يقول الحكماء: إنّ أفضل طرق التفاهم بين الزوجين هي المصارحة والمكاشفة، فهل الكشف عن الماضي يعزز الثقة، أم يؤدي إلى إهتزاز العلاقة وإحداث شرخ عميق ربّما يؤدي إلى الإنفصال؟ فهل تصارح الزوجة زوجها وتكشف له عن أسرار ماضيها، أم تظل خائفة من سر حبيس أنفاسها؟ وهل يعيب الزوج أن يكشف عن مغامراته في سنوات اللهو قبل الزواج؟ أم تظل الأسرار طي الكتمان؛ خوفاً من تصدع العلاقة الزوجة... في هذا الموضوع تقصينا آراء عدد من المتزوجين والمقدمين على الزواج، لمعرفة آرائهم، التي كان أغلبها صريحا، ويطالب الطرف الآخر بالمكاشفة إنّ بدأ هو بالطلب.
بوح الزوجة لزوجها عن أسرارها الخاصة يعتمد على ثلاثة أمور هي: شخصية الزوج، وكيفية تعامله مع هذه الأسرار، وتأثير إنكشاف هذه الأسرار على العلاقة الزوجية، ويبدو أن منار عوني، موظفة، ومقدمة على الزواج تفضل الصراحة والمكاشفة منذ بداية الطريق، وتفترض وجود أشخاص يصادفون الزوج مستقبلاً، ويطلعونه على أمور يكون هو آخر من يعلمها، تستدرك منار: "الشرقي لا يتقبل أن تكون للفتاة علاقة سابقة، من خلال تجربتي مع صديقات متزوجات، كشفن عن إسرارهنّ عن الماضي وإحداهنّ تركها زوجها"!
وتعارضها الرأي لينا ناجي، مهندسة معمارية، وبحدة ترى أنّ الحياة الجديدة مع شريك جديد ليس لها علاقة بالماضي؛ لهذا لن تفصح له عن ماضيها، وتعلّق: "شريكي مسؤول عن الحاضر والمستقبل، أمّا الماضي فليس له علاقة به، وقد اختارني لشخصيتي الحالية، وليس لشخصية الماضي التي أكون قد مررت بها بعلاقة تعارف عابرة".
- تحكيم العقل:
في حين أن رولا طارق، مصممة جرافيك، لو وُضعت في مثل هذا الموقف فإنّها تفضل الكشف عن العلاقة الماضية؛ حتى لو تسبب ذلك بمشاكل بينها وبين شريكها، رغم أنّها لا تعطي الزوج الحق في محاسبة زوجته عن ماضيها، وتابعت: "لي صديقة كشفت عن ماضيها، وحتى هذه اللحظة تعاني من عدم إستقرار في حياتها الزوجية".
رنا عبدالفتاح، مصممة جرافيك، ترى أنّ الصراحة حلوة بين الطرفين، لكن بشرط وهو تحكيم العقل، ثمّ تراجعت بمجرد التفكير للحظة، واستدركت: "أي عقل هذا؟ لي صديقات خطبن وبمجرد كشفهنّ عن ماضيهنّ فسخت خطوبتهنّ، فهذه هي طباع الرجل الشرقي، وحان الوقت أن يتفهم إحتياجات الفتاة الضرورية، وليحاسبها على الحاضر والمستقبل، وليس على الماضي الذي كان ملكاً لها".
- لا للحقيقة!
عندما أعطى الدكتور يوسف القرضاوي الحق للزوجة في أن تخفي عن شريك حياتها ماضيها مهما بلغ من سوء برر ذلك بقوله: "لأنّها ستدمر حياتها الزوجية باسم الصدق". وصف القرضاوي الزوج الذي يطلب من زوجته الحديث عن ماضيها بأنّه مخطئ، ينبش ماضياً لا علاقة له به، وحسبه أنّها تخلص له، وتؤدي حقه، وترعى بيته، ولا تقصر في شأن من شؤونه، حديث القرضاوي أسعد أم روان، ربة منزل متزوجة منذ أكثر من 15 عاماً، ولكنها أسفت منطلقة من تجارب تعرفها؛ أنّ الرجل الشرقي، والعربي تحديداً، كثير الحديث عن ماضيه ومغامراته، وتستدرك: "لو كشف ماضي الزوجة فسيستغله، وأعرف صديقة طلقها زوجها بسبب الكشف عن أسرارها مع خطيبها الأوّل".
