عهد إلي الجنة
قال تعالى﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾طه....
وقال تعالى﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾؟!يس
وقال تعالى﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً. وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً. لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾مريم...
هل هناك عهدا بيننا وبين الله؟؟
هل نحن من أصحاب الشفاعة؟؟
هل يستشفع بنا؟؟
هل حافظنا على العهد الذي بيننا وبين الله؟
هناك أناس حافظوا على عهد الله ولم يخونوا العهد ولم يتلونوا ولم يتغيروا بل ثبتوا على العهد...
﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾الفتح...
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾هود....
إذا الشفاعة تثبت لأناس وتنفي عن آخرين، حرم منها أناس وأعطاها آخرين، وأكبر شافع هو الله تعالى ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ﴾ والعبد إذا أراد أن يُشفع له أو يشفع هو لغيره لابد له أن يحافظ على عهد التوحيد مع الله تعالى ولا يخونه ﴿وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ إنه عهد التوحيد...
عهود: ﴿ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾..﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾..﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾..﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾....
﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾الأعراف...
هذا هو العهد الأول والميثاق الأول مع آدم وذريته، ولذلك نادى إبراهيم على أبيه:
1. ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾....
2. ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾....
3. ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً﴾.....
4. ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾....
وقبل إبراهيم u كان آدم u...
أخذ الله تعالى العهد عليه وعلى ذريته ثم ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾....
﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ إشارة إلى الذي يخالف سيجوع ويعرى وسيظمأ ويضحى... وبين الله لهما عداوة الشيطان حتى يحذراه ويحافظا على العهد مع الله﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾طه....
تحذير:
نسي بعدما قال له الله﴿إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى﴾....
﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ﴾، ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾؟!....
﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾....مجرد تذوق، كشف العورة، معصية أخرى: تقطيع أوراق وثمار، السيئة تنادي أختها...خطوات الشيطان....
﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ. خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ. ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ. ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾...
﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ. إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ. ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ. ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ. إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ﴾...
والشيطان لا يريد لك الجنة لا يريد لك السكينة والسكون والهدوء، لا يريد لك الستر والعفاف لأنه مخلوق من نار، يزين المعاصي...إرمي نفسك في أحضان جهنم وهو غفور رحيم، آدم لم يتنعم بأول قطمة، ذاق أول لقمة كان معها العذاب والطرد من الجنة، إنه يتذوق طعم المعصية، طعم المخالفة يبتعد عن ربه...عن النور...عن الجنة...عن السكون والسكينة، صار عريانا، ما الذي حدث؟ أين الثياب؟ أين الستر؟ ما هذه العورات؟ الطاعة ستر والذنب كشف وهتك، الطاعة تستر عقولنا، عوراتنا، قلوبنا، جوارحنا، تسترنا عن أعين الشياطين...﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾الإسراء...
﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ﴾ الشجرة لم تأتي إليه..المعصية لها جذور في الأرض تصيب قلوب أصحابها عندما يتفاعلوا مع المعصية، بعد أن كان سلما وسلاما أصبح يقطع في أوراقها، يقطع من ثمارها ليغطي، من كان مستورا الآن صار مكشوفا عريانا..عريان أمام نفسه...أمام الناس...أمام ربه، عرَّاه إبليس، هذا حال الإنسان عندما يقع في المعصية، يحاول يستر نفسه، لكن وهو يحاول ستر نفسه يقع في معاصي أخرى كالكذب والخيانة...لماذا؟ لأنه خالف وخان العهد مع الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾...﴿وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ﴾الأنفال...كيف يشفع الخائن؟ "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"م...
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾...
s هل رضي آدم بالجنة...هل حافظ عليها؟
s هل تذكر العهد؟
s هل طمع في غيرها؟
s هل حافظ على عهد الرضا؟
لقد أُخرج من الجنة لعدم الرضا، فالعهد تكليفات...أوامر ونواهي، هل يستطيع العبد أن يرضى بما قسمه الله له؟ هل سيلتفت؟ هل سيتلون؟ هل يطلب المزيد؟ هل سيقف عند مقام الرضا؟ إن آدم سمع الوسوسة وأصغى لها سمعه وقلبه ثم فكر ثم تحركت جوارحه فقام ومشى ومد يده، وذاق الشجرة.. إنها خطوات الشيطان..البدن كله تفاعل مع المخالفة ليس الفم فقط إنما البدن كله وقع في المعصية...
