<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
لقد كانت أحداث واشنطن و نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001 و ما تعرضت له الأراضي الأمريكية لعمليات إرهابية كبري لم تكن لتخطر علي البال بعد أن كانت الأعمال الإرهابية لا تتعدى مهاجمة سفارة أو قاعدة عسكرية أو قطع بحرية في مناطق بعيدة عن الولايات المتحدة . و بالرغم مما حدث في هذا اليوم من بشاعة تؤكد مرة أخري أنه ليس للإرهاب وطن و دين كما يؤكد أن للإرهاب تكاليف سياسية و اقتصادية موجهة لتؤثر علي مصالح دول العالم كما طلب الرئيس محمد حسني مبارك في خطابه الهام أمام الجلسة المشتركة لمجلس الشعب و الشورى يوم 10 نوفمبر 2001 ..
و لكن .. ما هو الإرهاب ؟ أقول إن تعريف الإرهاب من أعقد الأمور فهناك عدد كبير من التعريفات لهذا المفهوم بحكم تعقد ظاهرة الإرهاب و تعدد مستوياتها ، و تباين وجهات النظر بشأنها ، سواء بالنسبة للأشخاص أو القوي السياسية أو الدول التي تواجهها ، بالإضافة إلي تداخل الاعتبارات الموضوعية الأخرى . و من هذا يبدو أحيانا أ، لكل طرف – شخصا أو جماعة أو دولة – رؤيته الخاصة لهذه الظاهرة مختلفة عن رؤى الآخرين ..
و أهم من ذلك أن الإرهاب يختلط في كثير من الأحيان بظاهرة العنف أو التطرف و يرتبط في أذهان الكثيرين بديانة أو جنسية معينة . و الأكثر أهمية أن تشابكاته قد تجاوزت حدود الدول ليتخذ أبعادا إقليمية و دولية هامة ، بفعل ما يشار حول تدعيم عدد من دول المنطقة – و ربما بعض دول العالم المختلفة – لممارسات إرهابية ضد بعض الدول ..
و ليس المقصود وضع تعريف محدد قاطع للإرهاب أو الدخول في مجالات نظرية حولها لكن المقصود هو تحديد عدد من المعالم و الخصائص و العناصر الرئيسية للإرهاب بغرض تحديد الجماعات و القوي التي تمارسه ..
و تكمن أهمية التعريف في أنه إذا تم تحديده ، فإنه من السهل بعد ذلك التعرف علي الممارسين للإرهاب ، باعتبار أنهم إذا قاموا بالأعمال الموضحة في التعريف ، فإنهم يدخلون ضمن فئة الإرهابيين و بالطبع فإن تحديد من هو الإرهابي هو المدخل الصحيح لمواجهة الإرهاب ..
بداية لا يوجد مجال للجدال حول ما سبق أن حدث في مصر من أعمال إرهابية خلال الفترات الماضية أنها تعتبر إرهابا أم لا ، ذلك أن هذه الأعمال اتسمت بسمات تجعلها أعمالا إرهابية حقيقية وجهت ضد السياحة أو التعدي علي المواطنين الأقباط أو علي رجال الشرطة أو المرفق العامة .. أو نوادي الفيديو أو دور السينما أو علي محلات المشغولات الذهبية أو اغتيال الشخصيات العامة و قبل أن تظهر أعمال الفتنة في مصر لفت الرئيس محمد حسني مبارك الأنظار إلي أن الإرهاب خطر يهدد المجتمع و دعوة دموية للتخلف لا علاقة لها بالدين ، و ليست لها جذور مصرية ..
في هذا الإطار ، يمكن تعريف الإرهاب بأنه أي فعل يصدر من فرد أو مجموعة أفراد ضد المجتمع لأغراض سياسية أو بصورة أكثر تحديدا هو استعمال العنف بأشكاله المادية و غير المادية – للتأثير علي الأفراد أو المجموعات أو الحكومات و خلق مناخ من الاضطراب و عدم الأمن بغية تحقيق هدف معين ، هذا الهدف الذي يرتبط بتوجيهات الجماعات الإرهابية لكنه – بصفة عامة يتضمن تأثير علي المعتقدات أو القيم أو الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية السائدة التي تم التعارف عليها في الدولة و التي تمثل مصلحة قومية عليها للوطن و علي ذلك يمكن تحديد عناصر تعريف الإرهاب في أمرين :
1. استعمال العنف المادي : فاستعمال العنف بأي شكل من أشكال يعد عملا إرهابيا سواء كان موجها ضد دولة أو أشخاص رسميين أو مواطنين عاديين عن طريق القتل أو الخطف أو الاحتجاز أو غير ذلك و سواء كان موجها ضد المنشآت أو الأموال العامة أو الخاصة عن طريق العنف و السرقة و النهب علي أن يكون كل ذلك موجها لخدمة أهداف معينة ذات طابع سياسي أو عقائدي أو اجتماعي .. و هناك فرق بين الإرهاب و العنف .. فالعنف هو الإكراه المادي الواقع علي شخص أو جماعة للإجبار علي سلوك ما أو تصفيته جسديا كما إنه يعني التدمير المادي للمنشآت و الاستيلاء علي الأموال عمدا عن طريق القوة .. أما الإرهاب فإنه يقترن بمفهوم العنف إذ أن العنف هو أهم مظاهره لكن بدرجة جسمية تخرجه عن نطاق التجريم العام لجرائم العنف ليخرج في نطاق التجريم العام الخاص .. بينما توجد علاقة بين الفاعل و المجني عليه في جرائم العنف فغالبا ما تكون هذه العلاقة مفقودة بين الإرهابي و ضحاياه ، و كذلك فإن أهداف العمل الإرهابي تتجاوز أهداف أعمال العنف الإجرامية العادية إلي النطاق الإجرامي الذي يهدد أمن المجتمع و سلامته ..