كلام فتحية يتوافق مع وجهة نظر أم روان، إلا أنّ الكثيرات في التحقيق لم يبررن لها طريقتها في تأرجح عواطفها، لهذا رفضت الكشف عن اسمها بالكامل، ورغم أنّها مازالت تدرس في الحاسوب بإحدى جامعات دبي، إلا أنّها تمت خطبتها مرتين، تعترف فتحية: "أحبب إنساناً قبل خطيبي، ولكنه لا يدري شيئاً عن هذه العلاقة السابقة، في حين أن معظم زميلاتي على علم بذلك. وبعد عدة شهور علم بالأمر قبل أن أبوح له بما ينتابني، واعترفت له بذلك، وفي نفس الوقت لم توافقها شيرين ديب، متزوجة وموظفة في شركة خاصة، على هذه الصراحة أمام إنسان قد يكون حساساً بطبعه، والكشف عن الماضي قد يتسبب له بإرباكات نفسية، وانتقدت شيرين رجال الشرق بوجه عام؛ فهم رجال ليس لديهم ثقافة الصراحة أصلاً، وخاصة في قضية العلاقة بين الشاب والفتاة، والمكاشفة برأيها تصدع العلاقة بين الخطيبين، وإن تداركاها خجلاً ممن حولهما فقد تؤدي إلى الطلاق لاحقاً، وتنصح شيرين صديقتها فتحية في التحقيق قائلة: "لقد أدخلت الشك في قلبه، ولو أنك طويت صفحة الماضي لكان أنسب، حتى لو اضطررت إلى إنكار ما سمعه من زميلاتك، وكان عليك الإكتفاء بالقول: إنها ثرثرة فتيات وغيرة".
- إستخدمها ضدي:
أكثر ما يكرهه الرجل إذا كان زوجاً ثانياً هو حديث زوجته عن فضائل زوجها الأوّل، لذلك إلتزم زوج وفاء، ربة منزل، الصمت، ولم يتطرق للحديث عن ماضيها مع زوجها الأوّل، ولم يسألها لماذا تركته.. ماذا فعل بها؟ لكنه بعد سنوات من الزواج صار يفتعل نقاشات ساخنة عما كان يدور بينها وبين زوجها السابق، حتى أنّه تجرأ وطلب منها أن تقص عليه تجربتها معه بالتفصيل، فقالت له كل شيء، هنا جن جنونه، لم يحتمل ما سمعه منها، وتدهورت العلاقة الزوجية بينهما، حتى وصلت إلى الطلاق في المحكمة، تعلّق وفاء: "ما رويته له استخدمه ضدي أمام القاضي؛ حتى يحتفظ بحضانة الأولاد، ورغم أن كلامه لم يؤخذ بعين الإعتبار إلا أنّه تسبب لي بفضيحة بين الأهل، حتى زوجي السابق علم بالأمر، وشمت بي، وبعد أن صحوت من الصدمة أدركت أنّه كان يخطط للطلاق أصلاً، وما فعله من نبش الماضي كان مجرد ذريعة يتعلل بها".
- ملح الحياة:
شريحة كبيرة من النساء ينادين بالصراحة على ألا تكون مُطلقة، بل ممزوجة بما يسمى الكذب الأبيض، ومنهنّ أم عبدالله، التي تتعلم في إحدى المؤسسات النسوية، التي استدركت: "زوجي أيضاً له خصوصياته، فهو لا يصارحني بها؛ لأسباب كثيرة، وأنا كذلك لا أصارحه بكل شيء؛ خشية أن تنقلب الأمور على رأسي؛ لأنّ المصارحة في بعض الأحيان تؤدي إلى نتائج عكسية قد تعكر صفو الحياة، فلكل منا خصوصياته التي يحتفظ بها لنفسه، ومع ذلك فأحياناً أجد أنّه من الضروري مصارحته ببعض الحكايات قبل الزواج، كأن أقول: إن فلاناً تودد لي وآخر خطبني من أهلي، هي أشياء بسيطة ولكنها تغضبه"، الغريب أن أُم عبدالله تجد أن مثل هذه المصارحة ضرورية، وتعطي نكهة ضرورية للحياة، وتفسر عدم مصارحة زوجها لها بماضيه على أنّها تهميش لها في قلبه، وأنّها لا تعني له شيئاً.
- عقول النساء!
