يؤكد علماء النفس أن العالم يعيش في وقتنا الحاضر في"عصر الاكتئاب"حيث يتزايد انتشار حالات الأمراض النفسية بصفة عامة والاكتئاب بصفة خاصة في كل بلاد العالم كما تذكر تقارير منظمة الصحة العالمية التي تؤكد أن نسبة7%من سكان العالم مصابون بالاكتئاب(آي ما يقرب من300-500 مليون إنسان) كذلك تذكر الإحصائيات ان المرأة اكثر إصابة بالاكتئاب من الرجال بنسبة تصل إلي ثلاثة أضعاف !.. فما هي الأسباب التي تجعل المرأة أكثر عرضة للإصابة بالكآبة؟
وللمرأة تكوين نفسي خاص وطبيعة تختلف عن الرجال، ورغم ما يقال من تمتع المرأة بقدر احتياطي من القدرات البيولوجية والنفسية يفوق ما لدى الرجل آلا أن لديها الهموم الخاصة في كل مراحل حياتها بداية من الطفولة حيث تكون البنات أسرع نموا من الأولاد ويصلن مبكرا الي مرحلة البلوغ والمراهقة ، ثم تبدأ بعد ذلك الدورة الشهرية وما يرتبط بها من انفعالات ومتاعب ، وقد يحدث التوتر نتيجة لما يصاحب هذه المرحلة من تغييرات جسدية لم تألفها الفتاة من قبل ، ثم تأتي بعد ذلك الزواج وما يحيط به من التوتر الذى يصل أحيانا الي حد الصراع النفسي خصوصا في البداية حتي يتم التوافق والتكيف علي الحياة الزوجية، ومن الهموم الإضافية للمرأة والخاصة بها الحمل، والولادة، والنفاس، والأمومة، ورعاية الأطفال وما يتطلبه كل ذلك من أعباء بدنية ونفسية.
مشكلات الزواج والطلاق :
تشهد السنوات الأولي للزواج عادة الكثير من الصعوبات في التفاهم بين الزوجين ، غير أن المرأة تكون عادة هي الطرف الأكثر تأثرا ، ونظرا لصعوبة التوافق الذى يحدث نتيجة للظروف الجديدة التي تصاحب الانتقال الي الحياة الزوجية فقد يحدث في الغالب بعضا من الشد والجذب بين المتزوجين حديثا ، فالتوافق التام بين طرفي الزواج هو من غير الممكن من الناحية العملية خلافا لما يدور بخيال الذين لم يخوضوا بعد تجربة الزواج ، وقد وجد أن هذه الخلافات الزوجية تحدث بصورة واضحة في أكثر من 50% من حالات الزواج .
وقد تكون الخلافات الزوجية من الشدة بحيث لا يكون هناك آي مخرج منها سوى الطلاق كحل مشروع للموقف بانفصال الزوجين ، والطلاق هو أحد الخبرات المريرة في حياة المرأة لما يترتب عليه من نتائج نفسية واجتماعية عميقة ، لكن الاستمرار في حياة زوجية غير متوافقة خوفا من تجربة الطلاق قد يؤدى إلي آثار سلبية أسوأ من الناحية النفسية ، وكلتا الحالتين - اى استمرار الصراعات الزوجية او الانفصال بالطلاق - قد تكون السبب في اصابة المرأة بالاكتئاب .
المرأة في العيادة النفسية :
أصبح من المألوف لدينا في العيادة النفسية الاستماع الي شكاوى متكررة من السيدات اللاتي يترددن طلبا للمساعدة والعلاج ، منها علي سبيل المثال :
- " أتقلب في فراشي دون نوم طول الليل ، وأصحو دون إحساس بالراحة منذ الصباح " .
- " اشعر دائما باليأس .. وأنه لا أمل لي في الحياة .. " .
- " ابكي أحيانا وأشعر بالحزن دون وجود سبب محدد لهذا " .
