسلام قد حثَّ على حفظ الصحة والبعد عن الزنا وشرب الخمر وتناول المخدرات والتدخين وغير ذلك من الأمور التي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بصحة الأم والجنين.
إن اتباع هدي الإسلام هو الطريق الأمثل في الوقاية من التشوهات وغيرها من الأمراض .
فخطوة الوقاية خطوة هامةً جداً لمنع التشوهات .
ولكن إذا قدّر الله سبحانه وتعالى وتشوه الجنين لسبب أو لآخر...
فما هو الموقف الشرعي من ذلك ؟
أولاً : يقول الأطباء هنالك نسبةٌ معينةٌ من التشوهات يمكن للجنين أن يعيش معها بعد الولادة وبعض هذه التشوهات يمكن إصلاحها بعد الولادة مثل تشوهات المعدة والأمعاء .
وهنالك تشوهاتٌ خطيرةٌ لا يُرجى معها للجنين حياة بعد الولادة فهو سيموت قطعاً عند الولادة أو بعيدها مباشرة .
هذا كلام الأطباء ولا بد من ملاحظة أنه لا زالت إلى يومنا هذا وعلى الرغم من تقدم العلم والطب مشكلةٌ في دقة تشخيص التشوهات بشكل موثوق تماماً .
وبناءً على هذا التقسيم للتشوهات يمكن أن نقول إنه إذا كانت نسبة احتمال حصول تشوه الجنين عالية وكان الجنين لا يمكن أن يعيش فإنه يجوز إسقاطه ما دام الحمل ضمن الأربعة أشهر الأولى أي قبل 120 يوماً بمعنى آخر قبل نفخ الروح .
أما إذا أظهرت الفحوصات التشخيصية أن هنالك تشوهات في الجنين من الأنواع التي لا تؤثر على حياة الجنين أو كانت التشوهات يمكن إصلاحها بعد الولادة أو يمكن للجنين أن يعيش مع وجود تلك التشوهات فلا يجوز إسقاط الجنين ضمن المئة والعشرين يوماً أي أربعة أشهر.
وهذا القول عليه كثير من علماء العصر وأخذ به مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة فقد جاء في قرار المجمع المذكور ما نصه :[ قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات وبناءً على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله فعندئذٍ يجوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين . والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر ] [56].
وينبغي التنبيه على أنه يجب أن تقرر حقيقة التشوهات - قبل القيام بإسقاط الجنين - لجنة طبية مختصة لا يقل عدد أعضاءها عن ثلاثة ولا يكفي قول طبيب واحد مهما بلغ من العلم . وخاصة أنه قد ثبت في حالات عديدة خطأ الطبيب في التشخيص .
هل من دية على من تسبب بالإجهاض ؟
إذا ضرب إنسان (أب أو أم أو غيرهما) امرأة حاملاً على بطنها أو ظهرها، أو جنبها أو رأسها أو عضو من أعضائها، أو أخافها بالضرب أو القتل أو الصياح عليها أو فعل فأجهضت أو ألقت جنينها، فإما أن تلقيه ميتاً أو حياً، وفيه مبحثان :
الأول : حالة إلقاء الجنين ميتاً :
إذا انفصل الجنين عن أمه ميتاً، فعقوبة الجاني هي دية الجنين، وديته ذكراً كان أو أنثى، خطئاً أوعمداً، ديته غُرَّة عبد أوأمة، قيمتها خمس من الإبل، أي نصف عشر الدية، أو ما يعادلها وهو خمسون ديناراً أو خمسمائة درهم عند الحنفية أو ستمائة درهم عند الجمهور [57] ، على الخلاف في تقويم الدينار بالدراهم .
ساحة النقاش