يستطيع الإنسان أن يختار أصدقاءه، عكس زملائه في العمل الذين يُفرضون عليه. وبما أن معدل ساعات العمل يوميا،ً هو حوالي سبع ساعات، يستحسن أن يكون هذا الإنسان على علاقة جيدة مع زملائه، وإلاّ تحول مكان عمله إلى جحيم لا يطاق.
تُخبر "أسمى" بأسىً عن بيئة عملها الجديد، وما سببته لها من معاناة وحزن واكتئاب، منذ لحظة تعيينها موظفة في الشركة الجديدة، تقول: «شعرت منذ اليوم الأول لوصولي إلى الشركة بأن زملائي الجدد يمقتونني. وعلى الرغم من ذلك، حاولت التقرب منهم، لكنني لم أفلح في كسر الحلقة التي كانوا قد شكلوها قبل وصولي. فكنت كلما أقترح مشروعاً ما، أو أعرض فكرة، يسارعون إلى انتقادها أو تجاهلها. حاولت جاهدة تغيير الوضع، لكنني لم أفلح، يبدو أنهم عزموا على عزلي وكرهي لسبب ما أجهله. حالياً، أذهب إلى عملي صباح كل يوم بقلب منقبض ونفس حزينة لدرجة القرف. فكرت في الاستقالة، لكن حاجتي إلى الوظيفة منعتني من ذلك، لكنني أقسم بين الفينة والأُخرى أنني لن أعيش يوماً آخر برفقتهم».
بقي أصحاب العمل والمسؤولون عن تطوير الشركات مقتنعين ولفترة طويلة، بأن الإنتاجية والاحترافية، هما أساس نجاح الشركات والمؤسسات، إلى أن لاحظ علماء النفس أن هذا النجاح يعتمد أيضاً على بيئة عمل مناسبة وفريق عمل متماسك. وأشار أولئك إلى أنه كلما شعر الموظف براحة نفسية، تحسن عمله وتضاعفت إنتاجيته.
لكن، ليس من السهل تحقيق هذه المعادلة في أيامنا، لاسيما في ظل وجود عوامل عدة تسيء إلى بيئة العمل السليم، مثل: زيادة أوامر تسريح العمال والموظفين واعتماد عقود عمل قابلة للفسخ، إضافة إلى مضاعفة عملية استخدام المتدربين. يضاف إلى ذلك كله، إحساس كل موظف ومشاعره، لأنه حتى في أكثر الأماكن اعتماداً على العقلانية، يصعب على أي شخص الانفصال عن أحاسيسه أو تركها خارج أسوار مكان عمله. إذ لا يمكن أن يتجرد كلياً من مشاعره ويتحول إلى ماكينة إنتاج بمجرد جلوسه وراء مكتبه وأمام شاشة الكمبيوتر.
كما في المنزل كذلك في المكتب
لاحظ علماء النفس أن نجاح الشركات يعتمد على بيئة عمل مناسبة وفريق عمل متماسك، وأن الموظف كلما شعر براحة نفسية، تحسّن عمله وتضاعفت إنتاجيته.تؤكد برايان ديروش، مؤلفة كتاب «لا تعتقد أن مديرك هو والدتك»، أن الموظف أو العامل يحتاج إلى توافر ثلاثة أمور أساسية، لكي يتمكن من العمل بشكل سليم، وهي: «أولاً، الشعور بالانتماء إلى المكان وإلى الجماعة التي يعمل معها وأن يكون معروفاً في وظيفته. ثانياً، الشعور بأنه كفء وبأن عمله موضع تقدير. وثالثاً، الشعور بأنه مقبول ومحبوب من قِبل الآخرين».
إذن، تحتل بيئة العمل مكاناً مهماً جداً في عملية تقويم إنتاجية الفرد، فكل شيء يتمحور حول تلك العلاقات التي تُنسج بين زملاء العمل. وتشير برايان في كتابها، إلى أن الإنسان يتصرف في مكان عمله، كما لو كان في منزله وسط أسرته. إذ تقول: «يجلب كل واحد منا السلوكيات والتصرفات التي تعلّمها ويطبقها ضمن أسرته الخاصة إلى مكان عمله، وهي تظهر أثناء المواقف الضاغطة، الناتجة عن توتر العلاقات بين زملاء العمل». يبدو أننا نعيد أداء أدوار صفوف الحضانة، حيث هناك الضحية والمنقذ والمهرج والعنيد. عندما لا تتضح هذه الأدوار بالنسبة إلى الجميع، فإنها تشوش على العلاقات المنسوجة وتتحول إلى مصدر نزاعات بين الزملاء.
