<!--<!--<!--
تائية الإمام الغزالي
بنور تجلى وجهه قدسك دهشتي = وفيك على أن لا خفا بك حيرتي
فيا أقرب الأشياء من كل نظرة = لأبعد شيء أنت عن كل رؤية
ظهرت فلما أن بهرت تجليا = بطنت بطونا كاد يقضي بردتي
فأوقعت بين العقل والحس عندما = خفيت خلافا لا يزول بصلحة
إذا ما ادعى عقل وجودك منكرا = على الحس ما ينفيه قال له اثبت
وذلك أن الحس ينفيك صورة = يراها ويرضى العقل فيك بحجة
فمن هاهنا منشأ الخلاف ويصعب = الوفاق بخلف في اقتضاء الجبلة
فان قلت لم ابصرك في كل صورة = أراها أحالت ذاك عين بصيرتي
وان قلت إني مبصر لك انكرت = مقالي ولم تشهد بذلك مقلتي
تجليت مني في حتى ظهرت لي = خفيت خفاء دق عن كل فكرة
على أنه لم يبق لي جبل رأى = تجليك لي إلا ودك بصعقة
وناجيتني في السر مني فأصبحت = وقد طويت عما سواك طويتي
فما في فضل عنك يخطر فيه لي = سواك فوقتي فيك غير موقت
وديعة روح القدس نفسك ردها = فمن واجبات العقل رد الوديعة
وما ردها إلا بتكميلها بما = يليق بها من كسب كل فضيلة
فمهما تجلت من كدورات عالم = الطبيعة شفت جوهرا وتجلت
نصحتك جهدي ان قبلت فلا تكن = على حكم غش حاملا لنصيحة
وغاية مقدوري فقلت وانما = قبولك مما ليس في وسع قدرتي
وهل ممكن اسعاد من كان قد جرى = له قلم في اللوح يوما بشقوة
يظن الفتى لذات دنياه نعمة = وما هي إلا نقمة في الحقيقة
ويبلغ منه الجهل ما ليس يبلغ ال = عدو بحد السيف عند الحظيظة
ونفسك فاحفظها وصنها فانما = سعادتها في فعل كل مشقة
وخالف هواها ما استطعت فانه = عدو لها يبغي لها كل نكبة
لعمري لقد انذرت انذار مشفق = وجاوزت في الايضاح حد الوصية
فقم واسع وانهض واجتهد وابغ مطلقا = بداك على ما فيك شر صنيعة
فانك من نور مضيء وظلمة = بما فيك من جسم ونفس نفيسة
تسوس الحياة الجسم وهي مسوسة = بما فيك من أسرار علم مصونة
فشيطان رجم أنت أو ملك بما = تعانيه من فعل قبيح وعفة
ألا ان لي بالنفس مني شاغلا = به تم لي ما دمت من ملكية
جلت شبهة الأعراض عني بديهة = توقد كالمصباح في جوهريتي
رأيت بها النور الالهي لائحا = وراء ستور للأمور دقيقة
فحققت ما قد كنت فيه مشككا = وعاينت ما قد كان في سر خفية
وأدركت ما المقصود من بدأتي وما ال = مراد باحيائي وموتي ورجعتي
بمرآة نفس لاح لي في صقالها ال = مقابل للكونين كل حقيقة
ولم يبق عندي ريبة في الذي استرا = ب منه اناس في أمور كثيرة
فألقت عصاها النفس مني وأيقنت = بأن سفرت عن وجه نجعي سفرتي
يدل على ما قلته حالة الكرى = إذا ركد الاحساس منك برقدة
وقابل لوح الغيب للنفس مثلما = تقابل مرآة باخرى صقيلة
فيطبع ما في اللوح في النفس فهي من = هناك بعلم الغيب نسخة نسختي
ولو أمكن التجريد في كل يقظة = لشاهدت لا في النوم كل عجيبة
وما هو عند الله مثل لآدم = ولا ذنب ذا من ذنب ذاك بنسبة
ويطمع جهلا أن سيدخل جنة = ويغبط فيها نفسه كل غبطة
خلافا لما يعطي القياس ولم يقم = له العقل لولا النقل برهان حجة
أيخرج منها آدما إثم زلة = ويدخل هذا فعله كل زلة
وكيف ترى يقضي الكريم بهفوة = ويدني اللئيم النذل مع كل ورطة