ولذلك العليم بالإنسان إلهه الذي يعلم أن العبد لن يرضى، ماذا قال له؟ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ كل الدنيا لن تكفيه ولن تغنيه، لذلك...﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ من هم العباد؟ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ. شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾..هؤلاء هم الذين حافظوا على عهد الله ووعد الله تعالى، لم يتطلعوا إلى غيره ولم يطمعوا في غيره، لا تطمع في غير ما قسمه الله لك ولكن اطمع في... ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ إطمع كما تشاء في رحمة الله ليس كل ما تتمناه ستملكه ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾طه، لا تمد عينيك حتى تحافظ على العهد وتكون لك الشفاعة وتشفع لغيرك..
فالعين ترى وترسل رسالة، ولكن قبل العين والرسالة تحرك القلب والتفت وتطلع واشتاق وتمنى وفكر ودبر ثم أرسل رسالة إلى المخ فأرسل المخ إلى الأذن فسمعت وسوسة الشيطان، وأرسل رسالة إلى العين فنظرت إلى الشجرة، وأرسل رسالة إلى اليد فتناولت ثمار الجنة، فالفكرة والخاطرة والشاردة والواردة لابد أن تختمر في القلب أولا ثم تتتابع الرسائل إلى المخ فالأعضاء...
لذلك الزاني يرجم ويقتل!! ليس الفرج فقط الذي هو أداة الزنا، لماذا؟ لأن كل البدن اشترك في الفاحشة، البدن كله عصى الله، لذلك الكافر عندما يدخل في الإسلام يغتسل والعاصي ربما أتى النبي r فيأمره أن يغتسل بماء وسدر..إنها الذنوب ومخالفة العهود...
! انظر إلى النبي محمد r مع العهد....
1. اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت...
يا رب أبينا آدم ما استطاع أن يتمكن من الصعود إلى قمة الجبل، إلى قمة الطاعة، إلى قمة الرضا، فاعفو عني واعذرني فأنا ضعيف وأنت العظيم...﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ لذلك جاءت أسماء الله الحسنى ودود لطيف رحيم عفو غفار غفور تواب...
2. أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك....
فالنجاة والسلامة أن يعافيك الله ويسترك عن المعاصي لذلك﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾..﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾ تعلمي وتمتعي وتفقهي..أختاه!!
﴿ {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ....﴾ فالناس يتفاوتون في القيام بهذا العهد مع الله..﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ. أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾براءة، لكن انظري...﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ .....
s سؤال: ومن أوفى بعهده من الله؟
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾التوبة....
فيا من بايعت الله أبشر بالجنة... |
الجنة
|
﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً. مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً. وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً. وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً. وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً. عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً. وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً. عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾
! ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾...إنها الجنة! إنها المفاجأة السارة السعيدة، جنات داخل جنات (وحريرا) تكريرا للعطاء وامتداد النعيم في الراء والألف ملمس ناعم في كل شئ، أوراق الشجر، أرض الجنة، ملابس الجنة، وجوه الجنة، أصبح العبد في الجنة جزء من النعيم وليس النعيم جزء منه، فالنعيم سكنه وهو يغوص في النعيم، فالنعيم أكبر منه وصاحب الجنة....
! ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ يتكئ في خيمته ويلزمه فرش وأسِرة وحور عين وخدم ولذائذ الطعام والشراب والجو الجميل ويلزمه صحبة محبة له، وأصوات جميلة تحيطه وتضفي على جوه الفرح والسرور والحبور، ومن تمام الإتكاء في الجنة أنه لا ينام، حديث ابن مسعود:"النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة، يسطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا هو من ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها"الصحيحة1087، قال ابن عباس في ﴿وفرش مرفوعة﴾ السرير من ياقوت أحمر وله جناحان من زمرد أخضر وعلى السرير سبعون فراشا حشوها النور وظواهرها السندس وبطائنها الاستبرق وعلى السرير حجلة - ناموسية- من لؤلؤة عليها سبعون سترا من نور، أضف إلى ذلك ظلال الأشجار وتحتهما أزواج يتعانقون ويطيرون من مكان إلى مكان...وتخيلي لو أنه مع أميرة الجنة وسيدة الجنة امرأة الدنيا والتي تزيد عن الحوراء مائة ألف جزء من النور والجمال، ويعانقها مقدار أربعين عاما...
! ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً﴾ فأهل الجنة يتحركون..يطيرون..يتزاورون مسافات وأميال فالأجواء متغايرة وهو يسافر مع خدمه وحوره وصحبته فيمر بأطياف جمالية، عالم ساحر من الجمال والمتعة، وكل مكان له ملبس ومأكل وصحبة فهذا جو قريب من الدفء يثير في الإنسان الشوق إلى شراب بارد وهذا جو يميل إلى البرودة يحتاج إلى ملابس خاصة وشراب خاص، فالجنة متغايرة الجمال والظلال والأجواء إنه يطوف في عوالم متغايرة الطقس جميلة هادئة فيها الدفء والبرودة الناعمة فالهواء يداعبه ويداعب شعره والنسيم يلف حوله ويحاوره، فهو يتجول في الجنة، الجنة أجواء متقاربة ومتنوعة الجمال.. فهي متنوعة المآكل والمشارب والملابس واللذائذ، فهم يسبحون في أجواء الجنة منغمسين في أجوائها هم جزء من النعيم، تراهم يشربون الزنجبيل والكافور، هؤلاء كانوا يجاهدون ويقطعون الفيافي ويجتهدون في طاعة الله تعالى...
انظري إلى رسول الله r وهو يمشي إلى أبي بكر وقت القيلولة والحر القاسي ليخبره عن الهجرة...
انظري إلى أسماء وهي تقطع المسافات إلى أبيها ورسول الله بجراب الطعام، فهي تقابل الحر والبرد والشمس..انظري إليها الآن في الجنة...
انظري إلى بلال وحر الشمس وتلكم الصخرة التي على بطنه، انظري إليه الآن في أنهار الجنة...
انظري إلى الأنصار (المدينة) وهم كل ظهيرة يغدون إلى الحرة ينتظرون رسول الله r وأبي بكر يظلل رسول الله r بردائه من وهج الشمس...
هؤلاء دخلوا (أفران الدنيا) تنانير الدنيا لابد للمعدن أن يدخل النار العالية لينضج ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾...
انظري إلى إبراهيم والنار..عمار بن ياسر وبلال بن رباح، "اشتاقت الجنة لثلاثة على وعمار وبلال"، الله أكبر...لقد هبت رياح الجنة على قلوبهم فأطفأت نار العذاب، لقد غُمسوا في أنهار الجنة، انظري إلى الحج ورحلتها....
! ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا﴾ ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ﴾ "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها"، "ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب"خ، ترمذي2448، "إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى"الحديث، ما ألوان الظلال؟ ما هي ألوانها...ورائحتها...ما حجم الثمار والنخيل؟ كيف سيقانها؟ وكأن السيقان تعانقهم، رحيق..نسيم..هواء..حور..غلمان..فروع حانية وكأنها أيدي حنونة، ثمار جميلة قريبة، شجر متنوع نخيل مكثف كثيف...
! ﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ فإذا ما ذل العبد لربه وخضع وسكن إلى ربه كان الجزاء تذليل الأشياء له، فالطيور تطير له والقطوف تذلل وتقترب منه تعطيه، تكاد تنطق تقول له خذني، اقطفني تناولني خذني إلى فمك اجعلني في دمك اجعلني شئ منك هذه قمة سعادتي وكمال حفظي ومنتهى أملي فأنا لا تتركني لمن أذهب..
! ﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ....﴾ ملك الجنة...أمير الجنة...صاحب الجنة، يُخدم من الملائكة والحور والغلمان والولدان، فطالما خدموا الدين وخدموا الناس ومشوا في حوائج المؤمنين، آنية فريدة في نوعها وشكلها وحجمها وجمالها وزخارفها وأناقتها وبديع صنعها وخامتها وطيب رائحتها وجمال استوائها ونعومتها ونفاسة معدنها وصفاء لونها وبريقها...سبحان الله إنه النعيم!! ظل وظلال قصور وخيام مساكن وغرف وأنهار حور وولدان أشجار ونخيل﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ صاحب الجنة يمشي على الجواهر لأنه أغلى من الجواهر، ملك متوج بتاج الكرامة والوقار والجمال على الأرائك يتكئ وحوله الولدان والغلمان والحور، يمشي على أرض من فضة تربتها مسك أذخر حصباؤها اللؤلؤ، تجري من تحت قصوره الأنهار نهر من عسل ونهر من لبن ونهر من خمر ونهر من ماء، تخيل أشجارها تسقى من هذه الأنهار فيا لذة ثمارها ويا لين ملمسها ويا طيب رائحتها ألين من الزبد وأحلى من العسل، من ورقها حلله، إن أدنى أهل الجنة منزله من يغدو عليه كل يوم ويروح 15,000 ليس منهم خادم إلا ومعه طرفة ليست مع صاحبه، كما أخبر أبي هريرة وأخبر أبي عبد الرحمن الحبلي: إن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ...
أعلى نعيم أهل الجنة:
{ في حديث صهيب الذي رواه مسلم:"إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله U: تريدون شيئا أزيدكم؟ يقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾"...
{ وعن أبي سعيد t أن رسول الله r قال:"إن الله U يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: ومالنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطينا مالم تعط أحدا من خلقك؟! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شئ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"....
Y ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.....
"سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا حتى يتغمدني الله برحمته"....
المتقين هم أولياء الله تعالى هم جند الله تعالى هم الذين عبدوا الله وصبروا وصابروا وألزم الله قلوبهم وعقولهم وجوارحهم بالتقوى...﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾....
{ ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ والجنات غير النعيم، الجنات شئ والنعيم شئ آخر، الجنات تشمل الغرف القصور والولدان والخيام والحور العين والثياب والأشجار والغلمان والنخيل والفواكه وجميع أنواع الطعام والشراب، والجنات تشمل الأنهار والأسواق هواء وماء وصفاء وسماء، هذه هي الجنات وما تشتمل عليه، أما النعيم فهو الشعور باللذة والفرح والسرور وهو يعيش الجنة وما فيها، فصاحب الجنة يتذوق النعيم والنشوى والفرح والسعادة عندما يتذوق الطعام ويشرب الشراب ويعانق الأبكار العرب الأتراب، يلتذ وينعم عندما يسمع حفيف الأِشجار وتغريد الأطيار، فهو يجمع على نفسه نعيم الجسد ونعيم الروح، نعيم عندما يدخل الغرفات الآمنات ويرى فيها الحور الحسناوات، نعيم عندما يفاجأ بالجنة وقصورها العالية وأنهارها الرقراقة الصافية، نعيم يشعر به عندما يداعب هواء الجنة بشرته الناعمة، هواء ملون شذي ندي معطر بجميل أنفاسهم العبقة الزكية..مسك وزعفران روح وريحان، أنوار ومباهج ونغمات بدون أعواد ولا أوتار، يسمع نعيم أصوات أهل الجنة وهم يتضاحكون ويتسامرون ويمرحون... نعيم في نعيم، وجنات داخل جنات ودرجات عاليات، سعة وانفساح، أفراح ونسائم مبهجة لا علة ولا مرض، لا فقر ولا عوز، إنها الجنة، فطالما كان صاحب الجنة في الدنيا كالبذرة تحت الأرض في ظلمات وكمون إلى أن نضجت البذرة وبدأت تخرج من عالم الظلمات إلى عالم بهيج مستنير فسيح بهي جميل، لقد آن الأوان لصاحب الجنة أن يغادر الضيق إلى الجو الفسيح، آن للعقل أن يكتمل ويتم نضجه، لقد استوت الروح وكملت وقويت ولذلك انطلقت عبر الأجواء العليا حيث الجنة، يدخل الإنسان الجنة بنفس الذاكرة التي كانت معه في قلبه أيام الدنيا، فكم الفرحة والسعادة إذا قسنا بمقياس المقارنة، مقياس حالهم الذي كان في الدنيا وحالهم في الجنة وحال أهل النار....
{ ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فَاكِهِينَ﴾ هذه هي النتيجة نتيجة نعيمهم، أي فاكهين تبدو عليهم ملا مح السعادة وبريق الفرح من عيونهم وضحكاتهم وانطلاقهم...
