رسائل الحب والسياسة" كتاب جديد أصدرته المصورة والكاتبة السويدية ميا غروندال مؤخراً باللغتين؛ الانجليزية عن مطبعة الجامعة الأمريكية في القاهرة والسويدية عن مؤسسةRoos&Tegnér, في السويد.

149 صورة مختلفة الأحجام والمضامين توزعت على 156 صفحة من الحجم الكبير في الفصول الستة التي يتكون منها الكتاب، تعرض فيها غروندال تطور الكتابة على الجدران كظاهرة تميز بها القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية.

تقول غروندال في كتابها إن الكتابة على الجدران في غزة (والضفة الغربية) انتشرت في الانتفاضة الأولى التي اندلعت في التاسع من كانون أول 1987. ففي ذلك الوقت لم يسمح الإسرائيليون للفلسطينيين بامتلاك أي إذاعة أو محطة تلفزيون، حتى الصحف كانت تحت الرقابة، وابتدع الفلسطينيون هذه الظاهرة فأصبحت الجدران هي قناة التخاطب الوحيدة (بجانب المنشورات التي توزع سراً) والتي كانت تتداول أخبار وفعاليات وأسماء من يسقطون في المواجهات مع الإسرائيليين.

شعارات ورسومات لمختلف الفصائل، ومنافسة على "من أجمل خطاً ومن أكثر إبداعا" كانت واضحة في شوارع المخيمات والمدن الفلسطينية في القطاع.

وقالت غروندال لإذاعة هولندا الدولية إنها بدأت التصوير منذ عام 2002 بهدف وضع كتاب يتناول هذه الظاهرة. وتضيف" كنت كلما أزور غزة أرى البيوت رمادية اللون المملة والإسفلت الذي يحاكيها بنفس اللون، لكن لفت انتباهي فنون الخط العربي والزخرفات وجمال الكتابة على الجدران".

وتشير إلى أنها لم تأبه في البداية لتصوير جدران في الوقت الذي "يفقد أناس حياتهم في غزة" وسط العنف الذي يعتري غزة.

وأضافت غروندال: "بعد عدة زيارات وبالذات عام 2002، لم استطع ان أقاوم نداءات الألوان والشعارات التي توزعت على الجدران في قطاع غزة فقررت البدء بالتصوير لوضع كتاب"، لافتةً إلى أنها أحيانا كانت تلتقط صوراً لما كان يلفت انتباهها مثل "التكوين وانتقاء الألوان والرسومات سواء كانت جميلة أو خربشات" دون أن تفهم ما تشير إليه الكتابة سيما وأنها لا تجيد اللغة العربية.

شعارات ثورية وأسماء الفصائل الفلسطينية والرموز الوطنية الفلسطينية ونعي الشهداء مع صورهم يمتشقون الأسلحة هي السمة البارزة لفصلها الأول الذي أطلقت عليه اسم "الكتابة الجدارية المقاوِمة" وهو بمثابة الفصل الرئيس في الكتاب، كون الكتابة على الجدران باتت مظهراً من مظاهر المقاومة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

أما الفصل الثاني فركز على فنون الخط العربي المستخدمة في الكتابة على الجدران، خط النسخ والرقعة والفارسي والديواني والكوفي والثلث وغيرها سلطت عليها الضوء ميا غروندال عبر عدستها الفوتوغرافية.

ولم تقتصر غروندال على عدسة الكاميرا فقط، فنقلت عدة رؤى مختلفة في نصوصها المصاحبة للصور، فقابلت "الخطاطين والرسامين" الذين بدت بينهم روح المنافسة او الشكوى من تسلط فصيل واستحواذه على جدران المخيم أو المدينة. كما أن هناك بعض المواطنين اللذين ابدوا تذمرهم من "توسيخ" جدران منازلهم بشعارات سياسية.

في فصل "السياسة" تعمل غروندال جاهدة على إبراز أعمال أكبر عدد من الفصائل على رأسها فَتْح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها. وتقول في هذا الفصل إن الكتابة على الجدران هي بمثابة "الباروميتر" للوضع السياسي في غزة، فالقضية الأكثر سخونة هي التي تطغى على جدرن المنازل والمحال التجارية. وهنا تبرز المنافسة بين الفصائل في من اكثر فصاحة في التعبير أو الأكثر جمالا في الكتابة.