ولولا حديث في الشفاعة قد أتى = وتأويل آيات لايناس وحشة
لما طمعت نفس تفوز بجنة = إذا لم تكن من كل اثم تبرت
ومع ذا اختلاف الناس في ذاك ظاهر = تقام عليه واضحات الأدلة
وإذ كان قد صح الخلاف فواجب = على كل ذي عقل لزوم التقية
وترك الأماني الخوادع بعد أن = رأى بأبيه آدم كل عبرة
ولو كان لا يجزي مسيء بفعله = ولا محسن ضاعت أمور البرية
وما كان في الأحياء والموت حكمة = وكان محالا حكم كل شريعة
ومستبعد إحياؤنا ومماتنا = سدى لا لمعنى فيه سر مشية
أيحسن أن تبنى قصور مشيدة = بأحسن أوضاع وأجمل بنية
وتهدم عدما لا لمعنى وانه = ليقبح هذا في العقول السليمة
وذلك شيء فعله عبث وما = يدبر هذا الكون بالعبثية
فلم يبق إلا أن يدبر أمره = حليم محيط العلم عدل الحكومة
فما شقيت نفس أطاعته رهبة = وماسعدت نفس عصته لرغبة
ولكن بنور العلم تسلم هذه = وتعطب جهلا تيك أقبح عطبة
فيا عجبا ممن يروم لنفسه = خلاصا ولم يرغب بها عن جريرة
ومن تائب من ذلة لا ترى له = دموع كأفواه الغمام المكبة
ومن مخبر لا يعجز الله قدره = عليه ولا يخشى بوادر نقمة
ومن أشرقت أنوار مرآة عقله = على ظلمات الطبع منه تجلت
وثبت غرس العقل في القلب مثمرا = لباغي الحيا استقباح كل رذيلة
وما وصلت نفس إلى عالم الصفا = بما دون تحصيل العلوم الجلية
وتمييزها عن نوعها بمعارف = يروجها في عالم البشرية
وقد يملأ القطر الاناء فيمتلي = به الماء حتى لا مزيد لقطرة
فاخرجتني عني بادخال محنة = واوحشتني مني بأنس محبة
وأسقيتني من خمر حبك شربة = خماري بها باق إلى يوم بعثتي
محاني بها سكري وأثبتني معا = فأعجب شيء أن ما حي مثبتي
وأقر بتني من رمز طرسي أسطرا = فتمت بها تفصيل عقدك جملتي
وأقررتني مني علي بأنني = صحيفة سر طيها فيه نشرتي
وأفشيت بي سري إلي فأصبحت = وقد أعربت إذ أفصحت عنه عجمتي
وأفهمتني مني بأن ليس موطني = مكانا به في عالم الحس نشأتي
فأبهمت ما أفهمت إذ ليس مدرك = لذلك إلا من خصصت بحكمة
ومن ذا الذي خصصت منك بحكمة = ولم تك قد عممت منك برحمة
فكم اظهرت تلك الاشارات خافيا = وان عزبت عن فهم قوم ودقت
وما لاح ذاك البرق الا ليهتدي = به الركب لكن ظلمة الجهل أعمت
لقد سمع الواعي وقل الذي وعي = لسكر به أهوى أصمت فأصمت
وكم لك داع منك فيك مبصر = لعقلك لكن لست تصغي لدعوة
وكل مريض الجسم يمكن برؤه = ويعجز أن يشفى مريض البديهة
ويستبعد الجهال كونا بموطن = إذا كان لا في جنب منبت شعبة
ولو علموا ما عالم العقل منهم = وأنهم بالحس في دار غربة
إذا ولد المولود سروا بفرحة = ومن حقه أن يبدلوها بترحة
ويبكونه عند الممات جهالة = ومن حقه إظهار كل مسرة
ولم يعلموا أن الولادة غربة = أبيحت له عن خير دار وأسرة
وموتته عود له نحو أهله = وأوطانه الأصلية المستلذة
وأعجب من هذا مقال جميعهم = ترى عابدي الأوثان أجهل أمة
وما عظم الأوثان من كان قبلهم = كتعظيم أجسام لهم مضمحلة
فكل غدا معبوده الجسم فاستووا = ولكنهم لم يستووا عند نية
فقد وقعوا مع علمهم في ضلالة = إذا اعتبرت أربت على كل ضلة
