هل يولد بعض الناس أقوياء في الشخصية بينما يولد آخرون ضعفاء فيها؟ أم أن القوة والضعف هنا عاملان مكتسبان ؟
لاشك ان هناك من يولد اقوي شخصية من غيره ، فكما يرث أحدنا الصفات الجسدية لآبائه وأمهاته كلون بشرته ، وتقاسيم وجهه ، كذلك فانه يرث صفاتهم النفسية بنسب معينة ولكن ذلك لا يعني ان من لم يرث قوة الشخصية من آبائه فانه لا يمكنه اكتسابها . فالصفات التي نرثها ليست كلها من النوع الذي لا يمكن تبديلها وتغييرها ، ولا من النوع الذي لا يمكن الإضافة عليها بشكل أو بآخر فظروف الحياة والتجارب التي يمر بها الإنسان وتصميمه وتحديه كلها تشكل عوامل تساعده الى زرع الصفات التي يرغب فيها في ذاته لتنو في شخصيته . وهذا يعني ضعفاء الشخصية يمكن ان يصبحوا بمرور الزمن أقوياء وفي ذات الوقت يمكن ان يولد أشخاص أقوياء في شخصياتهم من جهة الوراثة ولكنهم بفعل الظروف الاجتماعية والعائلية يفقدون قوة شخصياتهم .. ان النظر الى الواقع العملي يكشف عن أن الأكثرية من أقوياء الشخصية هم من الذين اكتسبوها من خلال الخطوات العملية التي مارسوها في حياتهم وأنهم كانوا يعانون من الضعف في فترات سابقة من حياتهم وهذا يعني ان كل إنسان يولد بحد أدني من قوة الشخصية ومن خلال التربية والإرادة والممارسات العلمية يكتسب قوة إضافية يضيفها الى رصيده الطبيعي منها . .. ان قوة الذات في جميع البشر تكمن في الالتزام بهدى الفطرة التي يولدون بها وهي تلك الطهارة الداخلية التي تولد الحقيقة ومنها تنبع القوة كلها ... ولا عجب فقد نرى رجلا فقيرا فاشلا في حياته قد تحول الى قوة كبرى تحدى بها اكبر إمبراطورية وانتصر عليها وها هو غاندى الذي حرر الهند من بريطانيا عندما كانت أكبر قوة استعمارية ، من غير اللجوء الى أي قوة ألا ما سماه قوة الحقيقة " . ان الحفاظ على الطهارة الداخلية النابعة من الفطرة والأيمان الصادق بالمبدأ والعمل المخلص من أجله تعطي الذات قوة عظمى لا يقتصر تأثيرها على الزمن المعاصر لها بل تتدفق الى الزمنية اللاحقة أيضا .
اليس كل ذلك متوفرا للناس ؟
حقا .. ان للصدق قوة كبرى وكذلك الأيمان والعدالة والحرية والأخلاق وكل من يلتزم بها ، ويعمل من أجلها تصبح له قوة في الذات الإنسانية وتأثيرا إيجابيا في الحياة بقدر ما يحمل من ذلك .. فمثلا الصدق هو الذي يعطي الحياة معنى غبر القوة التي يمد بها صاحبه وكذلك الأمر مع الأخلاق الفاضلة ، حيث ان لها سلطانا على النفوس حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يلتزمون بها .. فحتى الكذاب يحترم من يلتزم بالصدق وحتى الظالم لا يستطيع الا ان يحترم – على الأقل في أعماق نفسه .. من يرفع رايه العدالة في وجهه .. وفي هذا يكمن السر في عجز الطغاة عبر التاريخ عن القضاء على الأنبياء والرسل الصالحين .. ان في الروح ينبوعا من القوى الهائلة وكل من يقترب من هذا الينبوع ويرتشف منه يصبح لديه قوة يسميها البعض سحرية ولكنها هي قوة الروح الحاكمة على الحياة .. أليست الروح من أمر الله ؟ يقول تعالي : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قد يظن البعض ان لاذكاء أو العلم مهمان جدا من أجل كسب النجاح أو الأهمية في المجتمع ألا ان تجارب كل الناجحين تدل على أن قوة الشخصية تساهم في نجاح العمل اكثر بكثير مما يساهم به الذكاء مهما كان خارقا ..
وقد يتساءل البعض ما هي الشخصية ؟
الشخصية هي مجموعة ميزات الانسان الروحية والفكرية والجسدية وميوله ورغباته وتجاربه وتدريباته وطريقة حياته وهي تتأثر بالوراثة والبيئة والتربية ... ولا شك ان من افتقد جانبا من قوة الشخصية مثل الوراثة فانه يمكن تقويتها لديه من خلال جوانب أخرى كالتربية والتدريب وهذا يعني انه يمكننا بالتأكيد ان نجعل شخصياتنا اكثر صلابة وأكثر جاذبية ونسعي للحصول على أقصى ما نستطيعه من خلال هذه الجوهرة التي وهبها الله تعالي لنا ..
ساحة النقاش