في الإمارات لا يثق الرجل عادة بتفكير المرأة خصوصاً فيما يتعلق بحديثه عن علاقاته، فعيسى جابر موظف متزوج وله أربعة أبناء، يرى أنّه لو كشف لزوجته ولو بأشياء بسيطة عن ماضيه فسيُدَمر البيت، ولن تثق به حتى لو نسّق شاربيه أمام المرآة، ويتابع: "هناك ضوابط ومعايير للمصارحة عندنا نحن العرب، الذين نختلف عن الأجانب الذين ينظرون إلى الأمور بشكل طبيعي، فلو صارحت زوجتي ولو بكلمة لطيفة مع إمرأة قبل زواجي منها، فقد تنقل الأمر لإبني وإبنتي اللذين يستمرئان ما فعله أبوهما في لحظات ضعف، وقد يسعيان لتطبيقه، وهذا يخالف التربية التي أصقلهما عليها".
بينما اعتبر الدكتور هيثم السامرائي، أستاذ مساعد في جامعة الجزيرة في الشارقة، المصارحة ضرورية من قبل الزوجة في كل شيء؛ حتى تستمر الحياة بينها وبين زوجها، وبتعبير يستنكره الكثيرون برر الأمر: "ذلك أنّ الرجل هو الذي يمتلك زوجته، أمّا الزوجة فلا تمتلك زوجها، وأرى أنّه من ناحية الزوج ليس هناك ضرورة في أن يسترسل بالمصارحة، إلا إذا كانت نسبة الضرر جراء مصارحته بسيطة ويستطيع تحملها".
وبرأي السامرائي أنّ الرجل العاقل هو الذي يستطيع أن يستدرج زوجته، ويعلم ما هو سبب عدم مصارحتها له، ويحاول أن يعالج ذلك بحكمة وكياسة؛ حتى يحافظ على كيان أسرته!
- ليبتعدا عن الماضي:
مناقشات قبل الزواج تسقط كل الأوراق الملطخة برأي الموجهة الأسرية علياء سعيد، فهي تنصح كل شاب وفتاة مقبلين على الزواج بذلك؛ حتى يبدأ حياتهما معاً منذ اليوم الأوّل للزواج، لكنها استدركت: "طبعاً لا داعي لمناقشة الأمور التافهة التي من الممكن أن تكون سبباً في إهتزاز العلاقة الزوجية، ولكن طريقة الطرف الآخر في الحياة قد تكشف شيئاً عن الماضي مهما حاول إخفاءه".
بينما الإختصاصية النفسية فاطمة المرزوقي، بدت أكثر تحفظاً، فمن خلال تعرفها على حالات تعالجها ثبت لها أنّ البحث عن الماضي يترك آثاراً سلبية على الحياة الزوجية نظراً لطبيعة الرجل الشرقي، والعادات والتقاليد التي يلتزم بها مجتمع الإمارات تحديداً، لكنها علقت: "حياة الفتاة قبل الزواج تعتبر ملكاً لها، وليس من حق الرجل أن يسألها عنها، سواء كانت إيجابية أو سلبية؛ لأن أغلب الأزواج سيقومون بمحاسبة الزوجة، ولو كانت مخطوبة سابقاً لشاب وتم الإنفصال لأسباب معيّنة فمن المفترض ألا يعرفها"، وقد كشف لنا المرزوقي أن أغلب الشبان الإماراتيين المقبلين على الزواج لا يرتاح لهم بال، ويتقصون عن العريس السابق؛ حتى يصلوا إلى هدفهم، ثمّ تبدأ المشاكل لتطفو على السطح".
- الحاضر فقط!
الرجل لابدّ وأن يتابع زوجته من باب الغيرة والمحافظة عليها ليس إلا، هذا من حقه شرعاً، هذا ما يراه المأذون الشرعي الشيخ سيف الجابري، بحيث لا يترك لها الحبل على الغارب، وتابع بحدة: "أيضاً عليه أن يطلع على خصوصياتها وهي معه، فليس هناك خصوصيات تخفى على الزوج؛ لأنّ الزوجة ليست لها قوامة".
وعندما سألناه عن حق المرأة في معرفة ماضي زوجها رأى أن عليها متابعة سلوكه فقط، ونصحه فيما يرضي الله، وعلّق الشيخ الجابري: "الرجل أمره أكبر، وحقه أعظم في معرفة كل ما يخصّ بيته، أمّا عن خصوصيات الماضي فلا يجب على الزوجة إطلاع الزوج عليها، وعليها أن تتوب إلى الله؛ لأن من مصلحتها ومن مصلحة الأسرة ألا تخبره؛ لما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية تضر بالأسرة والمجتمع".
المصدر: زكي الأشقر
نشرت فى 23 أكتوبر 2011
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,387,694
ساحة النقاش