فياليت شعري كيف صمت عقولهم = وداعيك فيهم مسمع كل فطنة
وكل فعال لم أكن متقربا = إلي به أعظمت فيه خطيتي
فقربي به بعد وربحي خسارة = وعزي به ذل ونفعي مضرتي
لأني فيه قمت غير موجه = لدى فعله وجهي إلى وجه وجهتي
فدنت بأمر حرمته شريعتي = واحييت حكما قد أماتته سنتي
فكانت بتركي في مناهيه غفلتي = نهاية تأديبي وفرط عقوبتي
تشتت عقلي فيك بعد تجمع = كما اجتمعت بلواي بعد تشتت
هوى فيك لي لا منتهى لامتداده = لدي ولا منه خلاص بسلوة
ازيد بلى إذ يستجد ولم يكن = بتجديد صبري فيه أبلى بليتي
يعيد ويبدي أولا منه آخر = فقد شف جسمي سر عود وبدأة
ألا لا تلمني إن شطحت فانه = قليل لسكر حل بي منك شطحتي
ولا تنهني إن تهت سكرا معربدا = فأنت الذي استحسنت فيك هتيكتي
ولا تلح إن غنيت فيك تطربا = فلو وجدت وجدي الجبال لغنت
ومن عجب حمل الجبال هوى به = طلعت وعن حملي قديما تأبت
فمن قيس ليلى العامرية في الهوى = ومن قيس لبنى أو كثير عزة
إذا تليت آيات ذكري فقابل ال = مجنون ذكري بالسجود لحرمتي
وأوجب كل منهم الوقف عندها = وسلم أن لا قصة مثل قصتي
فمن فضل كاسي شرب غيري ولم يكن = يقاس بسكري سكر شارب فضلتي
يبلبل بالي لا لنوح حمامة = وينهل دمعي لا لإيماض برقة
ولو كنت محتاجا للتنمم باعث = يحرك أشجاني لبانت نقيصتي
ولكنني مني وفي نواعش = تحركني في كل سر وجهرة
فلا رقدة تغدو علي بفترة = ولا يقظة تغدو علي بغفلة
فمن يشك يوما في هواه فانني = لي الشكر أولى في الهوى من شكيتي
تسترت جهدي في هواك وطاقتي = فلما منعت الصبر أبديت صفحتي
فاعلنت ما أسررت فيك فلم يكن = بقول ولا فعل سواك فضيحتي
فما لاشتياقي في افتضاحي مدخل = ولا لدموع فيك لي مستهلة
وقد كان لي في الصبر ستر على الهوى = بهتكك ستر الصبر أظهرت عورتي
فلا مذهب في الحب يشبه مذهبي = ولا ملة فيه تقاس بملتي
يكل لساني عن صفاتي وانما = يعبر عني أنني ذات وحدة
فكل نعيم دون وصلي شقوة = وكل ملذ مؤلم عند لذتي
وكل سبيل ليس يفضي سلوكه = إلي فقد أفضى إلى كل خيبة
ولولا هوى لي فيك يحملني على = حنوي لم أعهد اليك بلفظة
وكنت إذا زلت بك النعل هاويا = أقول ألا فاذهب إلى حيث ألقت
ولكن ما ينجيك ينجي هويتي = كما أن ما يؤذيك نفس أذيتي
وهل أنا إلا أنت ذاتا ووحدة = وهل أنت إلا نفس عين هويتي
ولولا اعتبار الجسم بالنسبة التي = اليه له ما صح عني سيرتي
ولست بذي شكل فيوجب كثرة = لذاتي ولا جزءا فتمكن قسمتي
ويوقع ما بيني وبينك نسبة = يظن بها غيري لموضع شبهة
واني لم اهبط إلى الأرض يبتغي = بذلك وضعي بل هبوطي ورفعتي
وتقرير هذا ان دعيت خليفة = وما كنت ادعى قبل ذا بخليفة
وصير ملكي عالم الجسم محنة = لغاية تدبيري ومبلغ حكمتي
فان أنا أحسنت الولاية احسنت = إلى العالم العلوي عودي وعزلتي
وعاينت مالا عاينت مقلة ولا = أحاطت به أذن وعت حس سمعة
وآثرت لذاتي ونيل مآربي = واتبعت نفسي كل شيء أحبت
سددت على نفسي سبيل تخلصي = إلى الملأ الأعلى الذي هو نزهتي
وأوقعتها في أسر من لا يرى لها = مكانا ولا يحنو عليها بعطفه
