ماذا عن الانتخابات

مر علي خاطري عدة أفكار وأنا أتابع علي القنوات الفضائية مراحل الانتخابات الفلسطينية وهي تجري في بلد تحت الاحتلال ومحاصر بقوي طاغية وقد مرت الانتخابات بسلام وأفرزت صورة ديموقراطية تحت إشراف ومرأي من العالم وقارنت كذلك التجارب الديموقرطية التي رأيناها في الانتخابات الأمريكية وكيف أن المرشح يفوز علي منافسه بنسب تكاد تكون متقاربة علي العكس مما يحدث عندنا من الفوز بنسب 99%... ورجعت سريعا إلى مصر وكيف أننا بعد سنوات طويلة لا نري أي انتخابات حقيقية وكيف أن الشعب يكاد يكون قد يئس من الانتخابات وانصرف عنها لأنها لن تأتى بأي جديد وكيف أننا منذ حوالي ربع قرن ما زلنا نحكم بنفس الأشخاص (فتحي-كمال – شريف- يوسف .. الخ .. ) وكأن مصر قد أصبحت عقيمة ولا تستطيع أن تخرج لنا شخصيات وعقول جديدة تستطيع تحريك البلاد للأمام وعندما استعرضت في ذهني ما يحدث في المجتمع المصري والحملات التى بدأت للتحضير للانتخابات القادمة وكيف يتم إبراز صورة القيادة في الصحف بأن هذا العهد قد تم فيه ما لم يتم من قبل ولا يمكن أن يكون في الامكان أبدع مما كان وان هذه القيادات التاريخية هامة جدا لاستمرار الاستقرار والتقدم والأمان.

    ولكن بالرجوع إلى حقائق الأمور ومن خلال عملي في مجال الصحة النفسية يجب أن نلاحظ النقاط التالية :

أولا : أن التغيير سنة من سنن الحياة وان دوام الحال من المحال وان التغيير الطبيعي أفضل من التغيير الفجائي ( الموت أو المرض ) .

ثانيا : إن استمرار أي قيادة في مكانها مدد طويلة تؤدي إلى آثار سلبية خطيرة في المجتمع من الإحباط واليأس .. ولنفكر مثلا لو أن أي مدير ظل في موقعه مدي الحياة .. ماذا سيكون من حال الموظفين المرؤوسين تحته !!! إن ذلك سوف يقتل الطموح في نفس المجتمع خصوصا إذا كان فكر هذا المدير أو القيادي فكر متصلب في اتجاه موضوع معين .

ثالثا : إنه حتي في الجامعات ومراكز الأبحاث التي يديرها العلماء والاستشاريين يتم تغيير القيادة عندما تصل إلى سن 60عام حتي ولو كانت من أفضل العقول وذلك لضخ دماء وفكر جديد يفيد المجتمع ككل خصوصا أن الإنسان عندما يصل إلى السن المتقدم يبدأ في المعاناة من إضمحلال القدرات الذهنية . ولننظر كذلك إلى قدرة الشباب علي تفهم التكنولوجيا الحديثة والعلوم الحديثة وسهولة معاملتهم مع تلك التكنولوجيا بالمقابل لكبار السن حتي لو كانوا يحملون اعلي الدرجات العلمية .. إن كبر السن يؤدي إلى ضعف القدرة علي التركيز والاستيعاب ولنضرب مثلا هل يستطيع  قائد الطائرة في سن الستين أن يكون في نفس كفاءة وتحمل قائد الطائرة المقاتلة في سن الثلاثين .

رابعا :إن طبيعة عمل القائد تفرض عليه إجراءات حماية وعزلة عن الحياة الاجتماعية الطبيعية وذلك من دواعي الأمن.. فإذا استمر الإنسان في تلك الحياة فانه بعد فترة من الزمن لن يشعر بشعور الإنسان العادي الذي يعيش ظروف الحياة الطبيعية وبذلك فان قرارات تلك القيادة تكون بعيدة عن نبض الجماهير ومعاناتهم ولذلك لجأت جميع الدول المتقدمة لوضع نظام يحد من استمرار أي قيادة في موقعها لمدة فترة أو فترتين بعدها تترك مكانها للآخرين وتعود تلك القيادة لخدمة البلد في مكان آخر.

خامسا : إذا كانت مقولة الاستقرار لاستكمال المسيرة حقيقة واقعة فلماذا يتم إذا تغيير رئيس الوزراء والوزراء وقادة الجيش كل فترة بالرغم من وجود خطة تنمية بدأها هؤلاء الوزراء وتحتاج للاستقرار لاستمرار المسيرة.

سادسا :  إن استمرار الوضع كما هو عليه بحجة أن هذا الوضع هو احتراما للدستور- مع أن هذا الدستور قد عدل في فترة السبعينيات لرغبة الحاكم في ذلك الوقت من الاستمرار في الحكم مدي الحياة وهذا الدستور ليس قرآنا غير قابل للتعديل- وان هناك ظروف عالمية وداخلية تفرض علينا المحافظة علي هذا الاستقرار وعدم تعديل الدستور..كل هذه حجج واهية تكبت الحريات وهي التي أدت إلى ظهور التطرف في المجتمعات العربية بسبب الكبت الشديد في تلك المجتمعات وغياب الحريات مما أدى إلى ظهور الإرهاب الإسلامي الذي يحمل بصمة مصرية في الأصل...راقبوا كل الأحداث تجدون أن الأصل فيها مصري (الظواهري – عمر عبد الرحمن – الزمر )  .

سابعا : إن مقولة أن شعبنا لا يفهم ولا يهتم بالسياسة هو مقولة خبيثة هدفها تمكين مجموعة معينة من التحكم في مصير البلد بحيث يكونوا هم الأوصياء الوحيدين علي هذا البلد تحت شعار تجنيب البلد شر الفتن والأزمات..  إن الشعب عندما يشعر أن هناك انتخابات حقيقية تدار بنزاهة فانه يقبل عليها باهتمام... لاحظ ما حدث في انتخابات النقابات والنوادي (الأهلي والجزيرة والصيد).

ثامنا : لقد ولدت وعاشت أجيال ولم تجد أمامها إلا قائد واحد استمر سنين طويلة بدون أي أمل في التغيير ولذلك فان الجميع قد أشاح بوجهه بعيدا عن صناديق الانتخابات لأنه قد يئس من إمكانية أي تغيير وفقد الشباب الانتماء لأنه يئس من الحصول علي فرص حقيقية للمشاركة في حكم البلد مما أدى إلى السلبية والتخلف واليأس وانتشار الفساد والمحسوبية وانهيار القيم.

تاسعا : إن تقديس القيادة وجعلها فوق مستوي النقد والتحدث عن القيادة الملهمة والتاريخية التي لا تخطئ كل ذلك يؤدي إلى إفساد البلد.. والواجب الرجوع إلى أن القائد فرد من الناس يخطئ ويصيب فإذا أخطا وجب تصويب خطؤه وإذا أصاب وجب شكره وبدون الغلو في المدح والشكر

المصدر: د.محمود جمال ابو العزائم

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,398,601