<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
ليس هناك اختيار حرّ مطلق إلّا في النادر، فالمؤثِّرات الخارجية على قراراتنا كثيرة.. تحاصرنا في كلّ قرار إلّا ما رحم ربِّي، فأنت حينما تسمع رسول الله (ص) يقول: "كلّ مولود يُولَد على الفطرة وأبواه يُهوِّدانه أو يُمجِّسانه أو يُنصِّرانه"، تفهم أنّه حتى الاختيار العقيدي الديني لا يخلو من تأثير، ولذلك فالشخصية المستقلة، التي تحاول أن تتصرّف بمعزل عن الضّغوطات الخارجية محدودة جدّاً.
ولأجل أن نكون موضوعيِّين أكثر، فإنّ اختياراتنا لا تتأثر بالعوامل الخارجية فقط، بل بالعوامل النفسية الداخلية غير المنضبطة، أي بانفعالاتنا وحماستنا الزائدة، فقد يكون اختياري ردّة فعل، أو استجابة لنزعة أو نزوة ذاتية، لا امتثال فيها لحكم العقل.
وعلى أيّة حال، فإننا إذ نذكِّر بالمؤثِّرات الخارجية في صياغة اختياراتنا، نحاول – ضمناً – أن نلفت عناية المختار إلى ضرورة أن يكون صريحاً مع نفسه على الأقل في اختياراته، فيطرح عليها أسئلة من قبيل: هل اختياري هذا هو اختيار حرّ فعلاً، أم أنّه استجابة لمؤثِّر أو ضاغط خارجي؟ هل أقوم به بمحض إرادتي أم أنني أفعله خجلاً من البعض؟ هل هو فعل أم ردّة فعل؟
ولو تأمّلنا في اختياراتنا، لرأينا أنها واقعة في كثير من الأحيان تحت واحد أو أكثر من المؤثِّرات التالية:
1- حُبّ المال:
إنّ اختيار الكثير من الاختصاصات والمهن وتغييرها، راجع إلى هذا العامل، فقد يختار البعض منّا المحاماة أو الطب أو التِّجارة أو الهندسة حتى ولو لم تنسجم كثيراً مع تطلعاته وميوله النفسية، فقط لأنّه يرى أنّ الدّخل الذي يُحقِّقه هذا الاختصاص أو هذه المهنة أكثر من غيرها.
وليس في ذلك عيب، إذ كلّ إنسان يطمح إلى أن يعيش حياة مرفّهة، إلا أننا نتحدّث عن المؤثِّرات في الاختيارات وانعكاساتها المستقبلية على العمل، فليس كلّ مَن انخرط في سلك الطب أو المحاماة أو غيرهما، كان ذلك بمحض اختياره، وإنّما بناءً على رغبة الأب أو العائلة، أو للسّمعة والشّهرة التي يحقِّقها الطبيب في المجتمع، ولقد رأينا أنّ بعض الذين أُرغموا على دخول اختصاصات معيّنة، كيف انقلبوا فيما بعد عليها، أو – في أحسن الأحوال – كانوا ازدواجيِّين يُراوحون بين المهنة المختارة، وبين الرغبة الأصلية في اختصاص معيّن، أي أنهم اختاروا أن يعودوا إلى خيارهم الذي يجدون أنفسهم فيه.
2- التّقليد:
الإنسياق وراء العقل الجمعي في العديد من اختياراتنا واضح وصريح، فليست كلّ الأيادي التي ترتفع في مجلس للتّصويت تُعبِّر عن قناعة ذاتية عند أصحابها، ولكن البعض – من ضعاف الشخصية – ينتظر إلى أن ترتفع أيادي الكبار (ممّن يحسبهم كباراً)، حيث يرفع يده تبعاً لهم.
إنّ النّزوع إلى رأي الجماعة المخالف إلى القناعة الذاتية، ليس دائماً دليل لزوم الجماعة، فقد يكون عرفاً عشائريّاً أو قبلياً، ينطلق من تقليد الآباء والسادة والرّؤساء، وربّما يكون تقليداً جاهلياً في اختيار ما تختاره العشيرة حتى ولو كان خطأً أو ظلماً.
وربّما امتدّ تأثير التقليد في اختياراتنا إلى تقليد الشعوب النامية الراقية في المظاهر والشكليات من منطلق الشعور بالدونية.
3- الموضة:
كثيراً ما تلعب الموضة أو التقليعة أو الصرعة دور المؤثِّر في اختيارات الناس، خاصة في الأزياء وقصات الشعر، واستعمال مفردات بعينها، أو في آداب اللياقة أو ما يُصطلح عليه بـ"الأتكيت"، وفي العديد من هامشيّات الحياة.
صحيح أنّ بنطال (الجينز) عمليّ كما يؤكِّد صانعوه ومروِّجوه ومصمِّمو الأزياء، وكما تبين من ارتدائه في مجالات العمل التي تتطلب لباساً سميكاً لا يتأثر بالعوامل الخارجية، إلا أننا نلاحظ أنّ (الجينز) شاعَ حتى في الصالونات والجامعات والحفلات وكأنّه لباس الترف أيضاً، وما ذاك إلا لتأكيد الموضة في الاختيار، والجينز للمثال لا للحصر.
4- السّمعة واللّقب:
يدخل حبّ الشهرة أو السمعة في اختيارات بعضنا، خاصّة في مجال العمل والزواج. فقد يختار البعض الحقل الفني لما فيه من أضواء الشهرة والإشارة بالبنان والبحث عن المُعجبين، وقد يُصاهر البعض عائلة التاجر الفلاني أو السياسي البارز أو الأديب المشهور ليفوز بالنسبة إلى لقب العائلة، وربّما حرص البعض على العمل في وسط اجتماعي بسيط، فقط لأنّ أبناء ذلك الوسط يرونه شيخهم وينادونه بـ(الأستاذ).