فلا ندم يجزي ولا حسرة يرى = بها فرج يرجى لكشف لشدة
فياويح نفس آثرت طيب زائل = على طيب باق لا يحد بمدة
يموت الفتى بالجهل من قبل موته = ويحيى بروح العلم من بعد ميتة
فما مات حي العلم يوما ولم يكن = بحي ممات الجهل مقدار لحظة
وأنظر أحوال الرجال وقوفهم = على برزخ ما بين نار وجنة
فاما إلى آلام نفس خبيئة = وإما إلى لذات نفس نفيسة
فآلام تلك الترك في دار غربة = ولذات هذا العود من بعد غربة
وهل حسرة في النفس أعظم غصة = من البعد عن أهل ودار وجيرة
كما أنه لا شيء أعظم لذة = لذي غربة من ملتقى بعد فرقة
كأني لم أحجب بها وكأنما = هي احتجبت بي فازدهى الناس عشقتي
وغودرت لا يثني على حسن فعلي ال = جميل ولا يلوي على حسن طلعتي
ولو قايسوا بالحسن بيني وبينها = لكانت لديهم لاتسام بحبه
وشق القلوب الجاهلات التي بها = محبتها قالت بهم عن محبتي
وما ذاك شيء يسقط العذر لامرىء = أطاع الهوى وانقاد عبدا لشهوة
وهل نافع شق الفؤاد ندامة = لذي قدم زلت ولم تتثبت
فكيف يليق الوصل مني لمؤثر = على طيب وصل وصل من هي عبدتي
اذا رضيت عنه يهون عليه في = رضاها وأدنى ذاك تسهيل غصة
على انها اعدا عداه ترتبت = له حيلة منها لإمكان فرصة
فهام بها عشقا وآثر وصلها = فزل فنادته إلى الف لعنة
ولولا الشقا والجهل ما آثر العدى = رضاها وجانب طيب وصل الأحبة
وهل أمني بالفضل مثلي وانما = بمثل طباع السوء نحو الدنية
وتأبى الطباع الفاضلات ارتكابها = الأمور التي تفضي إلى حط رتبة
فكم حسرات في نفوس يثيرها = بعادي إذا ما العيس للبين ذمت
وكم عبرة تجري علي تأسفا = وقد فات مالا يسترد بعبرة
وكم قارع سنا علي ندامة = وآخر مكوي بنيران حسرة
وكم أنة تغدو علي ورنة = بروح إذا ما استشعر القوم فرقتي
وهل هاجري وجدا بغيري بالغ = رضاي لصب طالب دار هجرة
لشتان ما بين المقامين انما = المبرز من لا همه غير عشرتي
ألم تر أني منتهى قصد مبدعي = ولم تبدع الأشياء الا لخدمتي
وان لإكرامي وتعظيم حرمتي = أشار إلى الأملاك نحوي بسجدة
وصير ما في عالم الكون كله = بحكم إرادتي وطوع مشيتي
فإن كنت في وصل دعيت فلا تمل = إلى وصل غيري واغتنم وصل صحبتي
وخذ جانبا من رفقة بك وكلوا = ببعدك عن وصلي واثبات جفوتي
فعند ارتفاع الحجب ما بيننا ترى = محاسن وجه الغانيات وبهجتي
ولا عجنت الا بحبك طينتي = ولا لهجت إلا بذكرك لهجتي
وردت ورود الهيم فيك من الهوى = شريعة حب هيجت لي غلتي
ولا عجب ان هيجت لي غلة = فما تلك عندي منك أول محنة
إذا كان بي أمر أرى فيه لي أذى = رضاك فما أحلاه في قلب ذلتي
لذلك ما أرضاك مني فعلته = ولو غضبت منه كرام عشيرتي
وما بعت فيك النفس إلا لعل إن = أفوز بوصل منك تربح صفقتي
فان أنت أمضيت التبايع بيننا = فبعت وان لم تمض أكسدت سلعتي
وما قدر نفس لي لديك حقيرة = فأجعلها مهرا لأشرف وصلة
ولكن مقل بادل فيك جهده = أحق بوصل من أخي كل ثروة
توحشت من أبناء نوعي ولم يكن = لشيء سوى أنسي بقربك وحشتي
تغربت عن أهلي اليك وإنني = ليعذب لي في طيب أنسك غربتي
فكم خلوة قد فزت فيها بجلوة = خرجت بها عني اليك بفرحة
