1- السوي والمرض:
قد يصعب التمييز الدقيق للعصاب عن النمو الطبيعي أو التطور. فكل ما يظهر في مطلع الحياة جزء منا، وبنمونا تتميز ذواتنا. إننا ننمي إحساسا بالأنا أي بمركزية الذاتية التي تعيش فينا وتوفر وسطا مسهلا لتقدم نمونا بطريقة معقولة ومتناغمة- يعاني الشخص الطبيعي بعض التكامل في مقومات الذات- لا يعني هذا تقدم النمو الطبيعي دون تعقيد أو صعوبة بل تتخلله نضالات مرة.
وإن ما يجعل النمو طبيعيا برغم كل تلك المصاعب والنضالات والتعقيدات، إنما هو العامل الكمي الذي يشير إلى بقاء الصراع مسيطر عليه فلا يفلت من الزمام.
أن الاختلاف بين الشخص المريض والشخص السوي لا يكمن في انعدام وجود الصراعات النفسية، بل في طريقة الشخص في مواجهتها وفي التصرف تجاهها. وطالما أن الأنا يسيطر على الصراعات المقلقة فالشخص هو في حالة سوية، وبالتالي، فهو قادر التكيف والانفتاح والفاعلية بحيوية ونشاط.
أما إذا سيطرت الصراعات النفسية المؤلمة المقلقة على "أنا" الشخص لدرجة اضطراره (الأنا) اللجوء إلى سلوكات اضطرابية، كالعنف أوالعصبية الزائدة المفرطة، والتي تثير بدورها قلقا مضاعفا يصعب احتماله، حينذاك، يعد الصراع مرضي. ويعتبر التحليل النفسي أن الصراع هو من شروط تكون الكائن الإنساني وذلك من منظورات متعددة:
صراع بين الرغبة le desir والدفاع، صراع بين الأنظمة أو الأركان (الأنا، الهو، الأنا الأعلى)، صراع بين النزوات (نزوات الحياة ونزوات الموت)، والصراع الأوديبي حيث لا تتجابه الرغبات المتعارضة فيما بينها فقط، إنما نجابه التحريم أيضا. وقد توجه التحليل النفسي إلى جعل الصراع النفسي الفكرة المركزية في نظرية الأعصبة Nevroses.
إن أهم ما يميز الحالة السوية يكمن في مرونة "الأنا" وقدرته على التكيف والملاءمة Adaptation مع جميع أوضاع الحياة، الذاتية منها والموضوعية على السواء؛ بينما تتميز الحالة المرضية بـ "تصلب الأنا" أو "تزمت الأنا"، حيث يسيطر ميل معين على ذهن الشخص (أي أن هناك صراعا عنيفا موحدا يشغل كل انتباهه واهتمامه).
ويلجأ الأنا، في هذه الحالة، إلى أوالية دفاعية، بشكل جامد ومتكرر، دون إجراء أي تعديل عليه. إذن نستخلص مما تقدم أن السلوك السوي (الصحة النفسية) هو ذلك التصرف المتكيف مع الذات ومع المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. بينما الشخص اللاسوي هو ذلك الشخص الذي يعاني من اضطرابات عصابية معينة تبدو واضحة في سلوكه الحياتي اليومي، والذي يلجأ إلى الأوالية الدفاعية، بشكل منمط للتماهيات نفسها وهو غير متوافق اجتماعيا.