الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد:
إخواني المرضى. الله المسئول المرجو الإجابة أن يشفيكم وأن يتولاكم في الدنيا والآخرة. وأن يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. وأن يجعلكم ممن إذا أنعم عليه شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر فإن هذه الأمور الثلاث عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه. فإن الإنسان لا يخلو من حالين:
- الأول: نعم من الله تعالى تترادف عليه كالصحة والمال والولد والأمن والاستقرار فقيدها الشكر وهو مبني على ثلاثة أركان الاعتراف بها باطنا، والتحدث بها ظاهرا، وصرفها في مرضات الله والاستعانة بها على طاعته لتستقر وتزيد.
- الثاني: محن من الله تعالى يبتليه بها كالمرض والخوف والجوع ففرضه فيها الصبر والتسلي ليأجره الله ويثيبه على ذلك ويكفر عنه الذنوب والسيئات.
- الصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى إلى المخلوقين العاجزين وحبس الجوارح عن المعصية كلطم الخدود وشق الثياب عند المصيبة فقد برئ الرسول صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك([1]).
فضل الصبر واحتساب الأجر:
قال الله تعالى }ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون{ وقال تعالى: }إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب{ وقال صلى الله عليه وسلم:
1- «ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر». متفق عليه.
2- «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له». رواه مسلم.
3- «ما يصيب المسلم من نصب }تعب{ ولا وصب }مرض{ ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه». رواه البخاري ومسلم.
4- «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد به الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة». رواه الترمذي وحسنه.
5- «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط». رواه الترمذي وقال حديث حسن.
6- «ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة». رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح([2]).
وجوب الصبر:
ينبغي للمسلم إذا نزل به ضر أن يصبر فلا يتسخط ولا يجزع لأن الله أمر بالصبر ووعد عليه الأجر والثواب، غير أنه لا بأس إذا سئل عن حاله أن يخبر بما يجده من وجع أو ألم من غير شكوى للمخلوقين وأن يقول قدر الله وما شاء فعل، الحمد لله على كل حال }قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا{ فيرضى بقضاء الله ويصبر على ما قدره.
استحباب التداوي:
ويستحب للمسلم المريض أن يتداوى بالأدوية المباحة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا» رواه ابن ماجه والحاكم وصححه، غير أنه لا يجوز التداوي بالمحرم كالخمر والدخان والخنزير ونحوها لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» رواه الطبراني بإسناد صحيح.
ما يدعى به للمريض وما يدعو به:
قال الله تعالى:
1- }وقال ربكم ادعوني استجب لكم{ سورة غافر آية 60.
2- ومرض نبي الله أيوب عليه السلام فدعا الله تعالى فشفاه، قال تعالى: }وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر{.
([1]) انظر الوابل الصيب لابن القيم ص 6.
([2]) انظر رياض الصالحين للإمام النووي ص 27- 45 باب الصبر.
- وكان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يضع يده على المريض ويقول: «اللهم رب الناس اذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا» متفق عليه.
4- وقال للذي شكا إليه مرضا: «ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر». رواه مسلم.
5- وقال: «من عاد مريضًا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض»، رواه الترمذي وأبو داود وقال حديث حسن.
6- روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى فرقاه جبريل بقوله: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك([1]).
ما يجب على المريض:
1- ينبغي للمسلم إذا مرض أن يحسن الظن بالله تعالى في أنه سبحانه سوف يرحمه ولا يعذبه ويغفر له ولا يؤاخذه لأنه سبحانه واسع المغفرة ورحمته وسعت كل شيء ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني» متفق عليه([2]).
2- وينبغي أن يكون قلبه بين الخوف والرجاء يخاف عقاب الله على ذنوبه ويرجو رحمته، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان }الخوف والرجاء{ في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف» رواه الترمذي بإسناد حسن.
3- ومهما اشتد به المرض فلا يتمنى الموت لأن المسلم لا يزيده عمره إلا خيرًا فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لن من كل شر.
4- وإذا كان عليه حقوق للناس من ديون أو أمانات أو مظالم فليؤدها إلى أصحابها، أو يتحللهم منها إن تيسر له ذلك وإلا أوصى بها لتبرأ ذمته من حقوق الناس فإن مات ولم يفعل أخذوا من حسناته إن كان له حسنات وإلا أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في هذا المعنى.
5- ولا بد من الاستعجال بمثل هذه الوصية حتى للصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» رواه البخاري ومسلم.
6- وله أن يوصي بالثلث من ماله فأقل في أعمال البر وليس له الزيادة عليه لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الوصية بأكثر من الثلث: «الثلث والثلث كثير» متفق عليه.
7- ويحرم الإضرار في الوصية كأن يوصي بحرمان بعض الورثة من حقهم من الإرث أو يفضل بعضهم على بعض فيه، أو يوصي بدين ليس عليه أو يوصي لوارث، فلا وصية لوارث([3]).
8- وينبغي للمريض أن يشتغل بنفسه وما يعود عليه ثوابه فيحافظ على الفرائض ويردفها بنوافل العبادات وينبغي له استرضاء خصم وزوجة وجار وكل من بينه وبينه علاقة ويحافظ على الصلوات واجتناب النجاسات ويصبر على مشقة ذلك ويتعاهد نفسه بتقليم أظفاره وأخذ عانته ونحو ذلك ويعتمد على الله في كل شيء([4]).