وطلقت فيها عالم الحس بتة = لتعلم أني لا أقول برجعة
وفارقت أوطاني وأهلي وجيرتي = لتعلم أني باذل فيك مهجتي
ولولا دخولي في رضاك بكل ما اس = تطعت لعزت فيك عني خرجتي
وكان بودي لوقبلت تقربي = اليك ولكن لست أهلا لقربة
وهل انا إلا نطفة من سلالة = لطين وما مقدار قيمة نطفة
لعمري لقد حاولت أمرا مرامه = عزيز ولكن انت أهل العطية
وليس اعترافي باتضاعي بمانعي = سؤالك أمرا دونه قدر قيمتي
وليس على قدري سؤال فانني = أرى أن قدري دون مقدار ذرة
ولكن على مقدار احسانك الذي = عممت به تخصيص كوني بخلقتي
ولا أنا ممن يخجل الطرد وجهه = فيأنف من عود مخافة طردة
على كل حال ليس لي عنك مذهب = فيصرفني عن جعل بابك قبلتي
فما شئت فاصنع وارض عني فانني = أرى كل صنع منك اسباغ نعمة
كفاني اعترافي باقترافي توبة = وحسبي رضا عني قبولك توبتي
وهل أنا إلا دوحة قد غرستها = فإن لم يصبها وابل منك جفت
إذا حصلت لي كيف ما كان نسبة = اليك فلا أخشى ضياعا لنسبتي
فياحيرتي كم حيرة فيك لي غدت = مخصصة بي ما به منك عمت
وكم نعمة اسبغت من سر حكمة = أنرت بها من ناطق كل ظلمتي
وأحييت مني ما أماتت جهالتي = حياة محال أن تحال بموتتي
ومن حييت من موتة الجهل نفسه = بعلم نجت من قطع كل منية
وكم موجة من بحر علم أثرتها = لدي بريح منك أجرت سفينتي
فمرت تشق الكون حين مهبها = ملححة حتى أفادت معيتي
وأدركت معنى آخرا دق فهمه = أريد بوضع الصورة الالفية
ومن لم يحط علما بمعنى وصورة = له فبصير العين أعمى البصيرة
فزرع ولكن لم يفد حصد حبه = ومخض ولكن لم يفد مخض زبدة
إذا جهل الإنسان تحقيق أمره = فكيف بتحقيق الأمور الغريبة
فيا عجبا للمرء يجهل نفسه = ويطمع في فهم المعاني البعيدة
وما ناهض بالنفس يزداد رتبة = من العلم تسميها كوان مفوت
وما موقظ من رقدة الجهل عقله = لتحصيله تكميلها مثل ميت
إذا كملت نفس الفتى بصفاته ال = جميلة من قول وفعل ترقت
وأصبح يدعى عالم العقل عالما = لها وتخطت نفسه كل خطة
وبالعلم بالنفس النفيسة يدرك ال = محصل فهم العلة الأولية
ومن لم يحط علما بذاك فإنه = وإن كان حيا حكمه حكم ميت
وما الحي عند العقل من كان غالبا = على نفسه حكم القوى البدنية
ولكنه من شرفت قدره على = بني نوعه أوصاف نفس زكية
ففي العالم العلوي ذا ملك وذا = لدى العالم السفلي شيطان جنة
وما اختلفا بالنوع حتى يظن ما = به اختلفا فعلا لخلق الغريزة
وكل أبوه آدم ويخص ذا = لذا خص ذا من سر معنى النبوة
ومن أعجب الأشياء فرعا أرومة = وما اتحدا بالطبع في الثمرية
بأي لسان أوثر الشكر مثنيا = عليك بما أوليتني من فضيلة
وأكملت من عقلي ووصفي وصورتي = وفهمي وأحشائي وحولي وقوتي
وصفحك عني إن عصيت تكرما = ووعدك لي عن طاعتي بالمثوبة
وهل ممكن إحصاء ذرات كلما = على الأرض من كثبان رمل مهيلة
وإحصاء ما في البحر من كل قطرة = بحيث يحيط المحصي منها بعدة
وذلك أمر مستحيل وكلما اس = تحال فمنفي لحكم الضرورة
وما كل هذا لو أتيت بضعفه = من الشكر أدنى شكرا أصغر حبة
فكيف بشكري كل عضو وقوة = جعلت لنفعي عند تأليف بنيتي
