الأبناء نعمة من الله، ولكن عندما يرزقك الله بطفلٍ يعاني من مشكلةٍ صحِّية، أو إعاقة بدنيَّة، أو عيب خِلْقي - عندها تَذْكر أن الله ألقى على عاتقك مسؤوليَّة كبيرة جدًّا، لا تتصوَّر أن الألم الذي سيعتصر قلبك حينها، وصبرك عليه هو المقصود، بل هناك ما هو أكبر، فأنت تحمل عبء تنشئة هذا الطِّفل؛ لِيَشعر بالفعل أنَّه يَحيا حياة طبيعيَّة، معادلة صعبة وعسيرة في تحقيقها، لكنها ليستْ مُستحيلة، طفل غير طبيعي ينشأ ويعيش باعتباره طبيعيًّا، كيف يمكن تحقيق ذلك؟
في بداية هذا المشوار الطويل الشاق، احمد الله على ما ابتلاك به، وعاهِدْ نفسك على أن يحيا ابنك بسلام وبحرية، وأن يحيا طبيعيًّا، ثم ابدأ العمل، تذكَّر أن خوفك عليه وتألُّمَك من أجله سيدفعك لارتكاب الأخطاء والهفوات، هذه ليست أخطاء بمعنى الأخطاء، وإنما هي أخطاء في الأسلوب الصحيح للتعبير عن معاني الرعاية والاهتمام، فحتى عندما نهتم بمن نحب، أو نَهتم بأصدقائنا أو إخواننا أو والِدَيْنا... إلخ.
علينا أن نذكر دائمًا هذا الخيط الرفيع الذي يفصل بين الرعاية وبين جرح شعور الطَّرَف الآخر؛ لشعوره بالنقص والعجز، لا نقول: يجب أن نحافظ على هذا الخيط فقط، بل يجب ألا يُمسَّ أو يهتز أيضًا؛ فالشعور بالنقص والحرمان أو العجز ينمو سريعًا داخل الإنسان، ويولِّد نوعًا من النضج المبكر في بعض جوانب شخصيته، قد يكون البعض قادرًا على التعبير عن نفسه في تلك المواقف الحسَّاسة، والكثير لا يملك ذلك، وهناك الأكثر ممن يملكون القدرة على التعبير، لكن الشعور الداخلي بالألَم والمرارة يدفعهم إلى التزام الصَّمت رغمًا عنهم؛ لهذا لا تكن قاسيًا مع ابنك حتى في رعايتك وخوفك عليه، لا تسأل سؤالاً لن تفيد منه، إن كان ابنك يعاني من مشاكل بصريَّة فلا داعي لتسأله باستمرار: "أتستطيع رؤية هذا هناك؟"، أنت تطرح السؤال بنوايا طيِّبة، وابنك يُدْرِك هذا، لكن على كل حال قد اخترق سؤالُك المتكرِّر قلْبَه، ونزف منه ولو قطرات.
قد ترغب في أن تخفي عيوب ابنك عن الآخرين، حتَّى لا يتعرض له البعض بالسُّخرية، أو طرح الأسئلة المؤذية، وهذا شعور نبيل منك؛ لكن افعل هذا بطريقة غير مباشرة، فلا تقل: ارتدِ هذا حتى تخفي ساقك أو ذراعك مثلاً، ولكن قل له: هذا أجمل عليك، ارتدِ هذا المعطف اليوم؛ فأنا أفضله أكثر.
وفي كلِّ الأحوال تذكر أنْ تَمنح ابنك قدرًا كافيًا من الحرية؛ فالرعاية المستمرة تصيب الإنسان أحيانًا - وفي لحظات معينة - بما يشبه الاختناق النفسي، إنه نفْسُ الشُّعور الذي قد ينتابك عندما تتواجد في مكان ضيق جدًّا، وتشعر بضيق التنفُّس، هكذا ابنك في لحظات معينة، أنت تخنقه ليس بالرعاية في حد ذاتها، وإنما بشعوره الداخلي بالعجز الذي يجعله دومًا في حاجة للرعاية، وكلما كانت إعاقة ابنك بعيدًا عن القدرات العقلية، وكلما كان هو أكثر نضوجًا؛ احتجْتَ أنت إلى قدر أكبر من الوعي والحذر في التعامل معه.
تذكَّر، لا تتصرف بدافع الحب الأبوي فقط، لا تتعاملي بقلب الأم فقط، لا بد من التعقُّل في الكثير والكثير جدًّا من المواقف، امنح ابنك الفرصة ليعيش بقوةٍ وحريةٍ، ساعده على أن يجتاز أوجُهَ القصور فيه، لا تجعله يحيا في سجن نفسي، كلَّما حاول الهروب منه رَددْتَه أنت إليه دون أن تدري، وتذكر أن الكلمة البسيطة قد تُدمي، عندما يَصطنع ابنك القوة والقدرة على الاعتماد على النفس، وتحمُّل المسؤولية فاتركه يجرِّب ويخوض هذه المعركة، فهي ليست معركةً مع الحياة، وإنَّما معركة مع النفس، فقط اهتمَّ وراقب عن بُعْد، وكن جاهزًا عندما يطلب منك العون، وتَمنَّ له الانتصار في معركته، وتذكر أن هذه المعركة حتمًا ستأتي، فكن مستعدًّا لَها.
وكلمة أخيرة:
إذا رزقك الله بأطفال أصحَّاء، فلا تنسَ أن تلقنهم أدب التعامل مع غيرهم من الأطفال الذين يعانون من مشكلات بعيدة عنهم، علِّم ابنك ألاَّ يسخر من آخر، علِّمه أن يساعد الآخرين بِحُب، علِّمه ألا يسأل الآخرين عن أسباب عدم قدرتهم على فعل هذا أو ذاك، علمه ألا يتعجب من عيب خِلقي؛ فأنت لن تكون سعيدًا إذا رُزقت بطفلٍ يعاني من مثل هذه المظاهر المؤلمة.
ارحم طفلك، وعلِّمه أن يرحم الآخرين مِن حوله.
المصدر: موقع شبكة الألوكة
نشرت فى 8 أكتوبر 2011
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,396,885
ساحة النقاش