- " كثيرا ما أشعر بالتعب والإرهاق ، أكون علي حافة الانهيار " .
- " أعاني شعور الضيق والملل ، وكثيرا ما أتطلع الي اللحظة التي اترك فيها المنزل ".
وغير ذلك الكثير من الشكاوى ، وكلها علامات علي مشاعر القلق والتوتر والاكتئاب لدى المرأة دون وجود أسباب واضحة في معظم الحالات ، لكنها تحول دون ممارسة المرأة لحياتها وأنشطتها المعتادة ، أو الاستمتاع بمباهج الحياة .
سن اليأس :
سيدتي .. أغلب الظن ان تعبير " سن اليأس " يرتبط في ذهنك بالكثير من المخاوف والأوهام بما يجعل مجرد الحديث عنه أو التفكير فيه بمثابة الكابوس المزعج .... حسناً .... إليك هنا الحقيقة العلمية والمعلومات الصحيحة التي ربما تغير تماماً كل مفاهيمك حول هذا الموضوع .
لا أعلم من أول من أطلق تسمية " سن اليأس " كتعبير بدأ استخدامه في الانتشار للتعبير عن مرحلة من العمر في حياة المرأة ، لكنني استطيع أن أؤكد لك سيدتي ان مصطلح " سن اليأس " لا يعدو كونه - والله العظيم - تعبيراً غير دقيق وترجمة خاطئة للغاية للأصل الأجنبي “ MENOPAUSE ” وتعني لغة توقف الحيض او انقطاع الطمث ليس إلا !
أنت معذورة يا سيدتي فيما يساورك من مخاوف وأوهام حول ما يسمي"سن اليأس"فقد أسهمت هذه التسمية في حد ذاتها في ارتباط هذه المرحلة السنية التي يطلق عليها علمياً فترة"منتصف العمر"والتي تشمل العقدين الخامس والسادس ببعض التغييرات والمتاعب البدنية والنفسية،ومع الانتشار الواسع لاستخدام مصطلح " سن اليأس " للدلالة علي هذه المرحلة لردح طويل من الزمان قد تظن الكثير من السيدات أن لهذه الحالة من اسمها نصيباً ، فتعتقد السيدات أنها ترمز الي بداية خريف العمر ، وإيذان لنجمهن الساطع بالأفول !
ولعل هذا التصور هو الوهم والمرض في حد ذاته ، رغم أنه لم يثبت ارتباط هذه المرحلة بحالات مرضية معينة مثل ما يشاع عن ازدياد فرصة الاصابة بالاكتئاب النفسي ، ونستطيع أن نؤكد لك سيدتي ان حالات الاكتئاب التي تصيب المرأة في هذه السن لا تختلف بحال عن تلك التي تحدث في مراحل العمر الأخرى ، ولم تسجل أية زيادة في الاضطرابات النفسية في هذه المرحلة بالذات .
تغييرات بدنية ونفسية :
لكن مرحلة انقطاع الحيض والتي تبدأ عادة في سن الخمسين في المتوسط " وجد أن البداية تكون في سن 48-51 في معظم السيدات " تكون مصحوبة ببعض التغييرات البيولوجية والنفسية ، ويرجع ذلك إلي تغيير في إفراز الهرمونات من غدد الجسم الصماء التي يتحكم بها الهيبوثلاموس " أحد مراكز الجهاز العصبي " والغدة النخامية ، وتكون النتيجة النهائية توقف المبيض عن عملية التبويض ، وهي إنتاج البويضات الذى يتم بصورة منتظمة خلال الدورة الشهرية ، ويترتب ايضا - وهذا علامة هامة - ان ينقطع الحيض آي الطمث الذى يحدث كل شهر بداية من سن البلوغ .