وشكر التي قد حجبت بي وانها = لأظهر لي من نور شمس تبدت
بعيدة أطلال الديار قريبة = وأعجب شيء بعد دار قريبة
بها مثل ما بي من هواها وعندها = من الود ما ليس دون مودتي
وقد أدركتها رقة لي أطمعت = بنيل المنى لولا مخافة وفقتي
وقلت لها مني علي بنظرة = أنال بها من حسن وجهك منيتي
ألم تعلمي ما حل بي منك من جوى = وكابدت من أشجان قلب ولوعة
فان الجبال الشم وهي رواسخ = لو احتملت بعض الذي بي لدكت
فأحزان قلبي لا تجود بسلوة = واجفان عيني لا تسح بدمعة
ولولا حنيني لم تحن مطية = ولولا نواحي لم تنح ورق أيكة
ولولا خطابي لم يقع عين عابد = علي لما مني الصبابة أبلت
فلا ماء إلا بعض فيض مدامعي = ولا نار إلا دون أنفاس زفرتي
فقالت بعيني ما لقيت وانه = ليؤلم قلبي أن تشاك بشوكة
واني على ما في من صلف البها = لراغبة في الوصل أعظم رغبة
ولكن وشاة السوء فيك كثيرة = وليست مع الواشين تمكن رؤيتي
وانت فمغرى بالحسان وانني = لأكره ما بي أن أرى وجه ضرتي
ومن لم يصني صنت وجهي ببرقع = وصور فيه صورة دون صورتي
ليمتحن الخطاب لي إذ يرونها = أيلهون عني أم يتمنون خطبتي
وماهي إلا عبدة لي جميلة = تظن وما افعالها بجميلة
فما كان إلا ان رأى الناس وجهها = فهاموا بها في فج وجه ووجهة
ويعلم ما قد كان بالأمس والذي = يكون غدا أوكائن بعد برهة
ويخبر بالأمر المغيب مثل ما = يخبر عن ما كان منك بحضرة
ويعلم ما مفهوم معنى معبر = لسامعه عنه بوحي النبوة
وما الوحي إلا خلع نفس قوية = ملابس إحساس على العقل غطت
وأنى لها نحو المحيط بذاتها = على عالم العقل الذي عنه شبت
وإدراك ما يلقى اليها هناك من = إشارات رمز للعقول دقيقة
وإفهام أفهام النفوس لطائف ال = معاني التي في ذاتها قد تهيت
وما أطرب الأرواح منا لدى الفنا = سوى نغمات أدركتها قديمة
وذلك أن النفس قبل اتصالها = بتدبيرها الجسم الذي قد تولت
وعى سمعها من طيب ألحان نغمة = ينغمها الأفلاك أعظم لذة
إذا أقبلت اجرامها باصطكاكها = يرجعها في قطعها كل ذروة
وشذت لبعد العهد عنها فلم تكن = تذكرها إلا بتجديد نغمة
فلما أحست بالسماع بمثلها = تذكرت العهد القديم فحنت
وحاولت التجريد عن عالم الفنا = إلى العالم الباقي الذي عنه شذ
فجاذبها الجسم الزمام وأقبلت = تجاذب فاهتزت لذاك برقصة
ولا شك في أن العقول محيلة ال = مسامع والأبصار للحس رنت
فإن لم يكن في عالم العقل ما يرى = ويسمع كانت تلك غير مفيدة
وذلك تعطيل وليس بحكمة = يعطلها عماله قد أعدت
وقد يطرب الدولاب عند حنينه = فكيف حنين النغمة الفلكية
وناهيك أن الطفل عند بكائه = يغنى فيغشاه سكينة سكتة
ويذهل عما كان فيه من الأذى = وتبدو لنا منه مخايل طربة
ولولا ادكار النفس منه لدى الغنى = عهودا قديمات لها ما استلذت
وقد تطرب العجماء عند استماعها ال = غناء وتنسى عنده كل غمة
وإلا فما بال المطي إذا ونت = عن السير هيجت في الفلاء بحدوة
فتصغي إلى الحادي بأسماعها كما = يكون استماع العاقل المتنصت
وتوسع مد الخطو حتى كأنها = سفائن بحر مقلعات بلجة
ويرتاح بعض الطير عند سماعه = تجاوب أوتار إذا هي خشت
