<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

- العمل في اللغة:

ذكرت لهذه المادة معانٍ كثيرة واستعمالات متعددة توجد في قواميس اللغة ومعاجمها، والمهم أنّ العمل موضوعاً للمهنة، واطلاقه على غيرها أما مجاز أو حقيقة من باب الاشتراك اللفظي ولا يهمنا تحقيق ذلك إذ لا يترتب عليه أثر مهم.

- العمل في القرآن:

وردت في القرآن الكريم (360) آية تحدثت عن العمل ووردت (190) آية عن (الفعل) وهي تتضمن أحكاماً شاملة للعمل، وتقديره ومسؤولية العامل وعقوبته ومثوبته. ولابدّ لنا من عرض بعض الآيات التي حثت على العمل الصالح الذي يترتب عليه الثواب والمغفرة من الله كما لابدّ من عرض الآيات الأخرى التي حثت على لزوم السعي والكسب لتحصيل الرزق، وهي كالآتي:

1- العمل الصالح:

قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت/ 33).

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا) (الكهف/ 107).

وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء/ 124).

وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا) (النساء/ 122).

وقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف/ 110).

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون/ 51).

وقال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (طه/ 82).

وقال تعالى: (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء/ 9).

وقال الله تعالى: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (الروم/ 45).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي دعت الناس إلى العمل الصالح وحفزتهم إلى كسبه والتسابق إليه، وانه خير ما يكتسبه الإنسان في حياته فإنّه ذخر له في آخرته وشرف له في دنياه.

 

2- الحث على الكسب:

لقد أعلن القرآن الكريم دعوته الأكيدة على ضرورة العمل، وعلى الكسب، وبذل الجهد قال الله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 10).

إنّ المنهج الإسلامي يتسم بالتوازن بين العمل لمقتضيات الحياة في الأرض، وبين العمل في تهذيب النفس، والاتصال بالله تعالى وابتغاء رضوانه، وإلى ذلك يشير القرآن الكريم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...) (القصص/ 77)، انّه ليس من الإسلام في شيء أن يتجه المسلم بجميع قواه وطاقاته لتحصيل متع الحياة، والظفر بملاذها وينصرف عن الله، وكذا لا يتجه نحو عمل المثوبة فحسب بل عليه أن يعمل لدنياه وآخرته معاً.

إنّ القرآن الكريم قد دعا الناس إلى العمل، وحثهم عليه وحتم عليهم أن يكونوا ايجابيين في حياتهم يتمتعون بالجد والنشاط ليفيدوا ويستفيدوا، وكره لهم الحياة السلبية، والانكماش والانزواء عن العمل، قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15).

إنّ الله تعالى خلق الأرض، وملأها بالنعم والخيرات لأجل أن يعيش الإنسان في رفاهية وسعة قال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (يس/ 33-35)، ولن يظفر الإنسان بهذه النعم إلا بالعمل والجد والكسب.

- العمل في السنة:

واستفاضت كتب الحديث والاخبار بالدعوة إلى العمل والحث عليه كما أضفت عليه أسمى النعوت والأوصاف.

 

أ. العمل شرف:

إنّ العمل وان هان فانّه شرف للإنسان، وكرامة، وخير له من أن يسأل الناس ويعيش كلاً عليهم وإلى ذلك يشير الحديث الشريف:

"لئن يأخذ أحدكم حبله، فيذهب به إلى الجبل فيحتطب ثمّ يأتي به فيحمله على ظهره خير له من أن يسأل الناس".

ويقول الرسول (ص): "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" انّ الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش عالة على الغير، ولا يسمح له أن يترك الكسب ويتكل على الدعاء ليرزقه الله من غير عمل، فقد جاء في الحديث الشريف: "انّ الله يكره العبد فاغرا فاه يقول: يا رب ارزقني".

إنّ الله تعالى خلق الأشياء ورطبها بأسبابها الطبيعية، وليس للإنسان أن يترك ذلك لأنّه يلزم منه الاخلال بالنظام وعدم استقامة الحياة.

ب. العمل جهاد:

إنّ الإسلام يعتبر العمل جهاداً في سبيل الله، ويعتبر الجهد الذي يبذله المسلم في سبيل إعانة عائلته من أفضل الطاعات والقربات فقد روى زكريا بن آدم عن الامام أبي الحسن الرضا (ع) انه قال:

"الذي يطلب من فضل الله ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله".

ج. العمل عبادة:

وأضاف الإسلام إلى العمل أكرم النعوت والأوصاف فجعله عبادة وطاعة لله ليتسابق المسلمون إلى ميادين العمل والانتاج فقد ورد ان صحابيين جاءا إلى رسول الله (ص) وهما يحملان أخاً لهما، فسألهما النبي (ص) عنه فقالا: انه لا ينتهي من صلاة إلا إلى صلاة، ولا يخلص من صيام إلا إلى صيام حتى أدركه من الجهد ما ترى.

فقال (ص): فمن يرعى ابله، ويسعى على ولده؟

فقالا: نحن

فقال (ص): أنتم أعبد منه.

وسأل الامام الصادق (ع) عن رجل، فقيل أصابته الحاجة، فقال (ع):

- فما يصنع اليوم؟

- في البيت يعبد ربه عزّ وجل.

- فمن أين قوته؟

- من عند بعض إخوانه؟

- والله الذي يقوته أشد عبادة منه.

د. العمل سيرة الأنبياء:

إنّ العمل من سيرة النبيين والمصلحين، ويكفي العامل فخراً وشرفاً أنه ما بعث نبي إلا كان عاملاً كادحاً فقد روى الامام الصادق (ع) عن جده أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إنّ الله أوحى إلى داود (ع) يا داود إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داود أربعين صباحاً فأوحى الله إلى الحديد أن لِنْ لعبدي داود فلان له الحديد فكان يعمل في كل يوم درعاً".