"البورتريه" هو أحد أهم الفصول في الكتاب حيث تسلط عدستها على صور "قادة المقاومة" والساسة الذين اغتالتهم إسرائيل أو قٌتلوا خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي. وتبرز صور الرئيس ياسر عرفات وآخرين من قادة منظمة التحرير الفلسطينية الذين اغتالتهم إسرائيل في مختلف أنحاء العالم، وصور الشيخ أحمد ياسين وغيرهم من القادة. وتدخل غروندال في تفاصيل إنتاج البورتريه فتلتقي عدداً من الرسامين الذين يستخدمون "السبراي" (البخاخ) دون الفرشاة لرسم بورتريه بمهارة فائقة وبسرعة شديدة. فهؤلاء الرسامين لا يتقاضون أجراً فيجمعوا على القول "من العيب أن نأخذ أجرا مقابل رسم صورة لشخص أو صديق ضحى بحياته". وهنا أيضاً تختلف وجهات النظر حيث قال لها الخطاطين والرسامين من حماس إن هناك قراراً من الحركة بمنع رسم صورة احمد ياسين كي لا يعتبره الناس مقدساً أو نصباً تذكارياً فتم القرار بمسح كل صوره.

"تهاني وتبريكات"، وفي هذا الفصل تدور ميا غروندال بكاميرتها نحو نوع آخر من الكتابة والرسوم على الجدران وهو التهاني والتبريكات سيما في الأفراح وليالي الزفاف، فتدغدغ الورود والزخرفات والشموع العيون وتريحها من صور العنف والشعارات السياسية الرنانة، كذلك تركز غروندال على الشعارات الدينية والآيات القرآنية والرموز الدينية عند عودة الحجاج المسلمين من مدينة مكة. وهنا تبرز منافسة من نوع آخر، بين العائلات وليس بين الفصائل، وتحاول كل حمولة إنتهاز أي مناسبة سارة لتدمغ اسمها على جدران الحي.

"الجداريات"، وهو الفصل الأخير الذي تتوسع رؤية الرسم فيه وتظهر رسوم بشكل أكثر احترافاً، فالجداريات تشير إلى قضايا وطنية شاملة مثل رسومات تشيد بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ومنها ما هو عرض للحياة اليومية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، ومنها ما حمل طابعاً عربياً مثل رفض الحرب على العراق وأفغانستان.

وتقول غروندال إنها نزلت غزة عدة مرات والتقطت آلاف الصور، وثقت فيها مناسبات مفصلية هامة منها كثافة "الغرافيتي" خلال انتفاضة الأقصى (التي بدأت عام 2000)، فالانسحاب الإسرائيلي من (داخل) غزة (2005) والانتخابات الفلسطينية (2006) والاقتتال الداخلي (2007) وما بعد الحرب على غزة (2009) وكيف أن الكتابة على الجدران أيضاً لم تسلم من الحرب، وبدأت في التصنيف والفرز إلى أن انتقت 149 صورة كنماذج للظاهرة التي تتميز بها غزة. ولم يغب عن ذهن غروندال وضع اللمسة الإنسانية في تصوير الجدران، فنرى أوجه من الحياة اليومية في غزة كطلاب مدارس أو نساء وأطفال تلعب وشيوخ وعمال غالباً في كل صورة من صور الكتاب، الأمر الذي ينقل المشاهد إلى شوارع غزة وحياتها بدلاً من التحديق في مجرد حروف.

وفي زيارتها الأخيرة لقطاع غزة تحضيراً لمعرضها حول الكتابة على الجدران قالت غروندال لإذاعة هولندا الدولية إن أبرز ما لفت انتباهها هو غياب روح المنافسة بين الفصائل في الكتابة على الجدران "وتلاشي الكثير من الشعارات التي اعتدت أن أرى، فبعد سيطرة حماس على القطاع اختفت الكثير ممن الشعارات والرسومات المنافسة لها وطغت شعارات حماس فقط، وهذا الأمر يعكس الوضع السياسي الذي تعيشه غزة وفقاً لما تعكسه الكتابة على الجدران."

ميا غروندال (58 عاما) مصورة صحافية وكاتبة تهتم بالشأن الفلسطيني، وضعت عدة كتب عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في مختلف الدول العربية وعن مدينة القدس وتاريخها، وتعمل مدربة تصوير محترفة في عدد من الدول العربية والأجنبية.

المصدر: وكالة معا
alhadeel

hani

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2010 بواسطة alhadeel

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,091