ولعل انقطاع الحيض او توقف نزول الدم خلال الطمث هو المؤشر الذى يدل المرأة علي ان تغييرا ما قد حدث ، ففي البداية تتباعد المدة بين مرات الحيض قبل ان تتوقف كليا ، لكن عليك ان تعلمي يا سيدتي ان ذلك كله يتم نتيجة للتغييرات الهرمونية التي أشرت اليها ، ولا علاقة له بالحالة الصحية او التغذية او الظروف الاجتماعية والبيئية الأخرى ، فأنت تبدأين مرحلة تالية من العمر، وليس انقطاع الحيض إلا تصورا طبيعيا تمرين به شأن كل النساء .
بعض من المشكلات ... وطريقة الحل :
صحيح ان بعض المشكلات البدنية والنفسية قد تحدث خلال أو عقب الفترة التي يبدأ انقطاع الحيـــض
" لاحظي سيدتي أني لم استخدم مصطلح سن اليأس لوصف هذه المرحلة " نذكر منها علي سبيل المثال بعض الأمراض مثل هشاشة العظام ، وبعض من أمراض القلب والشرايين ، واضطرابات الجهاز البولي والتناسلي ، وكل هذه تقريباً تنشأ نتيجة لاضطراب إفراز الهرمونات خصوصاً نقص إفراز الهرمون الأنثوي المعروف باسم " ألا ستروجين " لذلك يكون العلاج عادة بوصف جرعات مناسبة من هذه المادة لتعويض النقص في إفرازها .
وتذكر بعض السيدات في هذه المرحلة حدوث نوبات متعاقبة من الشعور بالسخونة والعرق والضيق تستمر لثوان وتتكرر ، وتحدث هذه النوبات في 50% من السيدات مع بداية انقطاع الطمث وتكون مزعجة بالفعل ، لكن التغلب عليه ممكن بالأدوية وباستخدام مادة " ألا ستروجين " التي أشرنا اليها ، وهناك الأعراض النفسية كالقلق والمخاوف ومشاعر الحزن والكآبة ، وهذه في الغالب نتيجة للأوهام المترابطة بفكرة " سن اليأس " التي تحدثنا عنها ، وهي في الغالب يمكن التخلص منها بالعلاج النفسي البسيط .
سيدتي ... بعد هذا العرض لحقيقة ما يطلق عليه " سن اليأس " لعلك قد اقتنعت بأنه لا مبرر لكل ما يحيط بهذا الموضوع من مخاوف وأوهام ، وسامحه الله من أطلق هذه التسمية ، إذا بقي لديك ذرة من الخوف ... فعليك بقراءة هذا المقال مرة أخرى من البداية .
هل من علاج ؟
بداية نقول : لا داعي للقلق ، فالحل للخروج من حالة الاكتئاب لديك والتغلب عليه يتوقف في جانب كبير منه عليك أنت يا سيدتي ، فالمتاعب النفسية لدينا تبدأ وتتفاقم حين نتخلي عن الأمل والتفاؤل ، ونستسلم للتشاؤم واليأس ، لكنك إذا نظرت حولك فلابد أن تجدي الكثير من الإيجابيات ، والأشياء الجميلة ، ولي فقط الهموم والمتاعب ، وكل ما علينا هو أن نبرز هذه الإيجابيات ونركز عليها دون السلبيات ، وبدوري كطبيب نفسي فإنني أؤكد لك - يا سيدتي - أن سبل السعادة وراحة البال موجودة دائما في داخلنا ومن حولنا ، وإن كان البعض منا يضل الطريق إليها في بعض الأحيان .
وفي الحالات التي يتطلب فيها الأمر استشارة الطبيب النفسي فالعلاج الحديث لحالات الاكتئاب يساعد كثيرا علي التحسن والتغلب علي أعراض الكآبة ، لكن الأمر يتطلب دائما وجود قدر من الهدوء ، والإيمان بالله ، حتي تنعمين بسكينة النفس ، وحتى يتحقق لك التوازن النفسي في مواجهة الاكتئاب
ساحة النقاش