"فاكهين" توحي بحالتهم الشعورية، إنها المفاجأة التي لم تكن في الحسبان، إنها لحظة المفاجأة، "فاكهين" بتتابع النعيم تحف وهدايا وكرامات وجوائز، وهذه العطاءات تأتي على قدر مرسلها، جميلة في طبيعة ملمسها وصنعها ورائحتها وغرابتها وجمالها ونضرتها وأنها ليس مثيل لها مع غيره، إنه التفرد في الجمال والتميز....
الله لم يقل فرحين بل "فاكهين" وليسوا سعداء لأن السعادة قد تكون في القلب ولم تظهر عليه ملامح الفرح، إنما فاكهين تشمل الداخل والخارج، والذي يظهر شئ غير ما في باطنه لا يوصف بالتفكه، فالذي يظهر لما يبطن هو الذي يتفكه، هي حالة تدل على استدامة في السعادة...سعادة في سكون وطمأنينة....
{ ﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ فكل ما منع عنهم في الدنيا يتفكهوا به اليوم في الجنة، فالخمر كانت في الدنيا محرمة وكانت المعازف وأدوات اللهو والسرف محرمة، فاليوم في الجنة هي ليست دار تكليف فهنا متاع بدون نار هنا طعام وشراب بلا صداع بلا فيح من النار بدون آلام بدون أمراض، هنا مهما تأكل من ألوان الطعام فإنه ليس بإسراف، هنا طعام متعة وفرح وسرور وليس طعام حرام يؤدي إلى عذاب الجحيم.... إذا هناك علاقة بين الشهوات والنار، الشهوات من الحور من الولدان والأطعمة والأتربة والنكاح والفرش...
الله يريد أن يعالج ذاكرتهم الإيمانية التي مازالت تصاحبهم في الجنة، هم بنفس قلوبهم التي كانت في الدنيا، فهم يتذكرون أن من الطعام من كان سبب لكذا وكذا ومن الشراب من كان محرما، هم يذكرون كل شئ فالله يطمئنهم، يدعوهم ليأكلوا ويشربوا في هناءة وسرور وسعادة ويزيدهم سعادة بأن هذا النعيم بسبب أعمالهم وسعيهم...فالجنة دار نعيم وسعادة وليست دار تكليف..هو متاع بلا تعب بلا وهن بلا نار، أما الدنيا فمتاعها مشوب بالنار، وآلام ومتاعب، أما في الجنة فالنعيم نفسه وقاية وتقوية وسلامة وشباب وصحة...
في حديث رواه الطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم وصححه الألباني:"إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع"..
وعن سعيد بن جبير: إن شهوته لتجري في جسده سبعين عاما يجد اللذة، ولا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى تطهير ولا ضعف ولا انحلال قوة بل وطؤهم وطء لذة وطء التذاذ ونعيم لا آفة فيه بوجه من الوجوه...
وأكمل الناس نعيما في هذه الجنة هم أبعد الناس هنا عن الحرام، فالذي لا يشرب الخمر هنا يشرب هناك، والذي لا يلبس الحرير هنا يلبس هناك، والذي يجوِّع نفسه هنا يأكل هناك، والذي يظمأ نهاره هنا يرتوي هناك، والذي يعف نفسه عن النساء في الحرام هنا يتمتع بالحور هناك، ومن لم يأكل في صحاف الذهب والفضة هنا يأكل فيها هناك.. "إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"....
﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ فليس في طعامهم وشرابهم الحار ولا الساخن ولا اللاذع ولا الحامض ولا البارد إنما هو اعتدال في جمال وفي حسن مذاق ولون ورائحة وشكل وحجم...
الطعام هنا الحار يذكرك بالنار، ونُهينا نحن معاشر المسلمين أن نأكل مجرد الطعام الحار..الطعام الساخن لأن فيه فيح من النار، أما الطعام في الجنة يأتيك معتدل لا بارد ولا ساخن لا لاذع ولا حامض لكي لا يذكركم بالنار، فالحرارة واللذوعة والحموضة والبرودة الزائدة كل هذا يذكر بالنار...
{ ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ كل ولا تخف من الضغط ولا من السكر ولا من التخمة ولا من الغثيان ولا من الانتفاخ ولا من الاورام كل وتمتع فإنك في الجنة..
فالله يبين لنا قانون (الإيواء والسكن)...
أنه سبحانه هيأ المكان وأعده لأصحابه على أعلى مستوى من الجمال والهدوء والبهجة والسكن، هيأ الجنات والروضات والغرف والمساكن والقصور والخيام والأنهار والعيون والظلال والحور العين والولدان والغلمان والنخيل والأعناب والرمان والتمور والروح والريحان، قصور من ذهب وفضة ملاطها المسك والزعفران وحصباؤها الدر والياقوت، تفوح من بين لبناتها روائح المسك، فيها الأمراء والأميرات والحور الحسناوات الكواعب الأتراب، فيها الخيام من اللآلئ المجوفة فيها الفرش والأزواج، هذه هي الدار ثم بعد تهيؤ المكان حيث الجنات، هيأ لهم نفوس مطمئنة هادئة راضية جميلة تشعر وتحس بالسعادة، هؤلاء هم أصحاب الجنة فأنت في الدنيا قد ترى رجل يملك كذا وكذا ولكنه غير سعيد ليس في نعيم لكن صاحب الجنة يمتلك الجنة وهو فرح بها راضي وسعيد...
ثم هم فاكهين يعني تبدو على محياهم السعادة والنضرة، إنها نضرة النعيم..﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ. تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ ففاكهين تعني التقاء الفرحة الداخلية بالفرحة الخارجية، فبعدما رأوا الجنة وسعدوا بها وفرحوا وبدا هذا على محياهم السعيد تراهم يستقبلون إلى موائد الرحمن، ولكن قبل أن يأكلوا ويشربوا طمأنهم الله على أن ما يأكلونه ويشربونه شئ مختلف تماما عن أطعمة وأشربة الدنيا...
﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ ليس مستورد، ليس لحم خنزير ولا كلب ولا فئران، ليست مياه غازية مسممة، ليس خضار وفاكهة مهرمنة..لا، إنه طعام الجنة لأهل الجنة...كلوا ولا تخافوا من أي آفة، من أدنى تعب، هنا ليس ثمة مرض ولا كلل ولا نصب ولا هم ولا غم ولا حيرة ولا توجع ولا عسر هضم ولا تحتاجون لمنشط أو هاضم أو مقوي أو إبر تغذية أو محاليل سكرية، هنا الجنة هنا الصحة والعافية والجمال، والنقاء والصفاء والماء الرقراق والينابيع الغنية الهنية، اهدأوا يا أهل الجنة واسكنوا واطمأنوا... ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً﴾ فهذا لحم وهذا سمك وهذا شواء وهذا حلو وهذا عسل وهذا لبن وهذا سلسبيل وهذا رحيق وهذا كافور وهذا زنجبيل وهذا تسنيم وهذا خمر وهذا ماء صافي غير آسن رقراق عذب فرات...
إنه إعداد الملك الوهاب الرزاق الحنان الجواد اللطيف الكريم الجميل الطبيب الرؤوف البر الرحيم الودود، إنه عطاء الله جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته، ومعلوم أن تحفتهم حين يدخلون الجنة هي زيادة كبد الحوت ثم يُنحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل في أطرافها ثم يشربون السلسبيل، ثم انظر إلى عين الكرم وينبوع الرحمة ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ إنها أخلاق الله تعالى الذي علمنا ﴿وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ إنه الحنَّان الذي يتودد إلى عباده وهو غني عنهم ويعطيهم ويتفضل عليهم بإحسانه وجوده ثم يذكرهم إن هذا نتيجة أعمالهم ..تربية... أخلاق عالية... قمة الضيافة والكرم، رب يربي عباده على الكرم وحسن المعاملة...إنه الأدب الجم الرفيع العالي من العلي الأعلى إنه الله يالله !!﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ عملنا ماذا يارب ونحن المقصرون الفقراء المساكين ونحن أهل الحاجة وأهل الضعف والجهل، ماذا قدَّمنا يارب حتى تسكِنَّا جناتك وتعطينا من فضل عطائك ؟!! ... يالك من رب كريم ..لطيف بر رحيم ... حنان منان ولكن�
ساحة النقاش