إذا لم يمتلك كل من يمتشق القلم ، العمق الإيماني بالرسالة
السامية التي تؤديها الكلمة فمثله كمثل الجاهل الذي لا يعرف
كيف يستخدم السلاح الذي
بيده فيصوبه يمنة ويسرة لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين.
إجادة الكتابة لا تعني بالضرورة المقدرة على توظيف الكلمة
للمصلحة العامة لأن المعرفة الغير مؤسسة على الإيمان بالقيم
الإنسانية تصبح خطر على
المجتمع والإنسانية معاً ولا فرق بينها وبين أي سلاح فتاك يستخدم للإضرار
بالآخرين إذا لم تحصنها المبادئ والأخلاق والضمائر ، لذا فالاشتغال
بالكلمة يعتبر من أخطر الأعمال على الإطلاق.
لذلك نجد أن الكلمة ملازمة لكل التطورات الإنسانية وفي كل المجالات
الحيوية كوسيلة لنقل المعرفة وصقل القدرات العقلية والارتقاء بمفاهيمها
لخدمة الإنسان. بيد أن المعرفة كمصطلح مجرد من المفاهيم والقيم الإنسانية
يمكن أن تحمل نتائج سلبية إلى درجة كبيرة تصل إلى مرحلة الهدم لكل
الأشياء النافعة.
صحيح أنه ينبغي أن تكون حرية الرأي والتعبير والصحافة والكتابة مكفولة
ومحمية بنصوص القوانين والدساتير كما هو موجود في أدبيات معظم دول العالم
ولذا فان هذه الحرية لابد أن تحصنها المعرفة الإيمانية بالتزام الكلمة
الصادقة أياً كانت طالما أنها نابعة فعلأ من الضمير الإنساني لكاتبها
وقناعاته وأفكاره المبنية على الأصول المعرفية التي ترتقي بالإنسان
بالإضافة إلى قدرته على التراجع عنها في أي لحظة في حالة إكتشاف خطأه.
لذلك نجد أن الكلمة لفاعليتها وقوتها تستخدم في الحروب وتعمل كرديف لا
غنى عنها للأطراف المتحاربة بحسب إجادة وتمكن كل طرف منها وتوظيفها في
ساحة المعارك ، فإما أن يكون مطيتها الصدق وكشف الحقيقة أو الكذب
والتضليل. الكلمة بإختصار مسؤولية وأمانه عظيمة تقع على عاتق كاتبها
لأنها بعد أن تنطلق تؤثر في المحيط البشري الذي تصل إليه وتغير من
سلوكياته وطموحاته وأهدافه إما سلباً أو إيجاباً.
بالتأمل إلى ما سبق وإلقاء نظرة عامة وسريعة وصادقة على المشهد اليمني
نجد بأن الكلمة إجمالاً لم تقدم شئياً أيجابياُ بما يكفي خلال السنوات
الماضية بل أن الكلمة الهابطة كانت الطاغية على مشهد التحولات السلبية
التي نعاني منها اليوم لأنها لم تستطع إنتشاله من بيئة التخلف الفكري
الذي يعاني منه بل كرست تخلفه فوق ما كان. والأدلة على ذلك كثيرة ولا
تحتاج إلى ذكاء أو فطنة لمعرفتها أو حتى التحدث عنها لأن مظاهرها من فساد
وحروب وعبث إداري ومالي وبيئي وأخلاقي واضحة وضوح الشمس أمام الجميع وهي
تتحدث عن نفسها في أي مكان يجول المرء فيه عينيه.
ولاشك أن حملة الأقلام والكتاب والمفكرين الشرفاء قد حاولوا أن يمارسوا
مهنة الكلمة بما استطاعوا في مثل هذه الظروف الكارثية لكنها مع ذلك أصبحت
تباع على أبواب السلطة والمسئولين الكبار والمشايخ وتجار الحروب وغيرهم
مما جعل القيمة المعنوية والإنسانية تنخفض سعرها في أسواق المزاد فأصبحت
سلعة تافهة يمكن شرائها من أي سوق وبأبخس الأثمان وأنسحب ذلك على كل شيء
في اليمن. ألإنسان أصبح رخيصاً يخطتف ويسجن ويقتل دون السؤال عليه ،
والوطن بات أرخص يباع وتقطع أوصاله دون الإحساس بأهميته ، والسيادة تسحق
دون أن يأسف عليها أو تتنكف كلمة صادقة بقول الحق. وآسفاه لقد أصبحنا
كلنا في المزاد فمن يشتري؟
ساحة النقاش