نعم، إنّ الانتساب إلى النّبلاء والشرفاء والملوك والرؤساء والوجهاء، يُضفي – في المجتمعات المخملية – صفة الشرف على المُنتسب إليها، لكنه في التقييم الموضوعي لم يفعل شيئاً يستحقّ به لقب الشرف سوى أنّه صاهر الشرفاء، وليس غريباً أن يفعل البعض ذلك من باب تغطية عيب أو نقيصة أو ذلّة يجدها في نفسه، أي أنّه يستتر بالعنوان واللّقب ليخفي وراءه سوءاته أو سيِّئاته.
5- القرابة والعشائرية:
لا تزال الأسر الكبيرة والقبلية والعشيرة تلعب في العديد من بلداننا دورها المؤثِّر في خيارات أبنائها لا سيّما في الزواج والعمل، بحيث لا يشعر الأبناء – إلّا الذين تحرّروا من قيودها – بالحرِّية الكافية في اختياراتهم، وإن كانت الحياة العصرية قلّصت وأضعفت هذا المؤثِّر إلى حدٍّ ما، ولكنه لا يزال سارياً يفعل فعله في المجتمعات الرّيفية والقروية الضّيِّقة أو المغلقة.
إنّ الانتماء الضاغط للأسرة أو العشيرة، الذي هو في حقيقته خضوع لأعرافها وتقاليدها، انسحب إلى بعض الأحزاب والتيارات، حتى عدّ خروج العضو فيها عن سياقاتها التقليدية خروجاً عن النص، أو عن الدِّين حتّى.
6- الاستجابة إلى نداء الدعاية والإعلان:
لا يخفى أنّ تأثيرات الإعلام ووسائل الدعاية والإعلان على اختيارات الناس اليوم عظيمة، حتى أنها راحت تخلخل سلّم الأوليات، فتقدِّم الكمالي أو الترفي لتجعله ضرورياً، وتبرز غير الحاجة الأساسية على أنها حاجة أساسية، وأنّ ما ليس جزءاً من الشخصية على أنّه جزء لا يتجزأ منها، وذلك بما تزيِّنه وتزوِّقه في الترويج للبضائع الاستهلاكية، وتترك المشاهد (أي المستهلك) في دوّامة من اللّهاث وراء الجديد أو المُستجدّ والمريح والأكثر راحة، وما كان في عام 2000 يُمثِّل ذوقاً أرستقراطياً رفيعاً لم يعد في عام 2010 كذلك، وهلمّ جرّاً، حتى أن المتأثِّرين بالدعايات أو قُل ضحاياها، قد يكذِّبون كل شيء، ولكنهم يُصدِّقون (جُهينة)(1) الإعلام، و(حَذام)(2) الدِّعاية.
ولا تقتصر الدعاية المؤثِّرة في خيارات الناس على البضائع والسلع والمنتوجات فقط، بل امتدّت إلى الدعاية للمرشِّحين إلى الانتخابات الرِّئاسة أو البرلمانية، حتى باتت وسامة المُرشّح أو لباقته في الكلام أو شهادته العُليا هي المعيار في اختياره أو انتخابه حتّى لو لم يكن برنامجه الانتخابي لائقاً، وفي بعض الأحيان حتى لو لم يكن برنامجه انتخابي واضح.
إنّ اختيار المُرشّحين في الكثير من البلدان – بما فيها الراقية والمتحضِّرة – يشبه إلى حدٍّ ما برامج النجوم في الفضائيات، فالتصويت لا يعتمد على صلاحية المُرشّح بل على سعة جمهوره.
ولم يعد سرّاً أن اختبارات الأفضلية في الوظائف الشاغرة لا تمثِّل إلّا شكلاً مزيّفاً من أشكال العدالة الاجتماعية، فلو تقدّمت للوظيفة اثنتان إحداهما جميلة وقليلة الذكاء، والأخرى أقلّ جمالاً وأكثر ذكاءً، لاختيرت الأولى، أما اختيار القريب والنّسيب وصاحب الوساطة في الوظائف المُعلَن عنها أو التي تدّخر للمحظيين، فهو من رواسب التأثير القبلي والعشائري وتبادل المنفعة، أي اقبل من عشيرتك وتقبل من عشيرتي، وبالتالي فما يبدو في الظاهر اختياراً في الخفاء صفقة.
7- الإغراء:
لا نريد بالإغراء معناه الجسدي، فهو من مؤثِّرات الاختيار الغريزي، ولكننا نعني به إغراء الناس لك من نفسك، بحيث يُشكِّل اغراؤهم أشبه شيء بـ(اللّوبي)، فتراهم يؤثِّرون على قرارك – سلباً أو إيجاباً – بالدخول إليك من مداخل حسّاسة كالقول: إنّك الأفضل والأخبر والأقدر والأجدر والأكثر أمانة وإيماناً، حتى ليرغِّبونك في الدّخول بما ليس لك رغبة في الدخول فيه، وقد يكون ذلك بحسن ظنّ وسلامة نيّة، وقد يكون من باب التوريط والإيقاع بك كما وقع الآخرون من قبلك.
سُئل الإمام علي (ع) ذات مرّة: أيُّ الناس أثبتُ رأياً؟!
فقال: "مَن لم يُغرهِ الناس من نفسهِ، ولم تُغرهِ الدّنيا بتشويقاتها"!
ساحة النقاش