أخاف ألا أعجبهم
يسهم عدم ثقة الفرد بنفسه في تعقيد العلاقات، فثمة أشخاص تُطمس شخصياتهم بسهولة، لدرجة يتحولون فيها إلى أشباح، فيصبح وجودهم مماثلاً لغيابهم. هذا الواقع،يولِّد في داخلهم شعوراً بالغربة تجاه زملائهم، فيعتقدون خطأ أنهم غير مرحَّب بهم أو أنهم مكروهون، في حين أن المسألة برمَّتها مجرد تجاهل وعدم اكتراث. يُخبر أيمن، مدير الشؤون الخدماتية في إحدى الشركات، عن زميلة له عُينت في شركته بعد ستة شهور من إنشاء فريق العمل، لكنها لم تفلح في الاندماج معهم فاستقالت. قال: «شكَّل الأفراد الذين عُينوا في الأول فريقاً متماسكاً ومتجانساً بسرعة كبيرة، وعندما وصلت (يمنى)، لم تتمكن من الاندماج معهم، فابعدت ذاتها في الوقت الذي لم يسع أحد منا إلى عزلها. هذا الوضع أدى إلى توتير الأجواء في المكتب». كثيراً ما يواجه الأشخاص الذين لا يتمتعون بثقة عالية بالنفس مثل هذه المواقف في عملهم، فهم لا يملكون الجرأة الكافية للمخاطرة في بدء حوار مع زملائهم. عادة ما يؤدي خوفهم الكبير من ألا يكونوا موضع ترحيب أو تقدير من قِبل الآخرين، إلى أبعاد ذواتهم ليصبحوا هامشيين. من المهم جداً تحديد مصدر المشكلة في العلاقة بين الزملاء. فإذا لم يوجد شيء تلوم نفسك عليه، وإذا لم تتعرض لأي انتقادات أو وقعت ضحية مؤامرات، وجب أن تطمئن وأن تحاول تقويم موقفك وسلوكك تجاه الآخرين.
زملاء وأصدقاء
هل يمكن أن يتحول زملاء العمل إلى أصدقاء؟ لا شيء مؤكداً، فالأمر يعتمد على كل فرد. لكن في الإجمال، وجب عدم إهمال تلك المناسبات البسيطة في العمل، مثل، الاتفاق على تناول الفطور أو الغداء معاً في مطعم الشركة، أو احتساء القهوة معاً أثناء الاستراحة، وتقديم الهدايا الرمزية في الأعياد. هذه المناسبات غير الرسمية تُسهل حل أي مشكلة عالقة وتبدد أي سوء تفاهم. في هذا الإطار، يتحدث أيمن عن تجربته، مشيراً إلى أنه وصل صباح أحد الأيام إلى مكان عمله وكان يشعر بالإرهاق والتعب. إذ لم يتسنَّ له النوم طيلة الليلة الماضية بسبب أوجاع أسنانه، وقد نسي أن يُلقي التحية على إحدى زميلاته، التي تصادف وجودها في الممر المؤدي إلى مكتبه.
اعتقدت هي أنه يتكبر عليها، فقطعت علاقتها به، ولم تحدثه مدة 15 يوماً. سوء الفهم لحالة أيمن، تحول إلى مصدر نزاع بين الاثنين. من هنا يجب توخي الحذر دائماً والانتباه إلى الأشخاص الذين يحيطون بكم في العمل، كي لا يتم إساءة فهمهم. كذلك وجب الحذر من العلاقات العاطفية التي قد تنشأ بين الزملاء، فبيئة العمل تفرض نوعاً من التنافس وتخلق علاقات غير متوازنة في جوانب عدة تولّد أجواء غير سليمة في مكان العمل. من الصعب مثلاً، أن تنشأ علاقة عاطفية بين موظف أو موظفة مع المسؤول عنه أو عنها، من دون أن تتعرض هذه العلاقة لتأثيرات ضغوط العمل، فتنعكس سلباً على جو العمل ككل.
عوامل النجاح
عندما سئل أوليفييه ديفيلارد، اختصاصي في علم النفس الاجتماعي، عما إذا كان في الإمكان العمل مع أشخاص لا نقدّرهم أو نكرههم، أجاب بأنه يمكن فعل ذلك، من خلال البحث عن النقاط الإيجابية أو المزايا الجيدة عند هذا الآخر. إذ قد يتبين أنه يتمتع بأشياء مثيرة للاهتمام. ويشير أوليفييه إلى أننا غالباً ما نكره الآخر لأنه يعكس لنا الصفات التي نكرهها في ذواتنا، والتي نحاول أن نكبتها ونخفيها، في حين أنه يتباهى بها على الملأ.
ولدى سؤاله أيضاً عن إمكانية تكوين الصداقات الجيدة في العمل، رد قائلاً: «لا يوجد سبب يحُول دون تحقيق ذلك. لكن، قد تنشأ مشكلة في العلاقة عندما تنشأ بين شخصين، يكون أحدهما أعلى درجة في سلم التراتبية الوظيفية. لا يمكن أن تنجح علاقة الصداقة التي تنشأ بين الموظف ومديره، لأن هذا الأخير سيعجز عن ممارسة صلاحياته بشكل فاعل.
- كيف نتعامل مع زملائنا في حال أعربوا عن كرههم لنا؟
يقول أوليفييه: «يجب أولاً التأكد مما إذا كانوا يمقتوننا فعلياً، أم أن الأمر ناتج عن خوفنا من ألا يحبونا. الشعور بالخوف يولّد أحياناً سلوكيات صغيرة، يشعر بها الآخرون بشكل سلبي، وتؤدي في النهاية إلى عزل الشخص ذاته عن الفريق، وكلما كبر خوفه شعر أكثر بعزلته.
- ما السلوك المطلوب من الموظف ليشعر بالراحة في عمله؟
يُعتبر الصدق والبساط والود أو الكياسة، صفات النجاح في الحياة العملية والاجتماعية على حد سواء. يجب دوماً ترك فسحة للآخر ومكالمته بأسلوب لائق ومحبب.
المصدر: كارمن العسيلي
نشرت فى 5 نوفمبر 2011
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,396,955
ساحة النقاش