وما ذاك إلا أن أفلاكها على = مراكزها لما استدارت فعنت
فصارت بحكم الطبع تشتاق ما به = يخصصها من دون كل مصوت
فلا تحسب الأشياء مهملة كما = توهم أصحاب العقول الضعيفة
وللحوت بل للدود في العود بل لما = سوى ذاك أفلاك عليها أديرت
وفيها لها آفاق جو فسيحة = عليها نراها نحن غير فسيحة
فما خص نوع لا يتم سواه من = مراكز أفلاك وأوضاع هيئة
وكل له عقل يسدده إلى = مقاصد أفعال وترك شديدة
وما النحل في أوضاعها لبيوتها = مسدسة من حكمة بخلية
وقد يعجز المرء المهندس وضعها = بآلاته الحكمية الهندسية
وجعل لعاب العنكبوت لصيده ال = ذباب شباكا ليس إلا لخبرة
ويفهم بعض الذر مقصود بعضه = بقوة إدراك لنفس زكية
وحسبك الف النوع بالنوع شاهد = بمعرفة في طبعه مستحثة
فإن ازدواج الشكل بالشكل مشعر = بقوة تمييز وصحة فطرة
ولو لم يكن إلا تفاهمها إذا = تناغت بأصوات لها أعجمية
لكان لنا فيه دليل يدلنا = على ان ذا لا عن نفوس بليدة
فمن ظن شيئا غير هذا فإنه = لتقصيره عن فكرة مستقيمة
وقد شهد الذكر الحكيم بأنها = مسبحة والذكر أعظم حجة
وهل يصدق التسبيح من غير عاقل = ولكن عيون الجهل غير بصيرة
تأمل صلاة الشمس عند وقوفها = لدى الظهر في وسط السماء بخشية
وإثباتها وقت الزوال بركعة = وإتمامها عند الغروب بسجدة
كذا جملة الأفلاك راكعة بما = جرت سجدة لله في كل طرفة
وماذا الذي أعمى عيون قلوبهم = ونورك فيهم مستطير الأشعة
لقد عظمت تلك الرزية موقعا = لدى كل ذي عقل سليم وجلت
أرى كل ذي سكر سيصحو من الهوى = سواي فصحوي فيك علة سكرتي
فما اتفقت لي مذ عرفتك خلوة = بنفسي إلا همت فيك بجلوة
ولا عرضت لي في دجى الفكر هجمة = فأغفيت الا فزت فيك بيقظة
ولا استغرقتني في المحاسن بهتة = فثارت بحسن غير حسنك بهتتي
ولا سنحت في باطن القلب خشية = فكانت لشيء غير هجرك خشيتي
ولا خضعت نفسي لأمر ترومه = فكانت لشيء غير وصلك خضعتي
ولا استقبلتني من جنابك نفحة = اسرت حديثا عنك الا وسرت
وأصغي إلى تحصيله في مسامع ال = مشاعر مني كل منبت شعرة
وأحسست في نفسي بلطف دبيب ما = سقت من حميا الحب لما تمشت
وهل شارب كأسا من الحب جاهل = بما أحدثت في عقله حين دبت
فقد حقق الدعوى القياس واين من = كثافة جسم الخمر لطف المحبة
إذا غبت عني كنت عندك حاضرا = ومن عجب ان غيبتي فيك حضرتي
فيا باطنا القاه في كل ظاهر = ويا أولا ما زال آخر فكرتي
تشابه اعلاني وسري ومشهدي = وغيبي وستري في هواك وشهرتي
تجمعت الأضداد في ولم يكن = بمستغرب لي في الهوى كل بدعة
فنوعي في شخصي لأني نتيجة = لشكل قياس عن ضروب عقيمة
ملأت جهاتي الست منك فأنت لي = محيط وأيضا أنت مركز نقطتي
فصرت إذا وجهت وجهي مصليا = فرايض أوقاتي فنفسي كعبتي
فصار صيامي لي ونسكي وطاعتي = ونحري وتعريفي وحجي وعمرتي
وحولي طوافي واجب وخلاله اس = تلامي لركني من مناسك حجتي
وذكري وتسبيحي وحمدي وقربتي = لنفسي وتقديسي وصفو سريرتي
ولو هم مني خاطر بالتفاتة = لما كان لي إلا إلي تلفتي
ولو لم أؤد الفرض مني إلي لم = يصح بوجه لي ولم تبر ذمتي
