سوف نتحدث عن الصورة النمطية – أى الصورة الأكثر شيوعاً- لكل من المدير والسكرتيرة ، وهذا لا يمنع وجود استثناءات لا ينطبق عليها ما نقوله .
فالمدير غالباً ما يكون شخص طموح ذكى جاد وملتزم ، قضى صباه وشبابه فى كفاح مرير لكى يحقق النجاح ويتفوق على أقرانه ويصل إلى الموقع القيادى الذى كان يحلم به . وربما تكون لديه سمات الشخصية البارانوية مثل الغيرة وحب الاستعلاء والشك والرغبة فى السيادة والسيطرة ، وفى أعماقه شعور بالاضطهاد وشعور بالدونية يدفعانه إلى العلو والسيطرة كنوع من التعويض والرغبة فى الانتصار .
هذه هى مواصفات الشطر الأول من حياة المدير ، أما الشطر الثانى فإنه يجنى فيه ثمرة كفاحه حيث يشعر بالاستقرار المالى والاجتماعى والنفسى ، ويتضخم شعوره بذاته وربما يصل إلى درجة النرجسية خاصة إذا كان محاطاً بمجموعة من الموظفين الذين ينفخون فى هذه الذات طول الوقت . وفى هذه الظروف يتذكر المدير قصة كفاحه الطويلة وكيف عانى فيها من الجهد والحرمان ويشعر أن من حقه أن يعوض ما فاته فى سنوات الحرمان وخاصة وهو يشعر الآن بقوته وسيطرته وأن من حقه أن يأخذ كل ما يريد لأنه ناجح وقوى ويستحق كل شئ بشهادة الجميع الذين يمتدحونه طول الوقت .
والمدير بطبيعة ظروفه (خاصة إذا كان من طبقة اجتماعية بسيطة) وشخصيته يعتبر العمل هو حياته لذلك تجده فى أحسن حالاته حين يكون فى العمل فهو أنيق ومتألق ومتدفق وذو شخصية جذابة ومؤثرة وفاعلة ، وحين يضاف إلى ذلك فخامة المكتب وهالة المنصب فإنه يصبح نجماً ساطعاً فى محيط عمله ، الكل ينتظر قدومه ويتمنى رضاه ويتابع حالته المزاجية ، أى أنه هو مركز الاهتمام فى محيط عمله ، ولذلك نجده يقضى فيه معظم وقته ويعتبر أى وقت خارج العمل وقت ضائع .
فإذا تتبعنا هذا المدير فى بيته فسنجد الصورة تختلف تماماً حيث نجد شخصية مرهقة تريد أن تستسلم للراحة والاسترخاء من عناء العمل ، لا يحب الدخول فى مشكلات البيت والزوجة والأولاد لأن مشاكل العمل تكون قد استنزفت كل طاقاته ، وهو يلبس بيجامة أو جلباباً (مقابل البدلة الأنيقة فى العمل) ، وتبدو شخصيته باهتة منسحبة (مقابل الشخصية المتألقة الفاعلة فى العمل) ، وربما يبدو عصبياً متأففاً ، ويفضل أن يمارس أنشطة تخلو من التفكير الجاد كأن يقرأ فى جريدة أو يطالع التليفزيون أو يداعب أبنائه دون الدخول فى تفاصيل حياتهم أو احتياجاتهم . وزوجة المدير تكون أقرب إلى الخادمة منها إلى الزوجة فهى قد ضحت بعملها لكى تكون فى البيت تلبى احتياجاته واحتياجات الأبناء نظراً لانشغال الأب (المدير) ، وتصبح ملمة بكل تفاصيل البيت والأولاد ولكنها تجهل الكثير عن العالم الخارجى ، وهى ضامرة المشاعر مع الزوج المشغول دائماً والمرهق فى حال وجوده بالمنزل ، لذلك تتحول شخصيتها بالتدريج دون أن تدرى إلى شخصية أم (تضع همها ومشاعرها كلها فى ابنائها) وإلى شخصية خادمة تنتظر الزوج العائد فى آخر الليل متعباً لكى تساعده فى خلع ملابسه وأخذ حمامه وتناول عشائه والذهاب إلى سريره ليصحو مبكراً ويذهب لعمله .
ونرجو أن ينتبه القارئ إلى أننا لا نقصر كلامنا هنا على وظيفة معينة اسمها "المدير" ولكن هذا الكلام ينصرف أيضاً إلى الطبيب فى مستشفاه أو فى عيادته ، والمحامى فى مكتبه ، والمهندس فى موقع عمله ورئيس مجلي الإدارة فى شركته و ……و ……… إلخ .
وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى شخصية السكرتيرة فهى تميل فى كثير من الأحيان إلى السمات الهستيرية أى أنها تكون استعراضية تحب لفت الأنظار بشكلها وملابسها وزينتها وروائح عطرها ، وتحب أن تبدو رقيقة ونشيطة ومجاملة وجذابة وأحياناً مغوية . وعلى الرغم من كل هذه المظاهر المغرية والجاذبة إلا أنها تكون سطحية المشاعر لا تستطيع أن تحب إلا نفسها ، ولا تستطيع أن تعطى شيئاً ، فهى كما يقولون "تعد ولا تفى" أو "تغوى ولا تشبع" . وعملها كسكرتيرة للمدير الناجح والقوى والمؤثر يشبع لديها كل هذه الميول فهى تملك مفاتيح المدير وهى تستقبل زائريه فتسمح لمن تريد وتمنع من لا تريد ، لذلك فالكل يطمع فى رضاها لأنها هى مدخل المدير ، ووجودها فى هذا المكان وسط هذه الجموع من الناس يعطيها فرصة لممارسة ميولها الاستعراضية على الجمهور من ناحية وعلى المدير من ناحية أخرى . وبما أنها شخصية استعراضية وطموحة وتحب أن تكون فى مركز الاهتمام فإنها تسعى بوعى أو بدون وعى إلى استدراج المدير حتى يقع فى شباكها . ويساعدها على ذلك دورها الذى تقوم به فهى تقضى وقتاً طويلا بالقرب من المدير ، وهى ترتب له أوراقه ومواعيده ومقابلاته ، وتعرف الكثير من أسرار العمل … ليس هذا فقط بل أنها ترعاه وجدانياً فتخفف عنه إذا كان فى حالة ضيق ، وتأتى له بفنجان القهوة إذا شعر بالارهاق ، وتعدل درجة حرارة الغرفة وتعتنى بجمال ونظافة المكان الذى يجلس فيه وتواسيه إذا كان حزيناً ، وربما تداعبه بكلمة إذا كان فرحاً … وهكذا تواكب وترعى كل احتياجاته العملية والوجدانية بشكل رقيق وهادئ ، وهى تتحرك طول الوقت فى حيوية ونشاط وتدفق ، فالعمل بالنسبة لها – كما هو بالنسبة للمدير - هو حياتها لأنها تجد فيه اشباعاً لكل احتياجاتها لذلك تكون فى أحسن حالاتها الجسمانية والوجدانية فى وقت العمل .
واذا كان الاثنان (المدير والسكرتيرة) يكونان فى أحسن حالاتهما فى العمل ، وكل منهما يعطى الآخر ما يحتاجه بالشكل الذى يريحه ، ويقضيان أغلب وقتيهما فى العمل ، فإنه من الطبيعى أن تنشأ علاقة ايجابية بين الاثنين نتيجة لذلك الارتباط الشرطى الذى يحدث لكلما التقيا . وهذه العلاقة الايجابية ربما تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك طبقاً لاحتياجات المدير أو احتياجات السكرتيرة أو احتياجاتهما معاً ، فالمدير يشعر بحرمان عاطفى نتيجة تحول زوجته إلى أم وخادمة ونتيجة حرمانه فى فترة كفاحه ، وهو يقارن بين زوجته التى أنهكتها السنين وواجبات البيت والأولاد وبين السكرتيرة الشابة المليئة بالحيوية والنشاط والمشاعر (رغم سطحيتها) . والسكرتيرة من جانبها تطمح إلى مركز المدير وشخصيته وماله ونجاحه ونجوميته فلا مانع لديها من تلك الصفقة التى تعطيه فيها شبابها مقابل كل هذا ، ولا يهم فارق السن فعلى الرغم من أن المدير فى الخمسين من عمره إلا أنه يبدو شباباً ، بل هو يتفوق على الشباب فى نضجه ونجاحه واستقراره .
وإذا وصلنا إلى هذه النقطة وقع المحظور وتحولت علاقة العمل إلى علاقة خاصة تنقلب فيها الأمور حيث تمتلك السكرتيرة قوة وتأثيراً على قلب المدير وبالتالى على حياته وقراراته ، ويصبح المدير مسيراً برغباتها وأمنياتها ويؤثر ذلك كثيراً على نجاحه فى العمل لأن الوضع انقلب حيث اصبحت هى التى تحركه من خلال ملكيتها وسيطرتها على احتياجاته الوجدانية . يضاف إلى ذلك ما يعانيه المدير من صراع بين اخلاقياته واحتياجاته ، وبين زوجته وأولاده من ناحية وبين السكرتيرة من ناحية أخرى ، وهذا الصراع يؤثر كثيراً على تركيزه وعلى فاعليته فيبدو مشوشاً مضطرباً .
ولذلك فهم قد انتبهوا فى الدول الأكثر تقدماً إلى هذا الجانب ، فحين تتحول العلاقة بين المدير والسكرتيرة من علاقة عمل إلى علاقة خاصة ، فلابد من تغيير أحدهما لأن مصلحة العمل فوق الجميع . اما فى المجتمعات النامية فإن الأمر يتوقف على درجة نضج المدير ، حيث إذا كان ناضجاً ورأى الأمر على حقيقته وعرف أن جزءاً كبيراً مما يراه من السكرتيرة ليس هو حقيقتها ، ولو أراد معرفة الحقيقة فلن يتاح له ذلك إلا من خلال صورتها حين تعود لبيتها فتصبح إنسانه مرهقة خاملة عصبية حادة ، وأنها حين تصبح زوجة له – كما يريد - فسوف تتحول (أو يحولها هو) إلى صورة أقرب إلى (وربما أسوأ من صورة ) زوجته . فإذا سمح له نضجه بهذه الرؤية فإنه سيرى فضل زوجته الوفية المخلصة التى رافقته فى مشوار كفاحه وضحت باحتياجاتها من أجل نجاحه وأن ما ينعم به الآن من نجاح لم يكن ليتحقق لولا هذه المرأة القابعة فى أعماق بيته تهيئ له الاستقرار والراحة ، وإن كانت قد فقدت شيئاً من أنوثتها فهو مسئول عن ذلك وقد جنى ثمنه جزءاً من نجاحه وباستطاعته اعادته إليها مرة أخرى بالاقتراب الودود من مشاعرها التى طال اهماله لها .
ساحة النقاش