لقد كره الله لعبده ونبيه داود أن يكون عاطلاً ويأكل من بيت المال من دون أن يكدح ويأكل من ثمرة أتعابه فألانَ له الحديد فكان يعمل فيه ويقتات من عمله.

هـ. رد دعاء تارك العمل:

ونظراً لخطورة العمل وأهميته في الإسلام فقد ذمّ تارك العمل وتوعده بعدم استجابة دعائه في طلب الرزق، فقد أثر عن النبي (ص) انه قال: "إن أصنافاً من أمتي لا يستجاب لهم دعاء، وهم: رجل يدعو على غريم له ذهب بماله فلم يكتب له ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في بيته، ويقول: يا رب ولا يخرج، ولا يطلب الرزق، فيقول الله عزّ وجل عبدي أجعل لك السبيل إلى الطلب والتصرف في الأرض بجوارح صحيحة، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكيلا تكون كلا على أهلك فإن شئت رزقتك، وان شئت قترت عليك وأنت معذور عندي".

إنّ الله قد منح الإنسان من الطاقات والقوى وأمره، بأن يستعملها لطلب معيشته، وأما ترك الكسب والاتكال على الدعاء فإنّه ليس من الإسلام في شيء، وقد حذر أئمة أهل البيت (ع) شيعتهم من ذلك فقد روى علي بن عبدالعزيز انّ الامام الصادق (ع) قال له ما فعل عمر بن مسلم؟

جعلت فداك، أقبل على العبادة، وترك التجارة.

فتألم الامام (ع) وأزعجه ذلك، واندفع يقول: ويحه أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له دعوة، إن قوماً من أصحاب رسول الله (ص) لما نزلت الآية: (.. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ...) (الطلاق/ 2-3)، اغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا الطلب، فبلغ ذلك النبي (ص) فارسل إليهم فلما مثلوا عنده قال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟

فقالوا: يا رسول الله، تكفل الله لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة.

فنهرهم (ص) وقال لهم: "إنّه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب".

وقد دل هذا الحديث الشريف على مدى الأهمية البالغة للعمل في الإسلام، وإنّه لا يصح من المسلم أن يتركه وينصرف إلى العبادة، أو يلتجئ إلى الدعاء وسأل عمر بن يزيد الامام الصادق (ع) قال له ان رجلاً قال "لأقعدن في بيتي، ولأصلينّ ولأصومن، ولأعبدن ربي عزّ وجلّ فأما رزقي فسيأتيني".

فقال الامام (ع): "هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم".

وسأل العلاء بن كامل الامام الصادق (ع) أن يدعو له الله في أن يرزقه، ويوسع عليه.

فقال له الامام (ع): "لا أدعو لك اطلب كما أمرك الله".

ويقول الامام أبو جعفر محمد الباقر (ع): "إني اجدني أمقت الرجل يتعذر عليه المكاسب، فيستلقي على قفاه، ويقول اللّهمّ ارزقني، ويدع أن ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل الله، والذرة تخرج من جحرها. تلتمس رزقها.

وبهذا المعنى وردت أخبار كثيرة من أهل البيت (ع) تدعو المسلمين إلى العمل في حقل هذه الحياة، وذم تاركه والمعول على العبادة والمنصرف إلى الدعاء لأنّه بذلك يكون كلا على المجتمع وعالة على الغير.

و. النهي عن الكسل:

ونهى الإسلام عن الكسل لأنّه موجب لشل الحركة الاقتصادية وتجميد طاقات الإنسان وفساد المجتمع، ويعود بالخسارة الكبرى على الناس وقد ورد في الأدعية المأثورة عن أئمة الهدى بالتعوذ منه فقد جاء في الدعاء "اللّهمّ إني أعوذ بك من الكسل والسأم والفترة والملل" ووردت أخبار كثيرة وتنهى عنه فقد قال الامام الصادق (ع) لبعض أصحابه:

"إياك والكسل والضجر، فانهما مفتاح كل سوء انه من كسل لم يؤد حقاً، ومن ضجر لم يصبر على حق".

إنّ الإسلام يكره الكسل ويحرم البطالة، ويمقت صاحبها لأنّها تؤدي إلى فقره وسقوطه، وذهاب مروءته، واستخفاف الناس به فإن من يتصف بها يكون في حكم الموتى لا تفكير له ولا تدبر، وكان السلف الصالح لا يألفون الراحة، ولا يخلدون إلى السكون والبطالة، قد أقبلوا على العمل والتجارة، وقد عرض الامام الصادق (ع) على أصحابه سيرتهم وجهدهم في العمل وإقبالهم عليه قائلاً:

"لا تكسلوا في طلب معائشكم فإن آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها".

وقصد معاذ بن كثير الامام الصادق، وعرض عليه أن يدع العمل، ويستغني بما عنده فنهاه الامام (ع) عن ذلك وقال له:

إذن يسقط رأيك ولا يستعان بك على شيء.

إنّ الإسلام يدعو إلى الجد والنشاط، وإلى الانطلاق في ميادين العمل من أجل حياة حرّة كريمة تعمها الرفاهية، ويسود فيها الخير.

لقد حث الإسلام على العمل، ونعت العمال بأنّهم أحباء الله وأوداؤه فقد جاء في الحديث: "إنّ الله يحب العبد يتخذ المهنة ليستغني عن الناس" وفي حديث آخر "إنّ الله يحب المؤمن المحترف، ويكره المكفي الفارغ" إلى غير ذلك من الأخبار التي تظافرت بها كتب الحديث وقد دلت بوضوح على الأمر بالعمل والنهي عن البطالة والكسل.

المصدر: الشيخ باقر شريف القرشي

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,397,887