وكنت على أني أوحد ظاهرا = ففي باطني قد دنت بالثنوية
كذا من يكن قد صح عقد وداده = ولم يتهم يوما بسقم عقيدة
وينفي اتصال النفس بالعقل واقفا = على حس ما في عالم الحس أبلت
فإن قهرت فيه قوى الجسم ألحقت = بعالمها مملوة بالمسرة
وإن قهرت فيه قوى النفس لم تصل = اليه طوال الدهر يوما بحيلة
وتبقى كما قد جاء تهوى وليتها = هوت ماهوت ثم ارعوت واستقرت
ولكنها تبقى بنيران حسرة ال = بعاد تقاسي ضيق أغلال كربة
مذبذبة لا عالم العقل أدركت = ولا عالم الأجسام فيه تبقت
فترجع إلى أحدى الحنين حنينها = إلى عالم العقل الذي عنه صدت
وهيهات أن يطوى لسير حنينها = اليه الذي قد حال من بعد شقة
وأنى لها والحس قد حال بينها = وبين حماه أن تفوز بنظرة
إذا ذكرته هز هامس طائف = من الشوق لو هز الجبال لهدت
وما ذاك بالمدني إليه ولا الذي = إذا لم يكن يدني فربح بوقفة
أسى كلما قيل انقضت منه لوعة = أعيدت بأخرى مثلها مستحثة
تزول الجبال الشم وهي مقيمة = على حالة منكوسة مستمرة
وذلك أمر نسأل الله عصمة = منجية منه ومن كل حيرة
ألم يك فيما نال آدم عبرة = ومتعظ للعاقل المتثبت
على قربه من ربه واصطفائه = ومنحته اياه أعظم منحة
وابعاده من بعد ذاك وصده = وتجريعه إياه أعظم غصة
ولم يأت ذنبا عامدا غير أنه = بأول حكم الله طالب رخصة
فأخطأ في التأويل جهلا فحطه = إلى الارض من أعلى الجنان المنيفة
ولم يخف ما لاقى إذ انحط هابطا = إلىالارض من هول الأمور العظيمة
وما زال يدعو الله سرا وجهرة = وحاول منه العفو عنه بتوبة
وكيف بمن يأتي ذنوبا كثيرة = ويقضي وما وافى بتوبة مخبت
وكم جاهل لم يزدجر بالذي جرى = علىآدم من فعله كل خزية
لقد شمل الخير الوجود بأسره = فما كان من شر فذاك لندرة
ولم يكن المقصود بالذات إنما = أتى بطريق الضمن والتبعية
ألم تر أن الغيث خير وانه = ليحصل منه وكف بعض الأكنة
وان لهيب النار للثوب محرق = ويحصل منه نضج كل معيشة
فقد يتبع الخير الكثير الذي نرى = لنا فيهما شر يسير المضرة
ولو روعي الضر الذي فيهما لنا = ولم يخلقا لاختل نظم الخليقة
وكان هلاك الحرث والنسل عاجلا = وذاك بلا شك خراب البسيطة
ولم يك إلا عالم الأمر وحده = ولم يخف ما في ذاك من نقص خلقه
وفي الحشرات الساقطات منافع = يحيط بها أهل العقول السليمة
ولو لم تكن ما عاش من نوعنا امرؤ = لفضل بخارات الهيولى الردية
فمن ذلك الفضل الردي تكونت = وفي مدخل الاوساخ في الارض حلت
وغودر ما نلقيه منا غذاؤها = لصفو الهوى من شوب كل أذية
لتنتعش الارواح منا بطيبه = ويصفو لنا ورد الحياة الهنية
وقد ركب الاجسام منا وكل ما = تركب منحل ولو بعد برهة
وألبس منا كل جزء بحيز = لأركاننا الذاتية العنصرية
وما جمعنا بعد افتراق بمعجز = وهل آخر يخلو عن الأولية
وان معاد الشيء بعد انعدامه = لأسهل من إنشاء إنشاء بداة
ومطلع شمس النفس من مشرق الخلا = سيطلعها من مغرب العدمية
سبحان من يحيي بقدرته الذي = يميت كما أحياه أول مرة
ويقو أيضا :
من لم يحركه الربيع و أزهاره و العود و أوتاره
فهو فاسد المزاج ليس له علاج
ساحة النقاش