و هناك أيضا فارق بين الإرهاب و التطرف ، فالتطرف يرتبط بمعتقدات و أفكار بعيدة عما هو معتاد و متوافق أو متعارف عليه سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا و دينيا دون أن ترتبط ذلك المعتقدات و الأفكار بسلوكيات فعلية مادية متطرفة أو عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف – كما سيأتي ذكره – فإنه يتحول إلي إرهاب ..
فالتطرف غالبا ما يكون في دائرة الفكر و قد ينعكس هذا الفكر علي السلوك و ذلك في أشكال متعددة قد يأخذ بعضها شكل القول أو الكتابة أو غيرهما من وسائل التعبير عن الرأي و قد يتجسد الفكر المتطرف في أنماط أخري من السلوك كارتداء زي معين أو الامتناع عن سلوك معين ..
أما عندما يتحول الفكر المتطرف إلي أنماط عنيفة من السلوك من اعتداء علي الحريات أو الممتلكات أو الأرواح ، فهو عندئذ يتحول إلي إرهاب ..
2. التهديد بأعمال العنف ، و هو عنصر أو مظهر آخر من مظاهر و عناصر الإرهاب فمجرد التهديد المتعمد الواضح بالإيذاء الجسدي أو المادي الذي يلجأ إليه شخص أو مجموعة أشخاص ضد شخص أو مجموعة أشخاص رسميين أو غير رسميين ، أو ضد رموز الدولة يدخل ضمن فئة الإرهاب طالما أن ذلك يتم لأهداف سياسية و بصرف النظر عما إذا كان الإرهابيون قد مارسوا العنف الفعلي أم اكتفوا بمجرد التهديد به .
و ذلك أن التهديد بالعنف الإرهابي هو المقدمة الطبيعية للإرهاب الحقيقي الفعلي ، و هو لا يقل خطورة عن أعمال العنف الفعلية ، و إن كان يستلزم وسائل مواجهة الأعمال الإرهابية الفعلية – إلي حد ما ..
و من الصعب تصور الإرهاب بغير فكرة استخدام العنف أو التهديد به ، و ذلك أن العنف الإرهابي هنا هو العنف الذي يهدد إلي إحداث التأثير فالعنف الإرهابي ليس مقصودا في حد ذاته ، لأنه وسيلة و ليس غاية ، فأعمال القتل و الاغتيال الإرهابية مثلا تهدف إلي هز الاستقرار السياسي ، و خلخلة هيبة الدولة أو دول معينة و إيجاد مناخ عام من الخوف الذي يدفع إلي الاهتزاز النفسي أكثر من مجرد التخلص من بعض الأشخاص الذين قد لا تكون لهم أية علاقة بالإرهابي . فالأثر النفسي و السياسي الذي تحدثه الواقعة الإرهابية هو الهدف من الواقعة الإرهابية هو الهدف من الواقعة و ليس ضحاياها فاستهدف السائح مثلا ليس هدفا لكن الهدف هو ضرب السياحة .
و تظل هناك بعد ذلك نقطة هامة للغاية بالتحريض علي أعمال الإرهاب بمعناها السابق و هي : هل يجب اعتبار من يحرض علي أعمال الإرهاب دون أن يشارك في العمل الإرهابي أو يهدد به إرهابيا أم لا ؟ و الإجابة القانونية علي مثل هذا السؤال واضحة و قاطعة فمسئولية المحرض لا تختلف عن مسئولية الفاعل الأصلي سواء كان التحريض يتم بصورة مباشرة أو غير مباشرة فالمحرض هو شريك في الجريمة من وجهة نظر القانون . لكن مشكلة التحريض أوسع من مجرد كونها مشكلة قانونية فحسب ، بحكم طبيعة واقعة التحريض ذاتها ، و تعقيدات العمل السياسي المرتبطة بها ..
و الخلاصة أن الإرهاب هو ممارسة العنف و التهديد به بغرض سياسي للتأثير علي هبة أو جماعة أو دولة معينة أو سيطرتها علي الأوضاع القائمة فيها ، و التأثير علي سيادتها بصورة تطرح احتمالات مختلفة و ضرب اقتصادها بما يؤدي إلي خلق أوضاع عدم الاستقرار الداخلي .. و قد اهتم المشرع المصري بوضع تعريف محدد للإرهاب – من الناحية القانونية – حتى يفرق بين تلك التشابكات المعقدة المرتبطة بهذا المفهوم ، و حتى لا يكون هناك لبس بخصوص من يعتبرهم القانون المصري إرهابيين ، لذلك نصت المادة 86 من القانون رقم 97 لسنة 1992 (1) علي أنه : يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع و أمنه للخطر ، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال و المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها ، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح ، و علي ذلك فإن أسبابها متعددة ، و يجدر بنا أن نذكر بعد ذلك أسباب ظهور و تصاعد أعمال الإرهاب في مصر ، و موعدنا إن شاء الله في العدد القادم من المجلة .
ساحة النقاش