9- ويجب على كل مسلم ويتأكد في حق المريض التوبة إلى الله من جميع الذنوب والسيئات فيترك المعاصي ويندم على ما كان منها ويعزم على عدم العودة إليها في المستقبل حتى تقبل توبته.
10- وينبغي له أن يكثر من تلاوة القرآن وذكر الله والدعاء والاستغفار والتسبيح والتهليل فإن الله تعالى يتوب على من تاب ويغفر لمن استغفر ويذكر من ذكره ويجيب من دعاه }وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون{ سورة الشورى آية 25.
الطهارة للمريض:
1- يجب على المريض إذا أراد الصلاة أن يتطهر بالماء فيتوضأ للحدث الأصغر كالغائط والبول والنوم ويغتسل من الحدث الأكبر كالجنابة والحيض في حق المرأة.
2- فإن كان لا يستطيع التطهر بالماء لعجزه أو خوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم.
3- كيفية التيمم أن ينوي ثم يسمي ويضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة فيمسح بها وجهه وكفيه.
4- إذا لم يجد أرضا يتيمم بها فلا بأس أن يوضع تراب في منديل أو إناء ويتيمم به.
5- إذا تيمم لصلاة وبقى على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى فإنه يصليها بالتيمم الأول ولا يعيد التيمم لأنه لم يزل على طهارته ولم يوجد ما يبطلها.
6- يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر فإن لم يستطع صلى على ما هو عليه وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
7- يجب على المريض أن يطهر ثيابه من النجاسات أو يخلعها ويلبس ثيابا طاهرة فإن لم يجد غيرها أو لم يستطع خلعها صلى على حسب حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
8- يجب على المريض أن يصلي على شيء طاهر فإن كان على فراش نجس غسله أو أبدله بفراش طاهر أو فرش عليه شيئا طاهرا فإن لم يستطع صلى على ما هو عليه وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه}لا يكلف الله نفسا إلا وسعها{.
9- إذا كان على شيء من أعضاء الوضوء جبيرة أو جبس أو لصقة مسح عليها في الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر حتى تنزع أو يبرأ ما تحتها ([5]).
([1]) انظر رياض الصالحين ص 434.
([2]) انظر منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص 269-271.
([3]) انظر أحكام الجنائز وبدعها للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ص 3-7.
([4]) انظر كشاف القناع عن متن الإقناع للشيخ منصور البهرتي ج 2 ص 80.
([5]) انظر رسالة الصلاة والطهارة لأهل الأعذار للشيخ محمد الصالح العثيمين.
الصلاة
1- الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل غير المرأة الحائض والنفساء أيام الحيض والنفاس.
2- وتجب على كل حال في الصحة والمرض والإقامة والسفر والأمن والخوف على قدر الاستطاعة }فاتقوا الله ما استطعتم{ سورة التغابن آية 16.
3- ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتًا بل يصلي المريض على حسب حاله لقول الله تعالى: }واعبد ربك حتى يأتيك اليقين{ أي حتى تموت، والصلاة أم العبادات.
4- ومن الملاحظ أن بعض الناس إذا مرض يترك الصلاة وفي هذا خطر عظيم عليه لأنه لو مات في مرضه لقي الله عاصيا بترك الصلاة التي هي عماد الدين والصلة برب العالمين.
5- يجب على المريض أن يصلي صلاة الفريضة قائمًا ولو منحنيا أو معتمدًا على جدار أو عمود أو عصا.
6- فإن كان لا يستطيع الصلاة قائما صلى جالسًا.
7- فإن كان لا يستطيع الصلاة جالسًا صلَّى على جنبه متوجها إلى القبلة والجنب الأيمن أفضل من الجنب الأيسر فإن لم يتمكن من التوجه إلى القبلة صلى حيث كان اتجاهه ولا إعادة عليه.
8- فإن كان لا يستطيع الصلاة على جنبه صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة والأفضل أن يرفع رأسه قليلا ليتجه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى حيث كانتا ولا إعادة عليه.
قال صلى الله عليه وسلم: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك» رواه البخاري وغيره زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيًا لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها..
9- يجب على المريض أن يركع ويسجد فإن لم يستطع أومأ برأسه للركوع والسجود ويجعل السجود أخفض من الركوع.
10- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه في الركوع والسجود أومأ بعينه واستحضر الفعل بقلبه، وأما الإشارة بالإصبع الذي يفعله بعض المرضى فلا أصل له.
11- ولا ينقص أجر المريض إذا صلى على حسب حاله عن أجر الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا» رواه أحمد والبخاري.
12- ويجوز للمريض الصلاة مستلقيا على ظهره مع القدرة على القيام لمداواة عينيه أو غيرهما بأمر طبيب مسلم ثقة وله الفطر في رمضان إذا قرر الطبيب أن الصوم يزيد في مرضه.
13- يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها بحسب استطاعته ولا يجوز له تأخيرها عن وقتها.
14- فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير فيفعل الأرفق به والمتيسر عليه }يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر{ [البقرة: 185].
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين([1]).
([1]) انظر رسالة الصلاة والطهارة لأهل الأعذار للشيخ محمد الصالح العثيمين.
ساحة النقاش