ينتشر الاكتئاب النفسي في أي مجتمع بمعدلات تصل الى 2% من مجموع السكان وبترجمة بسيطة لهذا الرقم نجد أن تعداد مدينة مثل الإسكندرية بها 4 ملايين نسمة تضم 80 ألف مصاب بالمرض وطبقا لإحصائيات الصحة العالمية في عام 1990 ، يأتي الاكتئاب في المرتبة الرابعة ضمن عشرة أمراض تسبب فقد القدرة على التكييف والعمل والمتوقع في عام 2.2. أن يحتل المرض المرتبة الثانية يعد جلطات القلب كمسبب لعدم القدرة على التكييف والعمل .

وهناك معايير كثيرة- كما يقول الدكتور عادل الشعشاعي أستاذ ورئيس قسم الأمراض النفسية والعصبية بطب الإسكندرية – تفصل مرض الاكتئاب النفسي عن الحالة المزاجية الناتجة عن الإحباط أو المرور بأوقات عصيبة ، حيث يشعلا الانسان في كليهما بحالة اكتئاب ، غير أن الاكتئاب يكون مصحوبا بأعراض مرضية أخرى مثل اضطراب النوم مع تغيير واضح للحالة المزاجية في الصباح عنها في المساء مع فقد الشهية للطعام ونقص وزن الجسم ووجود بعض الأفكار غير الطبيعية كالإحساس بالذنب تجاه أحداث سابقة وعدم القدرة على التركيز بالاستيعاب مع وجود أعراض جسمانية أخرى كثيرة كالصداع وصعوبة التنفس والامساك واضطراب الحالة الجنسية وقد يتساءل البعض طالما ان هذا المرض محدد المعالم لماذا لا يذهب المريض مباشرة للطبيب النفسي طالبا للعلاج. الا ان الإجابة تكمن ببساطة في الارتباط الأمراض النفسية ومجال الطب النفسي عامة بالوصمة ، حيث ينظر المجتمع لأي مريض على أنه غير طبيعي وكذلك المعلومات المنقوصة لعامة الناس عن مجال الطب النفسي المفاهيم الخاطئة التي ترتبط بالمريض النفسي من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات ويؤكد الدكتور الشعشاعي أن الاكتئاب النفسي من أخطر الأمراض حيث يؤدي الى انتحار نسبة كبيرة من المرضى كما أنه يعوقهم عن أداء أعمالهم أو القيام بوظائفهم الطبيعية .

ويوضح أن هناك طرقا كمختلفة لعلاج المرض منها العلاج النفسي والسلوكي والكهربائي وكذلك العلاج الكيمائي حيث مرت مراحل اكتشاف العقاقير المضادة للاكتئاب بمرحلتين ك أولهما مصادفة بعد الحرب العالمية الثانية حين كان العلماء في أوروبا يحاولون تطوير عقار مضاد للسل الئوي وبعد تداوله مع المرضى ازداد النشاط الذهني والحركي لهم بعد أن كانوا في ركود وازدادت شهيتهم للطعام وانتظم النوم وارتفع المزاج بدرجة جيدة ولكن تدهورت حالتهم الصحية من ناحية مرض السل الرئوي وبعد إعادة الأبحاث على هذا القار الكيميائي وجد أنه مضاد للاكتئاب وليس للدرن وبدأت صفحة جديدة في الاكتشافات الطبية للأدوية النفسية بأول مجموعة من مضادات الاكتئاب والتي تعرف باسم " مثبطات الأنزيم" المؤكسد "للأمينات الأحادية " حيث ينتج الاكتئاب النفسي من نقص هذه المواد مثل دبوبامين وسيروتونين داخل المخ وبتقليل فعل الأنزيم المؤكسد لهذه المواد داخل المخ فان كميتها تزداد ويتماثل المريض للشفاء. وبدأ استعمال هذه المركبات في العلاج الا أن زيادة أعراضها الجانبية والتي تمثلت في ارتفاع ضغط الدم وخطورتها على وظائف الكبد أدت للحد من استخدامها وبعد ظهور الجيل الثاني من مضادات الاكتئاب ارتفعت نسبة الشفاء حيث عملت على رفع نسبة الأمينات الأحادية داخل المخ دون تثبيط للأنزيم المؤكسد ومع ظهور أول دواء يكتشف داخل المعامل كمضاد للاكتئاب فتحت نافذة داخل مخ الانسان المغلق بهذه الاكتشافات وعرف أن نقص مادة السيروتونين هي المسببة لحدوث الاكتئاب النفسي .

ويوضح الدكتور الشعشاعي أن هاك علاقة وثيقة بين كيمياء المخ والحالة المزاجية حيث تنتقل مؤثرات ومستقبلات وظيفة الإحساس والحركة والقدرات العقلية داخل الخلية الواحدة بالمخ من خلال طاقة كهربائية الى خلية أخرى يكون مؤلما عنها موصلات عصبية مثل دوبامين وسيروتونين وغيرهما. وتؤكد نتائج الأبحاث والدراسات الحديثة ان الأمراض الذهنية عامة مثل الاكتئاب والفصام تحدث نتيجة خلل في عمل هذه الموصلات العصبية وبالتالي يختل نقل المؤثر داخل المخ وتظهر الأعراض المرضية وعند التعامل بمواد كيميائية فأنها تستعيد وظيفتها الطبيعية ويتماثل المريض للشفاء.

ويبشر المستقبل القريب باكتشاف رابع جيل من مضادات الاكتئاب تعمل على إعادة توازن الحمض النووي بخلايا المخ وتحقيق الشفاء الكامل للمريض 

المصدر: د.عادل الشعشاعي

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,285,836